الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : اعلم أن قوله : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) يدل عندنا على أن القياس حجة ، والذي يدل على ذلك أن قوله : ( فإن تنازعتم في شيء ) إما أن يكون المراد : فإن اختلفتم في شيء حكمه منصوص عليه في الكتاب أو السنة أو الإجماع ، أو المراد : فإن اختلفتم في شيء حكمه غير منصوص عليه في شيء من هذه الثلاثة ، والأول باطل ؛ لأن على ذلك التقدير وجب عليه طاعته ، فكان ذلك [ ص: 118 ] داخلا تحت قوله : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) وحينئذ يصير قوله : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) إعادة لعين ما مضى ، وإنه غير جائز . وإذا بطل هذا القسم تعين الثاني وهو أن المراد : فإن تنازعتم في شيء حكمه غير مذكور في الكتاب والسنة والإجماع ، وإذا كان كذلك لم يكن المراد من قوله : ( فردوه إلى الله والرسول ) طلب حكمه من نصوص الكتاب والسنة . فوجب أن يكون المراد رد حكمه إلى الأحكام المنصوصة في الوقائع المشابهة له ، وذلك هو القياس ، فثبت أن الآية دالة على الأمر بالقياس .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله : ( فردوه إلى الله والرسول ) أي فوضوا علمه إلى الله واسكتوا عنه ولا تتعرضوا له ؟ وأيضا فلم لا يجوز أن يكون المراد فردوا غير المنصوص إلى المنصوص في أنه لا يحكم فيه إلا بالنص ؟ وأيضا لم لا يجوز أن يكون المراد فردوا هذه الأحكام إلى البراءة الأصلية ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : أما الأول فمدفوع ، وذلك لأن هذه الآية دلت على أنه تعالى جعل الوقائع قسمين ، منها ما يكون حكمها منصوصا عليه ، ومنها ما لا يكون كذلك ، ثم أمر في القسم الأول بالطاعة والانقياد ، وأمر في القسم الثاني بالرد إلى الله وإلى الرسول ، ولا يجوز أن يكون المراد بهذا الرد السكوت ؛ لأن الواقعة ربما كانت لا تحتمل ذلك ، بل لا بد من قطع الشغب والخصومة فيها بنفي أو إثبات ، وإذا كان كذلك امتنع حمل الرد إلى الله على السكوت عن تلك الواقعة ، وبهذا الجواب يظهر فساد السؤال الثالث .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما السؤال الثاني : فجوابه أن البراءة الأصلية معلومة بحكم العقل ، فلا يكون رد الواقعة إليها ردا إلى الله بوجه من الوجوه ، أما إذا رددنا حكم الواقعة إلى الأحكام المنصوص عليها كان هذا ردا للواقعة على أحكام الله تعالى ، فكان حمل اللفظ على هذا الوجه أولى .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية