الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                [ ص: 29 ] وإن المشايخ الكرام 38 - قد ألفوا . [ ص: 30 ] ما بين مختصر ومطول 40 - من متون وشروح وفتاوى ، 41 - واجتهدوا في المذهب والفتوى وحرروا ونقحوا ، شكر الله سعيهم ، [ ص: 31 ] إلا أني لم أر لهم كتابا يحكي كتاب الشيخ تاج الدين السبكي الشافعي مشتملا على فنون في الفقه ، وقد كنت لما وصلت في شرح الكنز 43 - إلى تبييض البيع الفاسد ، ألفت كتابا مختصرا 44 - في الضوابط والاستثناءات منها ، 45 - سميته بالفوائد الزينية في الفقه الحنفية وصل إلى خمسمائة ضابطة ، [ ص: 32 ] فألهمت أن أصنع كتابا على النمط السابق مشتملا على سبعة فنون . 47 - يكون هذا المؤلف النوع الثاني منها : 48 - الأول : معرفة القواعد التي ترد إليها وفرعوا الأحكام عليها [ ص: 33 - 34 ] وهي أصول الفقه في الحقيقة ، 50 - وبها يرتقي الفقيه إلى درجة الاجتهاد ولو في الفتوى ، 51 - وأكثر فروعها ظفرت به في كتب غريبة أو عثرت به في غير مظنة 52 - إلا أني بحول الله وقوته لا أنقل إلا الصحيح المعتمد في [ ص: 35 ] المذهب ، وإن كان مفرعا على قول ضعيف أو رواية ضعيفة نبهت على ذلك غالبا . 53 -

                وحكي أن الإمام أبا طاهر الدباس جمع قواعد مذهب أبي حنيفة رحمه الله سبع عشرة قاعدة 54 - ورده إليها . 55 -

                وله حكاية مع أبي سعيد الهروي الشافعي رحمه الله ، فإنه لما بلغه ذلك سافر إليه وكان أبو طاهر ضريرا ، يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد أن يخرج الناس منه ، فالتف الهروي بحصير وخرج الناس وأغلق أبو طاهر باب المسجد [ ص: 36 ] وسرد منها سبعة 57 - فحصلت للهروي سعلة فأحس به أبو طاهر 58 - فضربه وأخرجه من المسجد ، 59 - ثم لم يكررها فيه بعد ذلك ، [ ص: 37 ] فرجع الهروي إلى أصحابه وتلاها عليهم 61 -

                الثاني : الضوابط وما دخل فيها وما خرج عنها وهو أنفع الأقسام للمدرس والمفتي والقاضي ، فإن بعض المؤلفين يذكر ضابطه 62 - ويستثني منه أشياء ، فأذكر فيها أني زدت عليه أشياء أخر ، فمن لم يطلع على المزيد 63 - ظن الدخول وهي خارجة كما ستراه 64 - ولهذا وقع موقعا حسنا عند ذوي الإنصاف ، وابتهج به من هو من أولي الألباب [ ص: 38 ] الثالث : معرفة الجمع والفرق 66 -

                الرابع : معرفة الألغاز . 67 -

                الخامس : الحيل 68 - السادس : الأشباه والنظائر 69 - السابع : ما حكي عن الإمام الأعظم وصاحبيه والمشايخ المتقدمين ، والمتأخرين من المطارحات والمكاتبات والمراسلات والغريبات

                التالي السابق


                ( 37 ) وإن المشايخ الكرام : عطف على أن أصحابنا .

                والمشايخ جمع شيخ وهو لغة من استبانت فيه السن أو من بلغ خمسين أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره أو إلى الثمانين وله جموع خلاف هذا ذكرها في القاموس والمراد به هنا من له معرفة في العلم وإن لم يبلغ هذا السن .

                والكرام جمع كريم وهو الصفوح . ( 38 )

                قد ألفوا : التأليف جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد سواء كان لبعض أجزائه نسبة إلى البعض بالتقدم والتأخر أو لا . وعليه فيكون التأليف أعم من الترتيب ذكره السيد السند .

                قال بعضهم وأعم من التصنيف وهو جعل كل صنف على حدة قال ابن أحمر :

                سقيا لحلوان ذي الكروم وما صنف من تينه ومن عنبه

                فالتأليف لكونه مطلق الضم أعم من التصنيف لكونه جعل كل صنف على حدة ولهذا قال بعضهم التأليف يرجع معناه إلى جمع كلام الغير وضمه فحسب والتصنيف إبراز صفات المعاني وإثبات الأفكار الغريبة على وجه لم يسبق إليه والمؤلف من يجمع كلام غيره ويضمه بإيقاع الألفة من غير ابتكار معنى من عنده وقال بعضهم واضع العلم أولى باسم المصنف من المؤلف وإن صح أيضا فيه لأن العلم مطلقا بمعنى الإدراك جنس وما تحته مما في الظن واليقين نوع فواضع العلم لما لاحظ الغاية المقصودة له فوجدها تترتب على العلم بأحوال شيء أو أشياء من جهة خاصة وضعه ليبحث عنه من تلك الجهة فقيد ذلك النوع من العلم بعارض كلي فصار صنفا وقيل لواضعه صنف العلم أي جعله صنفا متناسبا فهو باسم المصنف أوفق . [ ص: 30 ]

                ما بين مختصر ومطول : أي ألفوا تأليفا منها مختصر ومنها مطول هذا هو المراد من هذه العبارة والعبارة لا تفيده .

                والمختصر اسم مفعول من الاختصار وهو تقليل اللفظ وتكثير المعنى .

                والمطول اسم مفعول من التطويل وهو زيادة اللفظ على ما يؤدي أصل المراد مع كون الزائد غير متعين فإن تعين فهو الحشو ويوصف الكلام بكونه طويلا عريضا على جهة الاستعارة لمشابهته للجسم في اتصال الأجزاء وتواليها فطوله كثرة ألفاظه لكثرة معانيه وعرضه كثرة ألفاظه لتوضيح معانيه والإيجاز أداء المقصود بأقل من عبارته المتعارفة والإطناب أداؤه بأكثر منها . ( 40 )

                من متون وشروح وفتاوى : بيان لما . ( 41 )

                واجتهدوا في المذهب والفتوى وحرروا ونقحوا شكر الله سعيهم : أي في تقرير مسائله وتحريرها والمذهب لغة موضع الذهاب وهو المرور فحاصله الطريق ثم نقل منه إلى الأحكام الشرعية الاجتهادية التي هي طرائق المجتهدين يمرون عليها بأقدام عقولهم الراجحة لتحصيل الظن بها وأما معناه في العرف وهو ما اختص به المجتهد من الأحكام الشرعية الفرعية الاجتهادية المستفادة من الأدلة الظنية وهذا يشتمل جميع مذاهب المجتهدين . والتعريف الخاص لمذهب إمامنا هو ما اختص به من تلك الأحكام وعرف بعضهم المذهب بأنه الأحكام الشرعية الفرعية الاجتهادية وأسبابها وشروطها وموانعها والحجج المثبتة للأسباب والشروط والموانع .

                واعترض عليه بوجهين الأول أن نفس الحكم المذكور ليس بمذهب المجتهد وإنما مذهبه المسائل الاجتهادية التي يكون ذلك الحكم من جملة مبادها التصورية .

                الثاني : أن البحث عن السبب والشرط والمانع والحجة ليس بوظيفة المجتهد أصالة وإنما وظيفته قصدا وأصالة هو البحث عن الأحكام سواء كانت أحكام الأدلة والأسباب أو الشروط أو الموانع والمراد من الأحكام الوجوب والندب والحلال والحرام والكراهية .

                والاجتهاد لغة تحمل المشقة في أمر . واصطلاحا استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل الظن بحكم شرعي . [ ص: 31 ]

                إلا أني لم أر لهم كتابا يحكي كتاب الشيخ تاج الدين السبكي الشافعي مشتملا على فنون في الفقه وقد كنت لما وصلت في شرح الكنز : استدراك من قوله قد ألفوا .

                وقوله : يحكي أي يشابه وقوله يشتمل على فنون في الفقه من اشتمال الكل على أجزائه كاشتمال السكنجبين على الخل والعسل فلا يلزم اتحاد المشتمل والمشتمل عليه .

                والاشتمال على الشيء الإحاطة به والفرق بين الاشتمال والشمول أن الشمول يوصف به المفهوم الكلي بالنسبة إلى جزئياته والاشتمال يوصف به الكل بالنسبة إلى أجزائه كذا في حواشي المولى ; زاده على صدر الشريعة .

                والفنون جمع فن وهو النوع والضرب من الشيء يجمع أيضا على أفنان . ( 43 )

                إلى تبييض البيع الفاسد ألفت كتابا مختصرا : التبييض في اصطلاح المصنفين عبارة عن كتابة الشيء على وجه الضبط والتحرير من غير شطب بعد كتابته كيف ما اتفق . ( 44 )

                في الضوابط والاستثناءات منها : الضوابط جمع ضابطة وهو على ما سيذكره المصنف في ديباجة الفن الثاني ما يجمع فروعا من باب واحد بخلاف القاعدة وهي ما يجمعها من أبواب شتى ، والاستثناءات جمع استثناء بمعنى المستثنى ولذا جمعه وإلا فالمصدر لا يثنى ولا يجمع إلا إذا قصد به التنويع أو لحقته تاء الوحدة . ( 45 )

                سميته بالفوائد الزينية في الفقه الحنفية وصل إلى خمسمائة ضابطة : في الصحاح سميت فلانا زيدا وسميته بزيد بمعنى وأسميته مثله فتسمى به وتقول هو سمي فلان إذا وافق اسمه اسمه كما تقول هو كنيه ( انتهى ) .

                والاسم اللفظ الموضوع [ ص: 32 ] على الجوهر والعرض للتمييز وهل أسماء الكتب من قبيل علم الجنس أو اسم الجنس ؟ قيل بهذا وقيل بهذا والتحقيق أنها من قبيل علم الجنس كما حققه الدواني في شرح التهذيب وأما مسماها فالمختار .

                أنها الألفاظ من حيث دلالتها على المعاني .

                والزينية نسبة إلى زين الدين على ما هو الأصل في النسبة إلى صدر المركب الإضافي وأما البكري والزبيري في النسبة إلى أبي بكر وابن الزبير فمستثنيان من هذا الأصل كما تقرر في محله . ( 46 )

                فألهمت أن أضع كتابا على النمط السابق مشتملا على سبعة فنون : الإلهام تلقين الخبر من الله تعالى لعبده ولا يرد عليه قوله تعالى { فألهمها فجورها وتقواها } لأن الإلهام في الآية بمعنى التعليم والتبيين كما في تفسير المحقق السيد معين الدين الصفوي والمراد بالوضع التأليف ، والنمط الطريق والنوع والمراد تصنيف كتاب يحكي كتاب الشيخ تاج الدين السبكي الشافعي . ( 47 )

                يكون هذا المؤلف النوع الثاني منها : أي بمنزلته لا أن يكون عينه فإن فيه فوائد وضوابط لم تذكر في الفن الثاني .

                وفي الفن الثاني فوائد وضوابط لم تذكر فيه وحينئذ لا يستغنى بأحدهما عن الآخر كما يقتضيه ظاهر كلام المصنف . ( 48 )

                الأول معرفة القواعد التي ترد إليها وفرعوا الأحكام عليها : أي ترد الفروع إليها والمراد برد الفروع إليها استخراجها منها وطريق الاستخراج أن تضم كبرى إلى الصغرى سهلة الحصول كأن يقال مثلا هذا الثوب طاهر يقينا وكل طاهر يقينا لا تزول طهارته بالشك .

                ينتج بعد إسقاط المكرر من الشكل الأول : هذا الثوب لا تزول طهارته بالشكل .

                وبهذا التقرير يظهر أن لا حاجة إلى قوله : وفرعوا الأحكام عليها .

                والمعرفة العلم وقد فرق الأكثرون بينهما من وجهين أحدهما أن العلم يتعلق [ ص: 33 ] بالنسب أي وضع لنسبة شيء إلى آخر ولهذا يتعدى إلى المفعولين بخلاف " عرف " فإنه وضع للمفردات تقول عرفت زيدا .

                الثاني أن العلم لا يستدعي سبق جهل بخلاف المعرفة ولهذا لا يقال .

                الله تعالى عارف .

                ويقال له عالم وقد نص جماعة من الأصوليين أيضا ومنهم الآمدي في إبكار الأفكار على نحوه فقال إن المعرفة لا تطلق على العلم القديم .

                قال العلامة محمد بن أحمد بن عماد الأفقهي في حواشيه على شرح منهاج البيضاوي للعلامة عبد الرحيم الإسنوي : في كلام الفريقين نظر أما الأول فلأنهم قسموا العلم إلى مفرد وإلى مركب ولهذا قال ابن الحاجب في مختصره والعلم ضربان علم بمفرد ثم قال وعلم بمركب وأما الفرق الثاني فلأن أسماء الله تعالى توقيفية فلا يصح إطلاق غير المأذون فيه عليه وقد رده " تعرف إلى الله في الرخا يعرفك في الشدة " وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت } إن علمتم بمعنى عرفتم أعيانهم وقيل علمتم أحكامهم والفرق بينهما أن المعرفة متوجهة إلى ذات الشيء والعلم متوجه إلى أحوال الشيء فإذا قلت عرفت زيدا فالمراد شخصه وإذا قلت علمت زيدا فالمراد العلم بأحواله من فضل ونقص فعلى الأول يتعدى الفعل إلى مفعول واحد وهو قول سيبويه علمتم بمعنى عرفتم وعلى الثاني إلى مفعولين .

                وحكى الأخفش ولقد علمت زيدا ولم يكن أعلمه .

                وفي التنزيل { لا تعلمونهم الله يعلمهم } كل هذا بمعنى المعرفة فاعلمه .

                انتهى كلام القرطبي .

                قال العلامة ابن العماد فظهر بذلك أن المعرفة أيضا تستدعي سبق علم وفي صحيح البخاري { أن ملكا يأتي الناس وهم في الموقف فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لست ربنا ونحن في مكاننا هذا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ويقعوا ساجدين } فلولا تقدم علم لهم لما قال صلى الله عليه وسلم { فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون } ثم يحتمل أن تكون معرفتهم له أنهم عرفوه بأوصافه ويحتمل أنهم رأوه قبل ذلك إما في البرزخ وإما عند الموت لما ورد في الحديث { إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا } وقال تعالى { وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا } فلولا تقدم علم لما تعارفوا [ ص: 34 ] فطاح قول من قال إن المعرفة تستدعي سبق الجهل بخلاف العلم بل الأمر بالعكس ( انتهى ) .

                فليحفظ . ( 49 )

                وهي أصول الفقه في الحقيقة : أي كأصول الفقه وإلا فليست أصول لفقه ; فضلا عن أن يكون ذلك على سبيل الحقيقة فتأمل . ( 50 )

                وبها يرتقي الفقيه إلى درجة الاجتهاد ولو في الفتوى : عطف على قوله هي أصول الفقه .

                وقوله بها متعلق يرتقي .

                قدم لإفادة الحصر والمراد أنه بمزاولة التخريج على تلك القواعد يبلغ الفقيه درجة الاجتهاد والمراد بالفقيه المقلد في الفقه والدرجة المرقاة والمراد بها هنا المرتبة والاجتهاد عبارة عن الملكة التي تحصل للإنسان يقتدر بها على استنباط الأحكام وقوله ولو في الفتوى أي ولو كان ذلك الاجتهاد الحاصل من مزاولة القواعد كائنا في الفتوى ومجتهد الفتوى هو الذي يقدر على استخراج أحكام الحوادث التي لم ينص عليها الإمام ولا أصحابه من قواعدهم وأصولهم كنصير بن يحيى والفقيه أبي الليث ومحمد بن الفضل وغيرهم . ( 51 )

                وأكثر فروعها ظفرت به في كتب غريبة : الظفر هو الفوز بالمطلوب والمراد الغريبة بالنسبة إلى بعض الناس ، لعدم عنايته بتحصيل تلك الكتب ، لا مطلقا ، وإلا فقد صرح هو في بعض رسائله بأنه لا يجوز النقل من الكتب الغريبة التي لم تشتهر - أو عثرت به في غير مظنة - عثر كنصر من العثور وهو الاطلاع على الشيء ويتعدى بعلى لا بالباء إلا أنه هنا ضمن معنى الظفر وحينئذ يشكل عطفه على الظفر بأو ، والمظنة بكسر الظاء المعجمة موضع الشيء ومعدنه ، مفعلة من الظن بمعنى العلم وكان القياس فتح الظاء وإنما كسر لأجل الهاء ، كذا ذكره الإمام ابن هشام اللخمي في شرح شواهد كتاب الجمل .

                وفي التعليل المذكور نظر فليتأمل فيه . ( 52 )

                إلا أني بحول الله وقوته لا أنقل إلا الصحيح المعتمد في المذهب وإن كان [ ص: 35 ] مفرعا على قول ضعيف أو رواية ضعيفة نبهت على ذلك غالبا : استدراك من قوله ظفرت إلى آخره وذلك لأن ما في غير المظنة والكتب الغريبة يتوهم أن يكون ضعيفا فرفع هذا التوهم بالاستدراك .

                والحول القدرة على التصرف والتنبيه كما قال ابن الكمال إعلام ما في ضمير المتكلم للمخاطب وفي الصحاح نبهت على الشيء وقفته عليه فتنبه هو عليه وقوله غالبا قيد في التنبيه وهو منصوب على نزع الخافض أي بالفعل بسبب إسقاط الخافض لا أن نزع الخافض عامل كما حققه الرضي ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف كما ذكره العلامة الشيرازي في شرح العضدي وهو أولى . ( 53 )

                وحكي أن الإمام أبا طاهر الدباس جمع قواعد مذهب أبي حنيفة رحمه الله سبع عشرة قاعدة : هو محمد بن سفيان منسوب إلى الدبس المأكول ومن المنسوب إليه :

                وإذا طلبت العلم فاعلم أنه حمل فأبصر أي شيء تحمل
                وإذا علمت بأنه متفاضل فاشغل فؤادك بالذي هو أفضل

                ( 54 ) ورده إليها : يعني بتعسف وتكلف وقول جملي .

                وأما رده على سبيل الوضوح فيربو على الخمسين بل المائتين كذا قال بعض الفضلاء . ( 55 )

                وله حكاية مع أبي سعيد الهروي الشافعي رحمه الله فإنه لما بلغه ذلك سافر إليه وكان أبو طاهر ضريرا يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد أن يخرج الناس منه فالتف الهروي بحصيرة وخرج الناس وأغلق أبو طاهر باب المسجد : المقصود من [ ص: 36 ] سوق هذه الحكاية التنويه بشرف القواعد حيث سافر مثل هذا الإمام لأجل تحصيل تلك القواعد وهذا ليس أبو سعيد الهروي الشافعي هو صاحب هذه الواقعة مع أبي طاهر الدباس وإنما هو ناقل للحكاية عنه مع بعض علماء الحنفية بهراة كما في الأشباه والنظائر للجلال السيوطي ومثله في فتح القدير . ( 56 )

                وسرد منها سبعة : شبه قراءتها منتظمة متسقة بسرد الدرع على طريق الاستعارة التبعية وكان الصواب أن يقول سبعا لأن المعدود مؤنث على ما هو القاعدة المشهورة ( لا يقال القاعدة مقيدة بما إذا كان المميز مذكورا بعد العدد وأما إذا حذف أو قدر فيجوز حينئذ في اسم العدد إلحاق التاء وحذفها ) لأنا نقول ما ذكر من جواز التاء وعدمها إذا كان المميز الأيام وحدها وأما إذا كان غير الأيام فالوجه مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث وأما إذا كانت الأيام مع الليالي فالمسموع حذف التاء تغليبا لليالي .

                كذا قرره الإمام السبكي في رسالة إبراز الحكم قال وفي كلام سيبويه وابن مالك ما يدل عليه انتهى فليحفظ . ( 57 )

                فحصلت للهروي سعلة فأحس به أبو طاهر : السعلة والسعال بضم أولهما حركة تدفع بها الطبيعة الأذى عن الرئة والأعضاء التي تتصل بها وقد استشكل بعض المحققين من الأطباء عده في الأمراض لأن الأمور الطبيعية العارضة للإنسان لا تعد مرضا ويجاب عن ذلك بأن عده مرضا باعتبار كثرة عروضه واستمراره لا باعتبار أصل عروضه . ( 58 )

                فضربه وأخرجه من المسجد : فيه أنه كيف يصدر هذا من مثل هذا العالم مع أنه لا يجوز له ضربه ولا إخراجه من المسجد لأجل ما ذكر . ( 59 )

                ثم لم يكررها فيه بعد ذلك : عطف على قوله أخرجه .

