الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحسين بن محمد ، أبو عبد الله الوني الفرضي


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهو شيخ الخبري ، وكان شافعي المذهب ، قتل ببغداد في فتنة البساسيري ، ودفن في يوم الجمعة يوم عرفة من هذه السنة ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 761 ] داود أخو طغرلبك الأكبر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان مقيما ببلخ بإزاء أولاد محمود بن سبكتكين ، توفي في هذه السنة ، وقام أولاده مقامه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر ، أبو الطيب الطبري الفقيه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شيخ الشافعية ، ولد بآمل طبرستان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ، وسمع بجرجان من أبي أحمد الغطريفي ، وبنيسابور من أبي الحسن الماسرجسي ، وعليه درس الفقه ، وتفقه أيضا على أبي علي الزجاجي وأبي القاسم بن كج ، ثم اشتغل ببغداد على الشيخ أبي حامد الإسفراييني ، وشرح " المختصر " و " فروع ابن الحداد " ، وصنف في الأصول والجدل وغير ذلك من العلوم الكثيرة النافعة ، وسمع ببغداد من الدارقطني وغيره ، وولي القضاء بربع الكرخ بعد موت أبي عبد الله الصيمري ، وكان ثقة دينا ورعا ، عالما بأصول الفقه وفروعه ، وله المصنفات الباهرة في ذلك ، سليم الصدر ، مواظبا على تعليم العلم ليلا ونهارا ، وقد ذكرت ترجمته في " الطبقات " بما فيه كفاية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحكى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي عنه - وكان شيخه ، وقد أجلسه بعده في الحلقة - أنه أسلم خفا له عند خفاف ; ليصلحه له ، فأبطأ عليه ، فكان كلما مر عليه أخذه فغمسه في الماء ، وقال : الساعة الساعة ، فقال له الشيخ : إنما [ ص: 762 ] أسلمته لك لتصلحه ، ولم أسلمه لتعلمه السباحة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحكى ابن خلكان أنه كان له ولأخيه عمامة وقميص إذا لبسهما هذا جلس الآخر في البيت ، وقد قال في ذلك القاضي أبو الطيب :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قوم إذا غسلوا ثياب جمالهم لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان قد بلغ من العمر مائة سنة وسنتين ، وهو صحيح العقل والفهم والأعضاء ، يفتي ويشتغل إلى أن مات في هذه السنة ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      علي بن محمد بن حبيب ، أبو الحسن الماوردي البصري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شيخ الشافعيين ، صاحب التصانيف الكثيرة في الأصول والفروع والتفسير و " الأحكام السلطانية " و " أدب الدنيا والدين " قال : بسطت الفقه في أربعة آلاف ورقة - يعني " الحاوي الكبير " - واختصرته في أربعين ورقة - يعني " الإقناع " - وقد ولي الحكم في بلاد كثيرة ، وكان حليما وقورا أديبا ، لم ير أصحابه ذراعه يوما من الدهر من شدة تحرزه وأدبه ، وقد استقصيت ترجمته في " الطبقات " . وكانت وفاته في هذه السنة عن ست وثمانين سنة ، ودفن بباب حرب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 763 ] وقد أنشد له ابن خلكان أشعارا منها قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جرى قلم القضاء بما يكون     فسيان التحرك والسكون
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جنون منك أن تسعى لرزق     ويرزق في غشاوته الجنين



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رئيس الرؤساء ، أبو القاسم بن المسلمة ، علي بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو القاسم وزير القائم بأمر الله كان أولا قد سمع الحديث من أبي أحمد الفرضي وغيره ، ثم كان أحد المعدلين ، ثم استكتبه الخليفة القائم بأمر الله واستوزره ، ولقبه رئيس الرؤساء ، شرف الوزراء ، جمال الورى . كان متضلعا بعلوم كثيرة مع سداد رأي ووفور عقل ، وقد مكث في الوزارة ثنتي عشرة سنة وشهرا ، ثم قتله البساسيري بعدما شهره ، ثم صلبه معلقا بشدقيه كما قدمنا ذلك ، وله من العمر ثنتان وخمسون سنة وخمسة أشهر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد الواحد بن الحسين بن شيطا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المسند للحديث ، وكان ثقة ، بصيرا بالعربية ووجوه القراءات ومذاهب القراء ، بلغ الثمانين ، وله كتاب في التجويد ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 764 ] منصور بن الحسين ، أبو الفوارس الأسدي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب الجزيرة كانت وفاته في هذه السنة ، فاجتمعت العشيرة على إقامة ولده صدقة من بعده ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية