الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فصل في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومبلغ سنه حال وفاته ، عن ابن عباس ، قال: ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين ، [واستنبئ يوم الاثنين] ، وتوفي يوم الاثنين ، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين ، وقدم المدينة يوم الاثنين ، ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين" .

            وقال غيره: بعث يوم الاثنين ، وخرج من مكة يوم الاثنين .
            وقال السهيلي وابن كثير والحافظ : لا خلاف أنه- صلى الله عليه وسلم- توفي يوم الاثنين في ربيع الأول .

            قال ابن عقبة : حين زاغت الشمس .

            قال في المنهل : والأكثر على أنه حين اشتد الضحى .

            قال الأكثر في الثاني عشر منه وعند ابن عقبة ، والليث والخوارزمي من هلال ربيع الأول .

            وعند أبي مخنف والكلبي في ثانيه ، وجزم به سليمان بن طرخان في «مغازيه» ورواه ابن سعد عن محمد بن قيس ، ورواه ابن عساكر عن سعيد بن إبراهيم عن الزهري وعن أبي نعيم الفضل بن دكين ورجحه السهيلي .

            وعلى القولين يتنزل ما نقله الرافعي أنه عاش بعد حجته ثمانين يوما .

            وقيل : إحدى وثمانين ، وأما على ما جزم به النووي فيكون عاش بعد حجته تسعين يوما ، أو إحدى وتسعين يوما .

            واستشكل السهيلي وتابعه غير واحد ما عليه الأكثر من كونه مات يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول ، وذلك أنهم اتفقوا على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة ، وهو التاسع من ذي الحجة ، فدخل ذي الحجة يوم الخميس ، فكان المحرم إما الجمعة وإما السبت ، فإن كان الجمعة فقد كان صفر إما السبت وإما الأحد ، وإن كان السبت فقد كان ربيع الأول الأحد أو الاثنين ، وكيفما دارت الحال على هذا الحساب فلم يكن الثاني عشر من ربيع الأول بوجه .

            وقول أبي مخنف والكلبي وإن كان خلاف [أهل] الجمهور ، فإنه لا يبعد أن كانت الثلاثة الأشهر التي قبله كلها تسعة وعشرين فتدبره ، فإنه صحيح .

            وقول ابن عقبة والخوارزمي أقرب في القياس من قول أبي مخنف ومن تابعه .

            قال ابن كثير : وقد حاول جماعة الجواب عنه ، ولا يمكن الجواب عنه إلا بمسلك واحد ، وهو اختلاف المطالع ، بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس ، وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة .

            ويؤيد هذا قول عائشة وغيرها ، خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لخمس بقين من ذي القعدة ، يعني : من المدينة إلى حجة الوداع [ويتعين بما ذكرناه أنه خرج يوم السبت ، وليس كما زعم ابن حزم أنه خرج يوم الخميس ، لأنه قد بقي أكثر من خمس بلا شك ، ولا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة لأن أنسا قال : صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين فتعين أنه خرج يوم السبت لخمس بقين] .

            فعلى هذا إنما رأى أهل المدينة هلال ذي الحجة ليلة الجمعة ، وإذا كان هلال ذي الحجة عند أهل المدينة الجمعة ، وحسبت الشهور بعده كوامل يكون أول ربيع الأول يوم الخميس ، فيكون ثاني عشر يوم الاثنين ، والله تعالى أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية