الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب أن الأذنين من الرأس وأنهما يمسحان بمائه

                                                                                                                                            194 - ( قد سبق في ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه ولابن ماجه من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الأذنان من الرأس } ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            أراد بحديث ابن عباس الحديث قبل هذا الباب بلفظ : { مسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة } وفي الباب عن أبي أمامة عند أبي داود والترمذي وابن ماجه قال الحافظ : إنه مدرج قال الترمذي : وليس إسناده بذلك القائم . وعن عبد الله بن زيد قواه المنذري وابن [ ص: 203 ] دقيق العيد قال الحافظ : وقد ثبت أنه مدرج . وعن ابن عباس رواه البزار وأعله الدارقطني بالاضطراب وقال : إنه وهم ، أو الصواب أنه مرسل ، وعن أبي هريرة عند ابن ماجه وفيه عمرو بن الحصين وهو متروك وعن أبي موسى عند الدارقطني ، واختلف في وقفه ورفعه وصوب الوقف ، قال الحافظ : وهو منقطع ، وعن ابن عمر عند الدارقطني وأعله أيضا ، وعن عائشة عند الدارقطني أيضا وفيه محمد بن الأزهر وقد كذبه أحمد ، وعن أنس عند الدارقطني أيضا من طريق عبد الحكم عن أنس وهو ضعيف . وحديث أبي أمامة وابن عباس أجود ما في الباب ، قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي : وأما حديث أنس وابن عمر وأبي موسى وعائشة فواهية .

                                                                                                                                            والحديث يدل على أن الأذنين من الرأس فيمسحان معه وهو مذهب الجمهور . ومن العلماء من قال : هما من الوجه . ومنهم من قال : المقبل من الوجه ، والمدبر من الرأس . وقد ذكرنا نسبة ذلك إلى القائلين به في باب تعاهد الماقين . قال الترمذي : العمل على هذا - يعني كون الأذنين من الرأس - عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ، وبه يقول سفيان وابن المبارك وأحمد وإسحاق ، واعتذر القائلون بأنهما ليستا من الرأس بضعف الأحاديث التي فيها الأذنان من الرأس حتى قال ابن الصلاح : إن ضعفها كثير لا ينجبر بكثرة الطرق ، ورد بأن حديث ابن عباس قد صرح أبو الحسن بن القطان أن ما أعله به الدارقطني ليس بعلة ، وصرح بأنه إما صحيح أو حسن ، واختلف في مسح الأذنين هل هو واجب أم لا ؟ فذهبت القاسمية وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل إلى أنه واجب .

                                                                                                                                            وذهب من عداهم إلى عدم الوجوب . واحتجوا بحديث ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح داخلهما بالسبابتين وخالف بإبهاميه إلى ظاهرهما فمسح ظاهرهما وباطنهما } أخرجه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي ، وصححه ابن خزيمة وابن منده وقال ابن منده : لا يعرف مسح الأذنين من وجه يثبت إلا من هذه الطريق ، وبحديث الربيع وطلحة بن مصرف والصنابحي ، وأجيب عن ذلك بأنها أفعال لا تدل على الوجوب .

                                                                                                                                            قالوا : أحاديث ( الأذنان من الرأس ) بعضها يقوي بعضا وقد تضمنت أنهما من الرأس فيكون الأمر بمسح الرأس أمرا بمسحهما فيثبت وجوبه بالنص القرآني . وأجيب بعدم انتهاض الأحاديث الواردة لذلك والمتيقن الاستحباب فلا يصار إلى الوجوب إلا بدليل ناهض ، وإلا كان من التقول على الله بما لم يقل .

                                                                                                                                            195 - ( وعن الصنابحي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض [ ص: 204 ] خرجت الخطايا من فيه } وذكر الحديث ، وفيه : { فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه } رواه مالك والنسائي وابن ماجه ) . رجاله رجال الصحيح ، وقد ذكرناه في باب غسل ما استرسل من اللحية والكلام على أطرافه قد سبق هنالك .

                                                                                                                                            وقد ساقه المصنف هنا للاستدلال به على أن الأذنين يمسحان مع الرأس قال : فقوله : ( تخرج من أذنيه إذا مسح رأسه ) دليل على أن الأذنين داخلتان في مسماه من جملته انتهى . وقد اختلف الناس في ذلك ، وقد تقدم ذكر الخلاف ، واختلفوا هل يمسحان ببقية ماء الرأس أو بماء جديد ؟ فذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور والمؤيد بالله إلى أنه يؤخذ لهما ماء جديد وذهب الهادي والثوري وأبو حنيفة إلى أنهما يمسحان مع الرأس بماء واحد .

                                                                                                                                            قال ابن عبد البر : وروي عن جماعة مثل هذا القول من الصحابة والتابعين ، واحتج الأولون بما في حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنه توضأ فمسح أذنيه بماء غير الماء الذي مسح به الرأس } ، أخرجه الحاكم من طريق حرملة عن ابن وهب .

                                                                                                                                            قال الحافظ : إسناده ظاهره الصحة . وأخرجه البيهقي من طريق عثمان الدارمي عن الهيثم بن خارجة عن ابن وهب بلفظ : ( فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه ) . وقال : هذا إسناد صحيح ، لكن ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في الإمام أنه رأى في رواية ابن المقبري عن ابن قتيبة عن حرملة بهذا الإسناد ولفظه : ( ومسح برأسه بماء غير فضل يديه لم يذكر الأذنين ) .

                                                                                                                                            قال الحافظ : قلت : كذا هو في صحيح ابن حبان عن ابن سلم عن حرملة ، وكذا رواه الترمذي عن علي بن خشرم عن ابن وهب ، وقال عبد الحق : ورد الأمر بتجديد الماء للأذنين من حديث نمران بن جارية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعقبه ابن القطان بأن الذي في رواية جارية بلفظ : ( خذ للرأس ماء جديدا ) رواه البزار والطبراني .

                                                                                                                                            وروي في الموطإ عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا توضأ يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه ، وصرح الحافظ في بلوغ المرام بعد أن ذكر حديث البيهقي السابق أن المحفوظ ما عند مسلم من هذا الوجه بلفظ : ( ومسح برأسه بماء غير فضل يديه ) . وأجاب القائلون أنهما يمسحان بماء الرأس بما سلف من إعلال هذا الحديث قالوا : فيوقف على ما ثبت من مسحهما مع الرأس كما في حديث ابن عباس والربيع وغيرهما ، قال ابن القيم في الهدي : لم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماء جديدا وإنما صح ذلك عن ابن عمر .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية