الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 145 ] الإعراب:

                                                                                                                                                                                                                                      (ويعلم الصابرين) : النصب بإضمار (أن) ، وقيل: بالواو، والتقدير: ولما يقع العلم بالجهاد، والعلم بصبر الصابرين، والجزم على العطف على (يعلم) الأولى; لأنه لو أفرد فقيل: (ولما يعلم الله الصابرين منكم) ; جاز.

                                                                                                                                                                                                                                      و (تلقوه) و (تلاقوه) متقاربان، وقد تقدم مثله.

                                                                                                                                                                                                                                      (أفإن مات أو قتل) : دخلت ألف الاستفهام على حرف الشرط، ومعناها: الدخول على الجزاء; لما كان كل واحد من الشرط والجزاء معلقا بالآخر، واعتمد الاستفهام عليهما جميعا، وقد تقدم ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      (وكأين) : أصلها: (أي) ، دخلت عليها كاف التشبيه، فصارت بمعنى (كم) ، وصورت في المصحف نونا; لأنها كلمة نقلت عن أصلها، فمن وقف بنون; اتبع الخط، ومن وقف بغير نون; فلأنها تنوين.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: (وكآئن) مثل: (كاعن) ; فهو مقلوب، قدمت الياء الشديدة [قبل الهمزة، ثم خففت الياء الشديدة] بحذف المتحركة، كما حذفها [ ص: 146 ] الشاعر في قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      (والسماكين أيهما)وقد تقدم ذكره، ثم قلبت الياء الساكنة ألفا، كما قلبت في (آية) في قول من جعل أصلها (أية) ، وساغ ذلك والكاف زائدة; لأنها اتصلت بـ(أي) حتى صارت ككلمة واحدة، كما قالوا: (لعمري) ، و (رعملي) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: بل قدمت إحدى الياءين -وهي الساكنة المدغمة- مكان الهمزة، وفتحت كما كانت الهمزة مفتوحة، وصارت الهمزة ساكنة موضع الياء، ثم قلبت الياء التي قدمت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وكسرت الهمزة; لالتقاء الساكنين، وبقيت الياء الأخيرة مكسورة، فحذفت كسرتها استثقالا، فسكنت، ودخل عليها التنوين، فحذفت; لالتقاء الساكنين، قاله الخليل.

                                                                                                                                                                                                                                      يونس: (كآئن) : فاعل من الكون، وكان يجب أن يعرب على قوله.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: (وكإن) مثل: (وكعن) ; فالقول فيه كالقول المتقدم عن الخليل، إلا أن الألف التي قبل الهمزة حذفت; لأن الهمزة في تقدير السكون من حيث كانت كسرتها عارضة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 147 ] ومن قرأ: (وكأين) ، أسكن الياء والنون; فإنه لما قلبت الكلمة من (كأين) إلى (كيئن) ، وحذفت الياء المتحركة، وصار إلى (كيئن) ; قلبه، فصار إلى (كأين) ، وجاز ذلك; لأنه مراجعة إلى الأصل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (قتل معه ربيون كثير) : من قرأ: (قتل) احتمل أن يكون في (قتل) ضمير يعود إلى (نبيء) ، وهو اسم ما لم يسم فاعله، ويرتفع (ربيون) بالابتداء، أو بالظرف، ويتعلق (معه) بمحذوف، كأنه قال: (مستقر معه ربيون) ، وموضع (معه ربيون) يجوز أن يكون نعتا لـ(نبيء) ، أو حالا منه، أو من الضمير في (قتل) ، و (قتل) صفة لـ(نبيء) ، ويقوي هذا التقدير قوله: (أفإن مات أو قتل) [آل عمران: 144]; ففي (قتل) ضمير النبي عليه الصلاة والسلام، ويحتمل ألا يكون في (قتل) ضمير، ويكون (ربيون) اسم ما لم يسم فاعله.

                                                                                                                                                                                                                                      وخبر (وكأين) إذا أسندت (قتل) إلى (نبيء) : يجوز أن يكون (معه ربيون) ، ويجوز أن يكون مضمرا، ويكون (معه ربيون) حالا من (نبيء) ، أو من المضمر في (قتل) ، أو صفة لـ(نبيء) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 148 ] وإن أسندت (قتل) إلى (الربيين) ; جاز أن يكون (قتل معه ربيون) الخبر، وجاز أن يكون (قتل معه ربيون) صفة لـ(نبيء) ، والخبر مضمر.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: (قاتل) ; احتمل أن يكون الفاعل أيضا من ضمير (نبيء)المتقدم، واحتمل أن يكون الفاعل قوله: (ربيون) .