                أقول فيه إن في عدم تكريرها بعد ذلك خشية من يسمعها ويستفيدها كتما للعلم وهو مذموم وقد ورد في الحديث { من كتم علما ألجمه الله بلجام من النار } . [ ص: 37 ]

                فرجع الهروي إلى أصحابه وتلاها عليهم : أي القواعد السبع التي سمعها من الدباس قيل منها - اليقين لا يزول بالشك - والثانية المشقة تجلب التيسير - والثالثة - الضرر يزال - والرابعة العادة محكمة - والخامسة الأمور بمقاصدها - كذا في فتح القدير . ( 61 )

                الثاني الضوابط وما دخل فيها وما خرج عنها وهو أنفع الأقسام للمدرس والمفتي والقاضي فإن بعض المؤلفين يذكر ضابطه : أي الفن الثاني من الفنون السبعة وقوله ما خرج عنها أي استثني منها ولو عبر به لكان أولى . ( 62 )

                ويستثنى منه أشياء فأذكر فيه أني زدت عليه أشياء أخر فمن لم يطلع على المزيد : الأشياء جمع شيء وهو عبارة عن كل موجود حسا كالأجسام أو حكما كالأقوال وقال سيبويه ما يصح أن يعلم به ويخبر عنه . ( 63 )

                ظن الدخول وهي خارجة كما ستراه : أي اعتقده وغير خاف ما يترتب على ذلك من الخطأ والفساد ومن ثم صرح المصنف في الفوائد الزينية بأنه لا يجوز الفتوى بما تقتضيه الضوابط لأنها ليست كلية بل أغلبية خصوصا وهي لم تثبت عن الإمام بل استخرجها المشايخ من كلامه . ( 64 )

                ولهذا وقع موقعا حسنا عند ذوي الإنصاف وابتهج به من هو من أولي الألباب : كناية عن تلقي الفضلاء له بالقبول والإنصاف والعدل ، والابتهاج السرور بالشيء . [ ص: 38 ]

                الثالث معرفة الجمع والفرق : أي الفن الثالث من الفنون السبعة معرفة ما يجتمع مع آخر في حكم فأكثر ويفترق منه في حكم آخر فأكثر كالذمي والمسلم بأنهما يجتمعان في أحكام ويفترقان في أحكام كما سيتضح لك ذلك في موضعه . ( 66 )

                الرابع الألغاز : أي الفن الرابع من الفنون السبعة في الألغاز والألغاز جمع لغز بالضم وبضمتين وبالتحريك وكصرد وكالحميراء وكالسميهي والألغوزة ما يعمى به وألغز كلامه وفيه عمى مراده .

                كذا في القاموس والمراد المسائل التي قصد إخفاء وجه الحكم فيها لأجل الامتحان . ( 67 )

                الخامس الحيل : أي الفن الخامس مسائل الحيل .

                الحيل جمع حيلة وهي الحذق وجودة النظر والمراد بها هنا ما يكون مخلصا شرعيا لمن ابتلي بحادثة دينية ولكون المخلص من ذلك لا يدرك إلا بالحذق وجودة النظر أطلق عليه لفظ الحيلة . ( 68 )

                السادس الأشباه والنظائر : أي الفن السادس الأشباه والنظائر من المسائل والأشباه جمع شبه والشبه والشبيه المثل والنظائر جمع نظير وهو المناظر والمثل والمراد بها المسائل التي تشبه بعضها بعضا مع اختلافها في الحكم لأمور خفية أدركها الفقهاء بدقة أنظارهم وقد صنفوا لبيانها كتبا كفروق المحبوبي والكرابيسي وهما عندي ولله الحمد . ( 69 )

                السابع ما حكي عن الإمام الأعظم وصاحبيه والمشايخ المتقدمين ، والمتأخرين من المطارحات والمكاتبات والمراسلات والغريبات : أي الفن السابع الحكايات المنقولة عن الإمام وأصحابه وغير ذلك والمراد بالإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت ولم يصرح باسمه ولا كنيته ليكون ذلك من باب الإيهام وهو طريق من طرق البلاغة ولأن فيه [ ص: 39 ] شارة إلى علو شأنه ورفعة قدره ومكانه لما فيه من الشهادة على أنه المشهور الذي لا يشتبه والبين الذي لا يلتبس قال الشاعر :

                لسنا نسميك إجلالا وتكرمة وقدرك المعتلي عن ذاك يكفينا

                وقوله : من المطارحات والمراسلات والمكاتبات بيان لما .

                والمطارحات جمع مطارحة وهي أن يطرح أحد العالمين على الآخر مسألة فيتكلمان فيها أشفاها .

                والمراسلات جمع مراسلة وهي أن يراسل كل واحد من العالمين إلى الآخر بمسألة يسأله عنها سواء كان بمكاتبة أو رسول وعلى هذا فعطف المكاتبات على المراسلات من عطف الخاص على العام




                الخدمات العلمية