الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4308 106 - حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي، إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سرية

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، وصدقة بن الفضل أبو الفضل المروزي، وقد تكرر ذكره، وكذا وقع في رواية الأكثرين صدقة بن الفضل، وفي رواية ابن السكن عن الفربري عن البخاري حدثنا سنيد بضم السين المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة، وهو لقب واسمه الحسين بن داود أبو علي المصيصي من حفاظ الحديث، وله تفسير مشهور، ولكن ضعفه أبو حاتم والنسائي، وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع إن كان الأمر كما ذكره ابن السكن.

                                                                                                                                                                                  وقيل: يحتمل أن يكون البخاري روى الحديث عنهما جميعا فاقتصر الأكثرون على صدقة بن الفضل لإتقانه، واقتصر ابن السكن على ذكر سنيد لكونه صاحب تفسير، والحديث يتعلق به.

                                                                                                                                                                                  قلت: كلام ابن السكن أقرب; لأن حجاج بن محمد الذي روى عنه سنيد مصيصي أيضا وإن كان أصله ترمذيا؛ لأنه سكن المصيصة، وحجاج على وزن فعال بالتشديد ابن محمد الأعور، يروي عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ويعلى بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللام مقصورا ابن مسلم بن هرمز.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الجهاد عن زهير بن حرب وهارون بن عبد الله، وأبو داود فيه عن هارون بن عبد الله، والترمذي فيه عن محمد بن عبد الله، والنسائي في البيعة وفي السير وفي التفسير عن الحسن بن محمد الزعفراني.

                                                                                                                                                                                  قوله: وأولي الأمر منكم " في تفسيره أحد عشر قولا:

                                                                                                                                                                                  الأول: الأمراء قاله ابن عباس وأبو هريرة وابن زيد والسدي.

                                                                                                                                                                                  الثاني: أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، قاله عكرمة.

                                                                                                                                                                                  الثالث: جميع الصحابة، قاله مجاهد.

                                                                                                                                                                                  الرابع: الخلفاء الأربعة، قاله أبو بكر الوراق فيما قاله الثعلبي.

                                                                                                                                                                                  الخامس: المهاجرون والأنصار، قاله عطاء.

                                                                                                                                                                                  السادس: الصحابة والتابعون.

                                                                                                                                                                                  السابع: أرباب العقل الذين يسوسون أمر الناس، قاله ابن كيسان.

                                                                                                                                                                                  الثامن: العلماء والفقهاء، قاله جابر بن عبد الله والحسن وأبو العالية.

                                                                                                                                                                                  التاسع: أمراء السرايا، قاله ميمون بن مهران ومقاتل والكلبي.

                                                                                                                                                                                  العاشر: أهل العلم والقرآن، قاله مجاهد، واختاره مالك.

                                                                                                                                                                                  الحادي عشر: عام في كل من ولي أمر شيء، وهو الصحيح، وإليه مال البخاري بقوله: "ذوي الأمر".

                                                                                                                                                                                  قوله: "نزلت في عبد الله بن حذافة" قد مرت ترجمته [ ص: 177 ] مع قصته في المغازي، واعترض الداودي فقال: قول ابن عباس: "نزلت في عبد الله بن حذافة" وهم من غيره; لأن فيه حمل الشيء على ضده; لأن الذي هنا خلاف ما قاله - صلى الله عليه وسلم – هناك، وهو قوله: "إنما الطاعة في المعروف" وكان قد خرج على جيش فغضب وأوقد نارا، وقال: "اقتحموها" فامتنع بعض وهم بعض أن يفعل قال: فإن كانت الآية نزلت قبل، فكيف يختص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره، وإن كانت نزلت بعد فإنما قيل لهم: "إنما الطاعة في المعروف" وما قيل لهم: "لم لم تطيعوه؟".

                                                                                                                                                                                  وأجيب عن هذا بأن المراد من قصة عبد الله بن حذافة قوله تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول وذلك لأن السرية التي عليها عبد الله بن حذافة لما تنازعوا في امتثال ما أمرهم به من دخول النار وتركه كان عليهم أن يردوه في ذلك إلى الله ورسوله؛ لقوله تعالى فإن تنازعتم في شيء أي في جواز شيء وعدمه فردوه إلى الله والرسول أي فارجعوا إلى الكتاب والسنة، قاله مجاهد وغيره من السلف، وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يردوا المتنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهد له بالصحة فهو الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية