الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 772 ] صفة أخذ البساسيري قبحه الله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما سار السلطان نحوه وصلت إليه السرية الأولى فلقوه بأرض واسط ومعه ابن مزيد ، فاقتتلوا هنالك ، وانهزم أصحابه ، ونجا البساسيري بنفسه على فرس ، فتبعه بعض الغلمان ، فرمى فرسه بنشابة ، فألقته إلى الأرض ، فجاء الغلام ، فضربه على وجهه ، ولم يعرفه ، وأسره واحد منهم ، يقال له كمشتكتين ، وحز رأسه ، وحمله إلى السلطان ، وأخذت الأتراك من جيش البساسيري من الأموال ما عجزوا عن حمله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما وصل الرأس إلى السلطان أمر أن يذهب به إلى بغداد وأن يرفع على قناة ، وأن يطاف به في المحال والدبادب والبوقات والنفاطون معه ، وأن يخرج الناس والنساء للفرجة عليه ، ففعل ذلك ثم نصب على الطيار تجاه دار الخلافة ، ولله الحمد والمنة . وقد كان مع البساسيري خلق من البغاددة ، خرجوا معه ظانين أنه سيعود إليها محبة فيه ، فهلكوا ، ونهبت أموالهم كلها ، ولم ينج من أصحابه إلا القليل ، وفر ابن مزيد في ناس قليل إلى البطيحة ، وفيمن معه أولاد البساسيري وأمهم ، وقد سلبتهم الأعراب ، فلم يتركوا لهم شيئا ، فوردوا البطيحة مسلوبين محروبين ، ثم استؤمن لابن مزيد من السلطان ، ودخل معه بغداد ، وقد نهبت العساكر السلطانية ما بين واسط والبصرة والأهواز ، وذلك لكثرة الجيش وانتشاره وكثافته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأما الخليفة فإنه لما عاد إلى دار الخلافة جعل لله عليه أن لا ينام [ ص: 773 ] على وطاء ، ولا يأتيه أحد بطعامه إذا كان صائما ، ولا يخدمه في وضوئه وغسله ، بل يتولى ذلك بنفسه لنفسه ، ، وعاهد الله أن لا يؤذي أحدا ممن آذاه ، وأن يصفح عمن ظلمه ، وكان يقول : ما عاقبت من عصى الله فيك بأكثر من أن تطيع الله فيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها تولى الملك ألب أرسلان بن داود جغريبك بن ميكائيل بن سلجوق بلاد خراسان بعد وفاة أبيه بتقرير عمه طغرلبك وكان له من الإخوة ثلاثة : سليمان وقاروتبك وياقوتي ، فتزوج طغرلبك بأم سليمان هذا ، وأوصى له بالملك من بعده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان في هذه السنة بمكة رخص لم يسمع بمثله ، بيع البر والتمر كل مائتي رطل بدينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم يحج أحد من أهل العراق في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية