الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وقد اشتغل الصحابة رضي الله عنهم ، ببيعة الصديق بقية يوم الاثنين وبعض يوم الثلاثاء ، فلما تمهدت وتوطدت وتمت ، شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبي بكر الصديق ، رضي الله عنه . قال ابن إسحاق : فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الثلاثاء .

            وروى ابن سعد ، عن علي ، وأبو داود ومسدد ، وأبو نعيم وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه الذهبي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : لما أرادوا غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اختلفوا فيه ، فقالوا : والله ما ندري كيف نصنع أنجرد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثيابه كما نجرد موتانا ، أم نغسله وعليه ثيابه ، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم ، حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه ، فقاموا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه قميصه ، فغسلوه يفاض عليه الماء والسدر فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم [فكانت عائشة تقول : لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ، ما غسله إلا نساؤه] .

            وروى ابن سعد عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال : لما أخذنا في جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أغلقنا الباب دون الناس جميعا ، فنادت الأنصار : نحن أخواله ، ومكاننا من الإسلام مكاننا . ونادت قريش : نحن عصبته ، فصاح أبو بكر : يا معشر المسلمين ، كل قوم أحق بجنازتهم من غيرهم فننشدكم الله ، فإنكم إن دخلتم أخرتموهم عنه ، والله لا يدخل عليه إلا من دعي . وروى ابن سعد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه عن علي - رضي الله تعالى عنه- قال : غسلت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذهبت أنظر ما يكون من الميت ، فلم أر شيئا ، وكان طيبا حيا وميتا [وولي دفنه وإخباءه دون الناس أربعة : علي والعباس والفضل ، وصالح مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولحد رسول الله لحدا ، ونصب عليه اللبن نصبا .

            وروى ابن سعد والبزار والبيهقي بسند فيه ضعف عنه قال : أوصى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن لا يغسله أحد غيري؛ فإنه لا يرى أحد عورته إلا طمست عيناه .

            قال علي : فكان الفضل وأسامة يناولان الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين .

            قال علي : فما تناولت عضوا إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله
            .

            وروى البيهقي من طريق أبي معشر عن محمد بن قيس مرسلا وفيه ضعف قال : قال علي : وما كنا نريد أن نرفع منه عضوا لنغسله إلا رفع لنا حتى انتهينا إلى عورته ، فسمعنا من جانب البيت صوتا لا تكشفوا عن عورة نبيكم .

            وروى ابن سعد عن عبد الله بن الحارث : أن عليا غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجعل يقول : طبت حيا وميتا ، وقال : وسطعت ريح طيبة لم يجدوا مثلها قط .

            وروى الطبراني مثله عن ابن عباس .



            وروى ابن سعد عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال : غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي ، والفضل ، وأسامة بن زيد وشقران ، وولي غسل سفلته علي ، والفضل محتضنه ، وكان العباس وأسامة بن زيد وشقران يصبون الماء .

            وروى ابن سعد بسند ضعيف عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن العباس لم يحضر غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : لأني كنت أراه يستحي أن أراه حاسرا .

            وفي عدة أحاديث أنه حضر غسله .

            وروى ابن ماجه عن علي - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « إذا أنا مت فاغسلوني بسبع قرب من بئر غرس » .

            وروى ابن سعد والبيهقي عن أبي جعفر محمد بن علي قال : غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثا بالسدر ، وغسل وعليه قميص وغسل من بئر يقال لها الغرس [ لسعد بن حيثمة بقباء] وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يشرب منها وولي غسله علي ، والفضل محتضنه ، والعباس يصب الماء ، فجعل الفضل يقول : أرحني ، قطعت وتيني ، إني لأجد شيئا يترطل علي مرتين .

            وروى الإمام أحمد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه- قال : اجتمع القوم لغسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وليس في البيت إلا أهله : عمه العباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، والفضل بن عباس ، وقثم بن عباس ، وأسامة بن زيد بن حارثة ، وصالح مولاه . فلما اجتمعوا لغسله نادى مناد من وراء الناس ، وهو أوس بن خولي الأنصاري ، أحد بني عوف بن الخزرج ، وكان بدريا على علي بن أبي طالب فقال : يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له علي : ادخل ، فدخل ، فحضر غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يل من غسله شيئا ، فأسنده علي إلى صدره ، وعليه قميصه ، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علي ، وكان أسامة بن زيد ، وصالح مولاه يصبان الماء ، وجعل علي يغسله ولم ير من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا مما يرى من الميت ، وهو يقول : بأبي وأمي ، ما أطيبك حيا وميتا! حتى إذا فرغوا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان يغسل بالماء والسدر جففوه ، ثم صنع به ما يصنع بالميت .

            وروى ابن سعد والحاكم في «الإكليل» عن هارون بن سعد قال : كان عند علي مسك ، فأوصى أن يحنط به ، وكان علي يقول : هو فضل حنوط رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

            . [وقال أحمد: وحدثنا يحيى بن يمان ، عن حسن بن صالح] ، عن جعفر بن محمد ، قال: كان الماء يستبقع في جفون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان علي يحسوه . وقال الإمام مالك - رحمه الله تعالى- في موطئه : رواية سعيد بن عفير : حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «غسل في قميص» .

            قال الباجي : يحتمل أن يكون ذلك خاصا به؛ لأن السنة عند مالك وأبي حنيفة والجمهور أن يجرد الميت ولا يغسل في قميصه . انتهى .

            قلت : الأصل عدم الخصوصية حتى يقوم عليه الدليل ولم يوجد .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية