الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  394 باب : ما جاء في القبلة ومن لا يرى الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي : هذا باب في بيان ما جاء في أمر القبلة ، وهو بخلاف ما تقدم قبل هذا الباب ، فإن ذاك في حكم التوجه إلى القبلة وهذا في حكم من سها فصلى إلى غير القبلة ، وأشار إلى حكم هذا بقوله : ومن لم ير الإعادة . . . إلى آخره ، وهذا باب فيه الخلاف ، وهو أن الرجل إذا اجتهد في القبلة فصلى إلى غيرها فهل يعيد أم لا ؟ فقال إبراهيم النخعي والشعبي وعطاء وسعيد بن المسيب وحماد : لا يعيد ، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه ، وإليه ذهب البخاري ، وعن مالك كذلك ، وعنه : يعيد في الوقت استحسانا . وقال ابن المنذر : وهو قول الحسن والزهري . وقال المغيرة : يعيد أبدا . وعن حميد بن عبد الرحمن وطاوس والزهري : يعيد في الوقت . وقال الشافعي : إن فرغ من صلاته ثم بان له أنه صلى إلى المغرب استأنف الصلاة ، وإن لم يبن له ذلك إلا باجتهاده فلا إعادة عليه . وفي التوضيح : وقال الشافعي : إن لم يتيقن الخطأ فلا إعادة عليه ، وإلا أعاد . وروى الترمذي وابن ماجه من حديث أنه قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة ، فصليناه وأعلمنا ، فلما طلعت الشمس إذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة ، فذكرنا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى : فأينما تولوا فثم وجه الله . وروى البيهقي في المعرفة من حديث جابر أنهم صلوا في ليلة مظلمة كل رجل منهم على حياله ، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : مضت صلاتكم ، ونزلت : فأينما تولوا فثم وجه الله . ويحتج بهذين الحديثين لما ذهب إليه أبو حنيفة ومن تبعه في المسألة المذكورة ، ( فإن قلت ) : قال الترمذي : ليس إسناده بذاك ، وقال البيهقي : حديث جابر ضعيف - قلت : روي حديث جابر من ثلاث طرق ؛ إحداها أخرجه الحاكم في المستدرك عن محمد بن سالم عن عطاء بن أبي رباح عنه ، ثم قال : هذا حديث صحيح ، ومحمد بن سالم لا أعرفه بعدالة ولا جرح . وقال الواحدي : مذهب ابن عمران : الآية نازلة في التطوع بالنافلة ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لما توفي النجاشي جاء جبريل عليه السلام إلى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقال : إن النجاشي توفي فصل عليه . فقال الصحابة في أنفسهم : كيف نصلي على رجل مات ولم يصل إلى قبلتنا ؟ وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس إلى أن مات ، فنزلت الآية . وقال قتادة : هذه الآية منسوخة بقوله : الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وهي رواية عن ابن عباس . قوله : ( ومن لم ير الإعادة ) ، وفي بعض النسخ : " ومن لم يرى الإعادة " ، وهو عطف على قوله : " في القبلة " ؛ أي : وباب : ما جاء فيمن لا يرى إعادة الصلاة على من سها فصلى إلى غير القبلة . وقال الكرماني : " فصلى " تفسير لقوله : " سها " والفاء تفسيرية . قلت : وفيه بعد ، والأولى أن تكون للسببية كما في قوله تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ولو قال بالواو لكان أحسن على ما لا يخفى .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية