الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  تفسير حديث هند بن أبي هالة في وصف النبي قال علي بن عبد العزيز سمعت أبا عبيد يقول : قوله فخما مفخما : الفخامة في الوجه نبله وامتلاؤه مع الجمال والمهابة ، والمربوع : الذي بين الطويل والقصير ، والمشذب : المفرط في الطول وكذلك هو في كل شيء قال جرير :

                                                                  ألوى بها شذب العروق مشذب فكأنما وكنت على طربال

                                                                  وقوله : رجل الشعر : الذي ليس بالسبط الذي لا تكسر فيه والقطط الشديد الجعودة يقول فهو جعد بين هذين . والعقيصة : الشعر المعقوص وهو نحو من المضفور ومنه قول عمر : من لبد أو عقص أو ضفر فعليه الحلق ، [ ص: 160 ] وقوله : أزج الحاجبين : سوابغ الزجج في الحواجب أن يكون فيها تقوس مع طول في أطرافها وهو السبوغ فيها قال جميل بن معمر :

                                                                  إذا ما الغانيات برزن يوما     وزججن الحواجب والعيونا

                                                                  وقوله : في غير قرن فالقرن التقاء الحاجبين حتى يتصلا يقول : فليس هو كذلك ولكن بينهما فرجة ، يقال للرجل إذا كان كذلك : أبلج ، وذكر الأصمعي أن العرب تستحسن هذا ، وقوله : بينهما عرق يدره الغضب يقول إذا غضب در العرق الذي بين الحاجبين دروره غلظه ونتوءه وامتلاءه وقوله : أقنى العرنين : يعني الأنف والقنا أن يكون فيه دقة مع ارتفاع في قصبته يقال منه رجل أقنى وامرأة قنواء والأشم أن يكون الأنف دقيقا لا قنا فيه وقوله : كث اللحية : الكثوثة أن تكون اللحية غير دقيقة ولا طويلة ولكن فيها كثافة من غير عظم ولا طول وقوله : ضليع الفم أحسبه يعني حلة في الشفتين ، وقوله : أشنب : الأشنب هو الذي في أسنانه رقة وتحدد يقال منه رجل أشنب وامرأة شنباء ومنه قول ذي الرمة :

                                                                  لمياء في شفتيها حوة لعس     وفي اللثاث وفي أنيابها شنب

                                                                  والمفلج : هو الذي في أسنانه تفرق ، والمسربة : الشعر التي بين اللبة إلى السرة ، شعر يجري كالخط . قال الأعشى :

                                                                  الآن لما ابيضت مسربتي     وعضضت من نابي على جذم

                                                                  [ ص: 161 ] وقوله : جيد دمية : الجيد العنق ، والدمية : الصورة ، وقوله : ضخم الكراديس : اختلف الناس في الكراديس فقال بعضهم : هي العظام ، ومعناه أنه عظيم الألواح وبعضهم يجعل الكراديس رءوس العظام ، والكراديس في غير هذا الكتائب ، والزندان : العظمان اللذان في الساعدين المتصلان بالكفين وصفه بطول الذراع ، سبط القصب : القصب : كل عظم ذي مخ مثل الساقين والعضدين والذراعين ، وسبوطهما امتدادهما يصفه بطول العظام قال ذو الرمة :

                                                                  جواعل في البرى قصبا خدالا

                                                                  أراد بالبرى : الأسورة والخلاخل ، وقوله : شثن الكفين والقدمين يريد أن فيهما بعض الغلظ ، والأخمص من القدم في باطنهما ما بين صدرها وعقبها وهو الذي [ لا ] يلصق بالأرض من القدمين في الوطء قال الأعشى يصف امرأة بإبطائها في المشي :

                                                                  كأن أخمصها بالشوك منتعل

                                                                  وقوله : خمصان : يعني أن ذاك الموضع من قدميه فيه تجاف عن الأرض وارتفاع ، وهو مأخوذ من خموصة البطن وهي ضمرة ، يقال منه رجل خمصان ، وامرأة خمصانة ، وقوله : مسيح القدمين : يعني أنهما ملساوان ليس في ظهورهما تكسر ، ولهذا قال : ينبو عنهما الماء : يعني أنه لا ثبات للماء عليهما ، قوله : إذا خطا تكفيا : يعني التمايل ، أخذه من تكفيا السفن . [ ص: 162 ] وقوله ذريع المشية : يعني واسع الخطا كأنما ينحط في صبب ، أراه يريد أنه مقبل على ما بين يديه غاض بصره لا يرفعه إلى السماء ، وكذلك يكون المنحط ، ثم فسره ، فقال : خافض الطرف نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء ، وقوله : إذا التفت التفت جميعا : يريد أنه لا يلوي عنقه دون جسده فإن في هذا بعض الخفة والطيش ، وقوله : دمث : هو اللين السهل ، ومنه قيل للرجل دمث ، ومنه حديث أنه كان إذا أراد أن يبول فمال إلى دمث ، وقوله : إذا غضب أعرض وأشاح : الإشاحة : الحد وقد يكون الحذر ، وقوله : ويفتر عن مثل حب الغمام ، والافترار : أن تكشر الأسنان ضاحكا من غير قهقهة ، وحب الغمام : البرد شبه به بياض أسنانه قال جرير :

                                                                  يجري السواك على أغر كأنه     برد تحدر من متون غمام

                                                                  وقوله يدخلون روادا الرواد الطالبون واحدهم رائد ومنه قولهم : الرائد لا يكذب أهله ، وقوله : لكل حال عنده عتاد : يعني عدة ، وقد أعد له ، لا يوطن الأماكن : أي لا يجعل لنفسه موضعا يعرف ، إنما يجلس حيث يمكنه في الموضع الذي يكون فيه حاجته لنفسه ، ثم فسره ، فقال : يجلس حيث ينتهي به المجلس ، ومنه حديثه عليه السلام أنه نهى أن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير ، وقوله في مجلسه لا تؤبن فيه الحرم : يقول لا يوصف فيه النساء ومنه حديثه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشعر إذا أبنت فيه النساء [ ص: 163 ] قال أبو عبيد حدثنا أبو إسماعيل المؤدب ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : كان رجال في المسجد يتناشدون الشعر فأقبل ابن الزبير فقال : أفي حرم الله وعند بيت الله يتناشدون الشعر ؟ فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس بك بأس يا ابن الزبير إن لم تفسد نفسك ، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر إذا أبنت فيه النساء أو تروزئت فيه الأموال ، وقوله : لا تنثى فلتاته : الفلتات السقطات لا يتحدث بها ، يقال منه : نثوت أنثو ، والاسم منه النثا ، وهذه الهاء التي في فلتاته راجعة على المجلس ، ألا ترى في صدر الكلام أنه سأله عن مجلسه ، ويقال أيضا لم يكن لمجلسه فلتات يحتاج أحد أن يحكيها فلتاته : يريد فلتات المجلس لا يتحدث بها بعضهم عن بعض .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية