الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            الصلاة عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه

            قال ابن إسحاق : فلما فرغ من جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الثلاثاء وضع في سريره في بيته ، ثم دخل الناس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلون عليه أرسالا ، حتى إذا فرغوا دخل النساء ، حتى إذا فرغن دخل الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحد .

            ورواه ابن ماجه والبيهقي .

            وروى الإمام أحمد عن أبي عسيب مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا : كيف نصلي عليك ؟ قال : ادخلوا علي أرسالا أرسالا قال : فكانوا يدخلون عليه ، فيصلون ثم يخرجون من الباب الآخر .

            وروى أبو يعلى والإمام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : أضجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على السرير ، ثم أذن للناس ، فدخلوا عليه فوجا فوجا يصلون عليه بغير إمام ، حتى لم يبق أحد بالمدينة حر ولا عبد إلا صلى عليه .

            وروى ابن سعد عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما وضع على سريره ، فقال علي : لا يقوم عليه أحد ، هو إمامكم حيا وميتا! فكان يدخل الناس رسلا رسلا ، فيصلون عليه صفا صفا ، ليس لهم إمام وعلي قائم بحيال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه ، ونصح لأمته ، وجاهد في سبيل الله ، حتى أعز الله دينه ، وتمت كلمته ، اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل الله إليه ، وثبتنا بعده ، واجمع بيننا وبينه .

            قال محمد بن عمرالأسلمي : حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال : وجدت هذا في صحيفة بخط أبي فيها أنه : لما كفن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر فقالا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار قدر ما يسع البيت ، فسلموا كما سلم أبو بكر وعمر وصفوا صفوفا لا يؤمهم أحد ، فقال أبو بكر وعمر : وهما في الصف الأول حيال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته ، وجاهد في سبيل الله تعالى ، حتى أعز الله تعالى دينه وتمت كلماته ، فآمن به وحده لا شريك له ، فاجعلنا يا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه ، واجمع بيننا وبينه حتى يعرفنا ونعرفه؛ فإنه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، لا نبتغي بالإيمان بدلا ولا نشتري به ثمنا أبدا ، فيقول الناس : آمين آمين! ثم يخرجون ويدخل آخرون حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان .

            قال بعض العلماء : صلوا عليه بعد الزوال يوم الاثنين إلى مثله من الثلاثاء .

            وقيل : إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون .

            قال الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي في القاموس : صلوا عليه ، فنادى مناد : صلوا أفواجا بلا إمام .

            وقيل : جماعات جماعات ، وحزروا ثلاثين ألفا من الملائكة ، فيكونون ستين ألفا؛ لأن مع كل واحد ملكين . انتهى .

            وروي عن سالم بن عبد الله - رحمه الله تعالى- قال : قالوا لأبي بكر : هل يصلى على الأنبياء ؟ قال : يجيء قوم فيكبرون ويدعون ، ويجيء آخرون حتى يفرغ الناس . [وأخبرنا إسماعيل بن أحمد ، أخبرنا أبو منصور العكبري ، أخبرنا ابن بشران ، أخبرنا عمر بن الحسن ، حدثنا أبو بكر القرشي ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا سفيان بن عيينة] ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال: صلي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغير إمام ، يدخل عليه المسلمون زمرا فيصلون عليه ويخرجون ، فلما صلي عليه نادى عمر رضي الله عنه: خلوا الجنازة وأهلها . تنبيهات

            قال ابن كثير وغيره : وصلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه .

            قال ابن كثير : فلو صح حديث ابن مسعود؛ أي السابق في باب جمعه أصحابه لكان نصا في ذلك ، ويكون في باب التعبد الذي لا نعقل معناه .

            قلت : الحديث سنده جيد ، وليس لأحد أن يقول إنه لم يكن لهم إمام؛ لأنهم إنما شرعوا في تجهيزه- عليه الصلاة والسلام- بعد تمام بيعة أبي بكر .

            وقد اختلف في تعليله ، فقال الإمام الشافعي : إنما صلوا عليه فرادى لعظم أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه ، وصلوا مرة بعد أخرى . انتهى .

            قال بعض العلماء : إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه ، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد أخرى ، من كل فرد فرد من آحاد الصحابة ، رجالهم ونسائهم ، وصبيانهم ، حتى العبيد والإماء .

            قال السهيلي وغيره : أن المسلمين صلوا عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد ، كلما جاءت طائفة صلت عليه ، وهذا مخصوص به- صلى الله عليه وسلم- ولا يكون هذا الفعل إلا عن توقيف .

            وكذلك روي أنه أوصى بذلك . ذكره الطبري [مسندا] ووجه الفقه فيه أن الله تعالى افترض الصلاة علينا عليه بقوله صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب : 56] وحكم هذه الصلاة التي تضمنتها الآية أن لا تكون بإمام ، والصلاة عليه عند موته داخلة في لفظ الآية ، وهي متناولة لها وللصلاة عليه على كل حال .

            وأيضا : فإن الرب تبارك وتعالى [قد أخبر أنه يصلي عليه وملائكته ، فإذا كان الرب تعالى] هو المصلي والملائكة ، قيل : المؤمنين ، وجب أن تكون صلاة المؤمنين تبعا لصلاة الملائكة وأن تكون الملائكة هم الإمام . انتهى .

            وقال أبو عمر - رحمه الله تعالى- : وصلاة الناس عليه أفذاذا لم يؤمهم أحد أمر مجمع عليه عند أهل السنة وجماعة أهل النقل لا يختلفون فيه ، ووافق أبا عمر على ذلك خلائق من العلماء حكوا فيه الإجماع ، وتعقب أبو عمر بعض المغاربة بأن ابن القصار ، حكى الخلاف هل صلوا عليه الصلاة المعهودة أو دعوا فقط ؟ وهل صلوا أفرادا أو جماعة ؟ واختلفوا فيمن أم بهم .

            فقيل : أبو بكر ، وروي ذلك بإسناد لا يصح فيه حرام بن عثمان وهو ضعيف جدا .

            قال ابن دحية : وهو ضعيف بيقين لضعف رواته وانقطاعه ، وتعقبه بعض العلماء بوجوه .

            الأول : أن الموجود في كتب «المغازي» و «الحديث» هو ما ذكره ولم يوجد أنهم صلوا عليه بإمام في حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف .

            الثاني : قال الإمام الشافعي ، ويحيى بن معين ، والجوزجاني : الرواية عن حرام .

            وقال الإمام مالك ويحيى : ليس بثقة ، واتهمه غير واحد من الحفاظ .

            الثالث : حديث ابن مسعود السابق ، وقد ورد من طرق يقوي بعضها بعضا ويرتقي بها الحديث إلى قريب من درجة الحسن ، وهو نص فيما قاله أبو عمر .

            قال أبو الخطاب بن دحية : والصحيح أن المسلمين صلوا عليه فرادى لا يؤمهم أحد ، وبه جزم الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه- قال : وذلك لعظم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي ، وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه وصلوا عليه مرة بعد أخرى .

            قال ابن كثير : وعلى تقدير صحته يكون ذلك من باب التعبد الذي لا يعقل معناه .

            والصحيح الذي عليه الجمهور أن صلاة الصحابة عليه كانت حقيقة لا مجرد الدعاء فقط ، قاله القاضي عياض ، وتبعه النووي رحمهما الله تعالى .

            وذهب شرذمة إلى أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يصل عليه الصلاة المعتادة ، وإنما كان الناس يأتون فيدعون ويترحمون .

            قال الباجي : ووجه : أنه- صلى الله عليه وسلم- أفضل من كل شهيد ، والشهيد يغنيه فضله عن الصلاة عليه ، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أولى ، قال : وفارق الشهيد في الغسل؛ لأن الشهيد حذر من غسله لإزالة الدم عنه ، وهو مطلوب بقاؤه لطيبه ، ولأنه عنوان شهادته في الآخرة ، وليس على النبي- صلى الله عليه وسلم- ما يكره إزالته فافترقا .

            الرابع : قال في «المورد» نقلت من خط شيخنا الحافظ الزاهد أبي عبد الله محمد بن عثمان المعروف بالضياء الرازي قال : قال سحنون بن سعيد : سألت جميع من لقيت من فقهاء الأمصار من أهل المغرب والمشرق ، عن الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته : هل صلوا عليه ؟ وكم كبر عليه ؟ فكل لم يدر حتى قدمت المدينة ، فلقيت عبد الله بن ماجشون ، فسألته فقال : صلى عليه اثنان وتسعون صلاة ، وكذلك صلى على عمه حمزة ، قال : قلت : من أين لك هذا دون الناس ؟ قال : وجدتها في الصندوق التي تركها مالك ، وفيه عميقات المسائل ومشكلات الأحاديث بخطه عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- .

            قال الحافظ أبو الفضل العراقي في سيرته المنظومة .

            وليس هذا بمتصل الإسناد عن مالك في كتب النقاد .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية