الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما بعد الدباغة ففي جواز بيعه ورهنه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم لا يجوز بيعه ، وبه قال مالك لعموم قوله تعالى : حرمت عليكم الميتة [ المائدة : 3 ] ولأن إباحة الانتفاع بالميتة لا تقتضي جواز بيعها كالمضطر إلى أكلها ، ولأن تأثير الدباغة إنما هو التطهير ، وليس التطهير علة في جواز البيع كـ " أم الولد " .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو قوله في الجديد وبه قال أبو حنيفة : إن بيعه جائز لأنه جلد طاهر فجاز بيعه كـ " المزكى " ولأن حدوث النجاسة إذا منع من جواز البيع كان مأذونا بجواز البيع كنجاسة الخمر إذا ارتفعت بانقلابها خلا ، ولأن دباغة الجلد قد أعادته إلى حكم الحياة ، فلما كان بيعه في الحياة جائزا اقتضى أن يكون بعد الدباغة جائزا .

                                                                                                                                            فأما الآية فمخصوصة ، وأما المضطر إلى أكل الميتة فإنما استباحها لمعنى فيه لا في الميتة ، واستباحة الجلد لمعنى في الجلد لا في المستبيح . [ ص: 66 ] وأما أم الولد فالمنع من بيعها لحرمتها ، فلم تكن طهارتها علما في جواز بيعها ، وجلد الميتة لم يجز بيعه لنجاسته وكانت طهارته علما في جواز بيعه ، فإذا ثبت توجيه القولين في البيع والرهن تعلق بهما فرعان :

                                                                                                                                            أحدهما : جواز أكله إن كان من جلد مأكول ، فإن قلنا : إن بيعه لا يجوز لم يجز أكله ، لأن تحريم بيعه لبقاء حكم موته ، وإن قلنا بجواز بيعه كان في جواز أكله وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز لأن إباحته البيع لارتفاع حكم الموت .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجوز للنص على تحريم أكله بقوله عليه السلام : " إنما حرم من الميتة أكلها " والفرع الثاني : في جواز إجارته ، فإن قلنا بجواز بيعه جازت إجارته ، وإن قلنا ببطلان بيعه ففي جواز إجارته وجهان كالكلب المعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية