الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا يقرأ المأموم وراء الإمام إلا الفاتحة .

التالي السابق


(ولا يقرأ المأموم وراء الإمام إلا الفاتحة ) . أما ترك قراءته ، فلقوله تعالى : وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا قال الشافعي في القديم : هذا عندنا على القراءة التي تسمع خاصة ، ويروى عن عطاء ، عن ابن عباس قال : هذا في الصلاة ، وأما استثناء الفاتحة ، فأخرج مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبي السائب ، عن أبي هريرة رفعه : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج . قال أبو السائب : فقلت يا أبا هريرة إني أكون أحيانا وراء الإمام ، فغمز ذراعي ، وقال : يا فارسي ، اقرأها في نفسك .

وأخرج الشيخان من طريق الزهري ، عن محمود بن ربيع ، عن عبادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .

وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق ، عن مكحول ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الغداة فثقلت عليه القراءة ، فلما انصرف قال : إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم ؟ قلنا : أجل قال : فلا تفعلوا إلا بأم القرآن ، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها . وقد روي القراءة خلف الإمام ، عن عمر ، وعلي ، وأبي ، ومعاذ ، وخلف ، وبه أخذ الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يقرأ المأموم مطلقا ، وروي عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبد الله بن شداد ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى ، فكان من خلفه يقرأ ، فجعل رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهاه عن القراءة في الصلاة ، فلما انصرف

[ ص: 198 ] أقبل عليه الرجل ، فقال : أتنهاني عن القراءة خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتنازعا حتى ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من صلى خلف إمام ، فإن قراءة الإمام له قراءة
. هكذا رواه مكي بن إبراهيم عنه ، وهكذا رواه جماعة ، عن أبي حنيفة بمثل رواية مكي ، ورواه عنه ابن مبارك فأرسله . قال البيهقي : هو المحفوظ .

وأخرج البيهقي من طريق عبدان ، وعلي بن الحسين بن شقيق قالا : أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا سفيان ، وشعبة ، وأبو حنيفة ، عن موسى ، عن عبد الله بن شداد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من كان له إمام ، فإن قراءة الإمام له قراءة ، وكذا رواه غير ابن المبارك ، عن سفيان ، وشعبة ، وكذلك رواه ابن عيينة ، وإسرائيل ، وأبو عوانة ، وأبو الأحوص ، وجرير ، وطائفة ، ورواه الحسن بن عمارة ، عن موسى موصولا .

وأخرج ابن ماجه ، وأحمد كذلك من طريق الحسن بن صالح ، عن جابر ، عن أبي الزبير ، عن جابر رفعه : من كان له إمام ، فقراءة الإمام له قراءة ، وجابر هو الجعفي لا يعرف له سماع من أبي الزبير ، وقد تابعه عمر بن موسى . أخرج الخلال من طريق يحيى بن يعلى عنه على أن ابن أبي شيبة لم يذكر جابرا بين الحسن ، وأبي الزبير ، فقال : حدثنا مالك بن إسماعيل ، عن حسن بن صالح ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، ولم يذكر الجعفي ، كذا في أطراف المزي ، وتوفي أبو الزبير سنة ثمان وعشرين ومائة ، ذكره الترمذي ، والفلاس ، والحسن بن صالح ، ولد سنة مائة ، وتوفي سنة سبع وستين ومائة ، وسماعه من أبي الزبير ممكن ، ومذهب الجمهور أن من أمكن لقاؤه لشخص ، وروى عنه ، فروايته محمولة على الاتصال ، فيحمل على أن الحسن سمعه من أبي الزبير مرة بلا واسطة ، ومرة أخرى بواسطة الجعفي ، وقد صح عن جابر أن المأموم لا يقرأ مطلقا ، وهو مذهب ابن مسعود ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت على الصحيح .

قال أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف : حدثنا وكيع ، عن الضحاك بن عثمان ، عن عبيد الله بن مقسم ، عن جابر قال : لا يقرأ خلف الإمام ، وهذا سند صحيح متصل على شرط مسلم ، وقال البزار : حدثنا محمد بن بشار ، وعمرو بن علي قال : حدثنا أبو أحمد ، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : كانوا يقرؤون خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : خلطتم علي القرآن . وهذا سند جيد ، وقال عبد الرزاق في مصنفه : حدثنا الثوري ، عن ابن ذكوان ، عن زيد بن ثابت ، وابن عمر كانا لا يقرآن خلف الإمام ، وروي أيضا عن داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم أن ابن عمر كان ينهى عن القراءة خلف الإمام ، وروي أيضا عن هشام بن حسان ، عن أنس بن سيرين قال : سألت ابن عمر أقرأ مع الإمام ؟ قال : إنك لضخم البطن يكفيك قراءة الإمام . والله أعلم .




الخدمات العلمية