                                                                                                                                                                                                                                      ويوقف على (قتل) و (قاتل) إذا قدرت فيهما ضمير (نبيء) ، ولا يوقف عليه إن قدرت (قتل) أو (قاتل) مسندا إلى قوله: (ربيون) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن فتح الراء من قوله: (ربيون) ; فوجهه: أنه منسوب إلى الرب، وضم الراء وكسرها لغتان، وهو منسوب إلى الربة; وهي الجماعة، ويقال فيها: الربة والربة.

                                                                                                                                                                                                                                      (فما وهنوا) : فتح الهاء وكسرها لغتان، حكاهما أبو زيد.

                                                                                                                                                                                                                                      (وما كان قولهم): الرفع على أنه اسم (كان) ، و (أن قالوا) : الخبر، والنصب على أنه الخبر، و (أن قالوا) الاسم، وهما معرفتان.

                                                                                                                                                                                                                                      (بل الله مولاكم) : ابتداء وخبر، ويجوز في الكلام: (بل الله مولاكم) على تقدير: بل أطيعوا الله مولاكم، ودل عليه ما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 149 ] وضم العين وإسكانها من (الرعب) لغتان.

                                                                                                                                                                                                                                      (حتى إذا فشلتم) : جواب (إذا) محذوف، كأنه قال: امتحنتم، أو نحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الجواب: (وتنازعتم) ، والواو زائدة.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي : يجوز أن تكون (ثم) زائدة، فيكون التقدير: (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم; صرفكم عنهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في (تصعدون) و (تصعدون) .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الأمنة) و (الأمنة) لغتان، معناهما: الأمن، ونصبها بأنها مفعول له، كأنه أنزل عليهم للأمنة نعاسا، أو تكون (الأمنة) مفعولة، وقوله: (نعاسا) : بدل منها.

                                                                                                                                                                                                                                      (يغشى طائفة منكم) : التاء على معنى: (تغشى الأمنة) ، والياء على معنى: (يغشى النعاس) ، يقوي الأول: أن النعاس إن كان بدلا من (أمنة) ; فليس المبدل منه في تقدير ما يسقط ويستغنى عنه، ويقوي الثاني: أن الفعل أقرب إلى (النعاس) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 150 ] (قل إن الأمر كله لله) : من نصب. (كله) ; فهو تأكيد لـ(الأمر) ، وهو بمعنى: (أجمع) في الإحاطة والعموم، و (أجمع) لا يكون إلا تأكيدا، ومن رفع; فعلى أنه مبتدأ، و (لله) الخبر، يقوي ذلك: الابتداء به في قوله تعالى: (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) [مريم: 95]، وحسن الابتداء به; لأن قبله كلاما، فكأنه أتبع به ما قبله، فصار بمنزلة ما جرى تأكيدا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: (أو كانوا غزى) : من خفف; جاز أن يكون تخفيفا من (غزى) ، على ما يستعملونه من تخفيف المشدد كراهة التضعيف، وجاز أن يكون أراد (غزاة) ، فحذف هاء التأنيث، كما قالوا: (ناح) في (ناحية) ، و (مألك) في (مألكة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وضم الميم وكسرها من (مت) وبابه لغتان، يقال: (مت تموت) ، و (مت تموت) ; مثل: (فضل يفضل) ، و (مت تمات) ; مثل: (خفت تخاف) .

                                                                                                                                                                                                                                      وجواب الجزاء في قوله: (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم) محذوف، استغني عنه بجواب القسم في قوله: (لمغفرة من الله) ، وكان الاستغناء بجواب القسم أولى; لأن له صدر الكلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم: (فبما رحمة من الله) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 151 ] وقوله: (فإذا عزمت) : من ضم التاء; فإن الله تعالى نسب العزم إلى نفسه; إذ هو بهدايته وتوفيقه، كما قال: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) [الأنفال: 17]، والمعنى: فإذا أريتك أمرا فاعمل به.

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية