الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  41 (قال زهير: حدثنا أبو إسحاق عن البراء في حديثه هذا أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قال الكرماني: يحتمل أن البخاري ذكره على سبيل التعليق منه، ويحتمل أن يكون داخلا تحت حديثه السابق سيما لو جوزنا العطف بتقدير حرف العطف كما هو مذهب بعض النحاة، وقال بعضهم: ووهم من قال إنه معلق، وقد ساقه المصنف في التفسير مع جملة الحديث عن أبي نعيم عن زهير سياقا واحدا. قلت: أما الكرماني فإنه جوز أن يكون هذا مسندا بتقدير حرف العطف، وحرف العطف لا يجوز حذفه في الاختيار وهو المذهب الصحيح، وأما القائل المذكور فإنه جزم بأنه مسند ههنا; لأن قوله " ووهم من قال إنه معلق " يدل على هذا، بل هذا وهم; لأن صورته صورة التعليق بلا شك، وليس ما بينه وبين ما قبله ما يشركه إياه، ولا يلزم من سوقه في التفسير جملة واحدة سياقا واحدا أن يكون هذا موصولا غير معلق، وهذا ظاهر لا يخفى، وما رواه زهير بن معاوية هذا في حديث البراء رضي الله تعالى عنه أخرجه أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس رضي [ ص: 249 ] الله عنهما قال: (لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله كيف إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم ، وكذا أخرجه ابن حبان في (صحيحه) والحاكم في (مستدركه); قوله " إنه " أي إن الشأن; قوله " مات " فعل وفاعله قوله " رجال "، وقوله " على القبلة " قبل أن تحول معترض بينهما، وأراد بالقبلة بيت المقدس وهي القبلة المنسوخة و "أن" مصدرية، والتقدير قبل التحويل إلى الكعبة والذين ماتوا على القبلة المنسوخة قبل تحويلها إلى الكعبة عشرة أنفس ثمانية منهم من قريش وهم عبد الله بن شهاب الزهري والمطلب بن أزهر الزهري والسكران بن عمر والعامري ماتوا بمكة، وحطاب بالمهملة ابن الحارث الجمحي وعمرو بن أمية الأسدي وعبد الله بن الحارث السهمي وعروة بن عبد العزى العدوي وعدي بن نضلة العدوي واثنان من الأنصار وهما البراء بن معرور بالمهملات وأسعد بن زرارة ماتا بالمدينة، فهؤلاء العشرة متفق عليهم، ومات أيضا قبل التحويل إياس بن معاذ الأشهلي لكنه مختلف في إسلامه; قوله " وقتلوا " على صيغة المجهول عطف على قوله " مات رجال ".

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: كيف يتصور إطلاق القتل على الميت لأن الذي يموت حتف أنفه لا يسمى مقتولا. قلت: قال الكرماني: يحتمل أن يكون المقتولون نفس المائتين، وفائدة ذكر القتل بيان كيفية موتهم إشعارا بشرفهم واستبعادا لضياع طاعتهم وأن العقل قرينة لكون الواو بمعنى أو. قلت: كلامه يشعر بقتل رجال قبل تحويل القبلة، وهذا ليس بشيء لأنه لم يعرف قط في الأخبار أن الواحد من المسلمين قتل قبل تحويل القبلة على أن هذه اللفظة أعني قوله " وقتلوا " لا توجد في غير رواية زهير بن معاوية، وفي باقي الروايات كلها ذكر الموت فقط، فيحتمل أن تكون هذه غير محفوظة، وقال بعضهم: فإن كانت هذه محفوظة فتحمل على أن بعض المسلمين ممن لم يشتهر قتل في تلك المدة في غير الجهاد ولم يضبط اسمه لقلة الاعتناء بالتاريخ إذ ذاك ثم وجدت في المغازي ذكر رجل اختلف في إسلامه وهو سويد بن الصامت، فقد ذكر ابن إسحاق أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يلقاه الأنصار في العقبة فعرض عليه الإسلام فقال: إن هذا القول حسن، وأتى المدينة فقتل بها في وقعة بعاث وكانت قبل الهجرة، قال: فكان قومه يقولون لقد قتل وهو مسلم فيحتمل أن يكون هو المراد، قلت: فيه نظر من وجوه: الأول: أن هذا حكم بالاحتمال فلا يصح. والثاني: قوله " لقلة الاعتناء بالتاريخ إذ ذاك ليس كذلك، فكيف اعتنوا بضبط أسماء العشرة الميتين ولم يعتنوا بضبط الذين قتلوا، بل الاعتناء بالمقتولين أولى لأن لهم مزية على غيرهم. والثالث: أن الذي وجده في المغازي لا يصلح دليلا لتصحيح اللفظة المذكورة من وجهين أحدهما أن هذا الرجل لم يتفق على إسلامه والآخر أن هذا واحد، وقوله " وقتلوا " صيغة جمع تدل على أن المقتولين جماعة وأقلها ثلاثة أنفس. والرابع: من وجوه النظر أن وقعة بعاث كانت بين الأوس والخزرج في الجاهلية، ولم يكن في ذلك الوقت إسلام، فكيف يستدل بقتل الرجل المذكور في وقعة بعاث على أن قتله كان في وقت كون القبلة هي بيت المقدس، وهذا ليس بصحيح، وقال الصغاني: بعاث بالضم على ليلتين من المدينة ويوم بعاث يوم كان بين الأوس والخزرج في الجاهلية، ووقع في كتاب العين بالغين المعجمة والصواب بالعين المهملة لا غير، ذكره في فصل الثاء المثلثة من كتاب الباء الموحدة; قوله " فلم يدر " أي فلم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طاعتهم ضائعة أم لا فأنزل الله الآية.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية