الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وإذ بوأنا الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن عدي ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، والديلمي بسند ضعيف عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دثر مكان البيت فلم يحجه هود ولا صالح حتى بوأه الله لإبراهيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، والحاكم وصححه، من طريق حارثة بن مضرب عن علي قال : لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر، فلما قدم مكة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة، فيه مثل الرأس فكلمه، فقال : يا إبراهيم ابن على ظلي- أو على قدري- ولا تزد ولا تنقص .

                                                                                                                                                                                                                                      فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر ، وذلك حين يقول الله : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 460 ] وأخرج عبد الرزاق في " المصنف " ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح قال : لما أهبط الله آدم كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم فأنس إليهم، فهابت الملائكة منه حتى شكت إلى الله في دعائها وفي صلاتها، فأخفضه الله إلى الأرض، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا إلى الله في دعائه وفي صلاته، فوجه إلى مكة فكان موضع قدمه قرية وخطوه مفازة، حتى انتهى إلى مكة فأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن، فلم يزل يطاف به حتى أنزل الله الطوفان فرفعت تلك الياقوتة حتى بعث الله إبراهيم فبناه ، فذلك قول الله : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق معمر ، عن قتادة قال : وضع الله البيت مع آدم حين أهبط الله آدم إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وكانت الملائكة تهابه، فنقص إلى ستين ذراعا فحزن آدم، إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم، فشكا ذلك إلى الله، فقال الله : يا آدم إني قد أهبطت لك بيتا يطاف به كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي ، فاخرج إليه ، فخرج إليه آدم ومد له في خطوه فكان بين كل خطوتين مفازة ، فلم تزل تلك المفاوز بعد على ذلك ، وأتى آدم فطاف به، ومن بعده من الأنبياء .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 461 ] قال معمر : وأخبرني أبان أن البيت أهبط ياقوتة واحدة أو درة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال معمر : وبلغني أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا، حتى إذا أغرق الله قوم نوح فقد، وبقي أساسه، فبوأه الله لإبراهيم فبناه بعد ذلك ، فذلك قول الله : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت .

                                                                                                                                                                                                                                      قال معمر : قال ابن جريج : قال ناس : أرسل الله سحابة فيها رأس، فقال الرأس : يا إبراهيم، إن ربك يأمرك أن تأخذ قدر هذه السحابة ، فجعل ينظر إليها ويخط قدرها ، قال الرأس : قد فعلت؟ قال : نعم ، ثم ارتفعت فحفر فأبرز عن أساس ثابت في الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جريج : قال مجاهد : أقبل الملك والصرد والسكينة مع إبراهيم من الشام فقالت السكينة : يا إبراهيم ربض علي البيت ، قال : فلذلك لا يطوف بالبيت أعرابي ولا ملك من هذه الملوك إلا رأيت عليه السكينة والوقار .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جريج : وقال ابن المسيب : قال علي بن أبي طالب : وكان الله استودع الركن أبا قبيس، فلما بنى إبراهيم ناداه أبو قبيس فقال : يا إبراهيم هذا الركن في فخده ، فاحتفر عنه فوضعه، فلما فرغ إبراهيم من بنائه قال : قد فعلت يا رب فأرنا مناسكنا ؛ أبرزها لنا، علمناها . فبعث الله جبريل فحج به، حتى إذا رأى عرفة قال : قد عرفت . وكان أتاها قبل ذلك مرة ، قال : فلذلك سميت عرفة، حتى إذا كان يوم النحر عرض له الشيطان فقال : احصب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 462 ] فحصبه بسبع حصيات ، ثم اليوم الثاني والثالث، فسد ما بين الجبلين - يعني إبليس - فلذلك كان رمي الجمار ، قال : اعل على ثبير ، فعلاه فنادى : يا عباد الله أجيبوا الله ، يا عباد الله أطيعوا الله ، فسمع دعوته من بين الأبحر السبع ممن كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ، فهي التي أعطى الله إبراهيم في المناسك؛ قوله : لبيك اللهم لبيك . ولم يزل على وجه الدهر في الأرض سبعة مسلمون فصاعدا، فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار قال : كان البيت غثاة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين عاما، ومنه دحيت الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في " الدلائل " عن السدي قال : إن الله عز وجل أمر إبراهيم أن يبني البيت هو وإسماعيل، فانطلق إبراهيم حتى أتى مكة فقام هو وإسماعيل وأخذ المعاول لا يدريان أين البيت، فبعث الله ريحا يقال لها : ريح الخجوج . لها جناحان ورأس في صورة حية، فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول، واتبعاها بالمعاول يحفران [ ص: 463 ] حتى وضعا الأساس ، فذلك حين يقول الله تعالى : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت فلما بنيا القواعد فبلغ مكان الركن قال إبراهيم لإسماعيل : اطلب لي حجرا حسنا أضعه ههنا ، قال : يا أبت إني كسلان لغب . قال : علي ذلك . فانطلق يطلب له حجرا فجاءه بحجر فلم يرضه، فقال : ائتني بحجر أحسن من هذا ، فانطلق يطلب حجرا، فجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض، ياقوتة بيضاء مثل الثغامة، وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس، فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن فقال : يا أبت من جاءك بهذا؟ قال : جاءني به من هو أنشط منك ، فبينما هما يدعوان بالكلمات التي ابتلى بها إبراهيم ربه، فلما فرغا من البنيان أمره الله أن ينادي ، فقال : وأذن في الناس بالحج .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن حوشب بن عقيل قال : سألت محمد بن عباد بن جعفر : متى كان البيت؟ قال : خلقت الأشهر له . قلت : كم كان طول بناء إبراهيم؟ قال : ثمانية عشر ذراعا . قلت : كم هو اليوم؟ قال : ستة وعشرون ذراعا . قلت : هل بقي من حجارة بناء إبراهيم شيء؟ فقال : حشي به البيت إلا حجرين مما يليا الحجر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 464 ] وأخرج الحاكم وصححه ، عن ابن عباس قال : قال الله لنبيه : وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود قال : فالطواف قبل الصلاة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الطواف بالبيت بمنزلة الصلاة إلا أن الله قد أحل فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله : للطائفين قال : الذين يطوفون به : والقائمين قال : المصلين عنده .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، عن قتادة قال : القائمون المصلون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية