الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وله ذا النوع ) أي صلاة شدة الخوف سفرا وحضرا ( في كل قتال وهزيمة مباحين ) ; لأن المنع منه ضرر ، وذلك كالقافلة في قطاع الطريق والفئة العادلة في قتال الباغية دون عكسه ; لأنه إعانة على معصية ( وهرب من حريق وسيل وسبع ) وحية ونحو ذلك حيث لم يمكنه المنع ولا التحصن بشيء لوجود الخوف ( وغريم عند الإعسار وخوف حبس ) دفعا لضرر الحبس إن لم يكن به بينة وهو ممن لا يصدق فيه . نعم لو كان له به بينة ولكن الحاكم لا يسمعها إلا بعد الحبس فهي كالعدم فيما يظهر كما قاله الأذرعي ولا إعادة هنا ، وكما يجوز صلاة شدة الخوف يجوز أيضا صلاة الخوف بطريق الأولى كما صرح به الجرجاني ، فيصلي بطائفة ويستعمل طائفة في رد السيل وإطفاء النار ، وهذا كله عند خوف فوت الوقت ، وعلم من ذلك أن صلاة شدة الخوف لا تفعل إلا عند ضيق الوقت وهو كذلك ما دام يرجو الأمن ، وإلا فله فعلها [ ص: 371 ] فيما يظهر كما مر نظيره في صلاة فاقد الطهورين ، ويصلي في هذا النوع أيضا العيد والكسوف بقسميهما والرواتب والتراويح لا الاستسقاء فإنه لا يفوت ولا الفائتة بعذر كذلك إلا إذا خيف فوتها بالموت ، بخلاف ما إذا فاتته بغير عذر فيما يظهر ، ولا يصليها طالب عدو خاف فوته لو صلى متمكنا ; لأن الرخصة إنما وردت في خوف فوت ما هو حاصل وهي لا تتجاوز محلها وهذا محصل .

                                                                                                                            نعم إن خشى كرته ، أو كمينا أو انقطاعه عن رفقته كما صرح به الجرجاني فله أن يصليها ; لأنه خائف ، ولو خطف نعله مثلا في الصلاة جازت له صلاة شدة الخوف إذا خاف ضياعها كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى تبعا لابن العماد ، ولا يضر وطؤه النجاسة كحامل سلاحه الملطخ بالدم للحاجة ، ويلزمه فعلها ثانيا على المعتمد ، والمسألة مأخوذة من قولهم إنه يجوز صلاة شدة الخوف للخوف على ماله ، ومن كلام الجرجاني المار في خوفه من انقطاعه عن رفقته ، ومن تعليلهم بعدم جوازها إن خاف فوت العدو بأنه لم يخف فوت ما هو حاصل ، وقول الدميري : لو شردت فرسه فتبعها إلى صوب القبلة شيئا كثيرا ، أو إلى غيرها بطلت مطلقا ، محمول على ما إذا لم يخف ضياعها بل بعدها عنه فتكلف المشي ، [ ص: 372 ] أما عند خوف ضياعها فلا بطلان مطلقا كما أفاده الشيخ وقال إنه مأخوذ من كلامهم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : في كل قتال ) قال الأذرعي نقلا عن غيره : وكذا الأنواع الثلاثة بالأولى ا هـ حج .

                                                                                                                            وسيأتي ما يفيده في قول الشارح ، وكما تجوز صلاة شدة الخوف تجوز . إلخ ( قوله : وهزيمة مباحين ) كقتال ذي مال وغيره لقاصد أخذه ظلما ، ولا يبعد إلحاق الاختصاص به في ذلك ا هـ حج ( قوله : ; لأنه إعانة على معصية ) قضيته أن الباغي عاص بقتاله مطلقا ، وهو مخالف لما صرح به الشارح في أولي البغاة من أن البغي ليس اسم ذم عندنا ; لأنهم إنما خالفوا بتأويل جائز في اعتقادهم لكنهم مخطئون فيه ، فلهم لما فيهم من أهلية الاجتهاد نوع عذر ، وما ورد من ذمهم وما وقع في كلام الفقهاء في بعض المواضع من عصيانهم أو فسقهم محمولان على من لا أهلية فيه للاجتهاد أو لا تأويل له أو له تأويل قطعي البطلان انتهى .

                                                                                                                            وعبارة حج هنا : وفئة عادلة لباغية ، بخلاف عكسه إن حكمنا بإثمهم في الحالة الآتية في بابهم ا هـ .

                                                                                                                            ( قوله : وهو ممن لا يصدق فيه ) أي الإعسار كأن عرف له قبل وادعى تلفه ( قوله : وهذا كله عند خوف الوقت ) أي خوف خروجه ( قوله : وهو كذلك ) أي خلافا لحج قال سم على منهج : والقياس أن بقية الأنواع كذلك .

                                                                                                                            وقال عميرة : وأما باقي الأنواع فالظاهر فيها عدم اشتراط ذلك فليتأمل ا هـ والأقرب ما قاله عميرة ( قوله وإلا فله فعلها ) أي وإن اتسع الوقت .

                                                                                                                            [ ص: 371 ] فرع ] لو كان يعلم زوال الخوف وقد بقي من الوقت قدر ركعة وجب تأخير الصلاة إلى زوال الخوف لإمكانها أداء على هيئتها من غير خلل كما ارتضاه م ر هكذا فراجعه هل هو منقول انتهى سم على منهج ، وقد يتبادر من الشارح خلافه فليتأمل وهو الذي يظهر الآن ; لأنه لا ضرورة إلى إخراج بعض الصلاة عن وقتها ، ثم رأيت سم صرح بما قلناه ( قوله : فيما يظهر ) أي وعليه فلو حصل الأمن بقية الوقت وجبت الإعادة ولا عبرة بالظن البين خطؤه .

                                                                                                                            ( قوله : ويصلي في هذا النوع ) ومثله بقية الأنواع الثلاثة بالأولى ا هـ حج .

                                                                                                                            لكن قدمنا عنه التردد في الاستسقاء بالنسبة لبقية الأنواع ، وما ذكر في الرواتب ظاهر حيث فعلت جماعة على خلاف المطلوب فيها .

                                                                                                                            وأما إذا فعلت فرادى فقد يتوقف في مجيء بقية الأنواع فيه ; لأن تلك إنما تفعل إذا صليت جماعة والجماعة فيها غير مطلوبة .

                                                                                                                            وأما صلاة شدة الخوف فلا مانع منها خشية فواتها حيث ضاق الوقت .

                                                                                                                            ( قوله : العيد والكسوف بقسميهما ) أي الفطر والأضحى وكسوف القمر والشمس ( قوله : خيف فوتها بالموت ) أي الفائتة بعذر ومثله يقال في الاستسقاء فإذا خيف فوته صلى صلاة شدة الخوف ( قوله : بخلاف ما إذا فاتته بغير عذر ) أي فيصليها حالا خروجا من المعصية ، ولو قيل شدة الخوف عذر في التأخير ولا معصية لم يبعد ، وهو قياس ما قدمه من استحباب الترتيب في الفوائت وإن كان المتأخر فات بغير عذر .

                                                                                                                            ( قوله : ولا يصليها ) أي صلاة شدة الخوف ( قوله إذا خاف ضياعه ) واستشكل هذا بأنه لم يخف فوت ما هو حاصل ، وهذا النوع إنما يجوز ، كذلك قال سم على منهج نقلا عن الشارح ما نصه : واعتذر م ر عن هذا الإشكال بأن المراد ما يشمل ما كان حاصلا ، ويرد الاشتغال بإنقاذ نحو الغريق فإنهم جعلوه كالحج مع أن فيه تحصيل ما كان حاصلا ، وأوردت عليه ذلك فحاول التخلص بأنه لم يكن حاصلا له ، وأنه ينبغي اعتبار كون المراد بالحاصل ما كان حاصلا له وما في معناه ا هـ فليراجع فإن فيه نظرا .

                                                                                                                            وقضيته الجواز إذا كان الغريق عبده مثلا فليحرر ا هـ سم على منهج ( قوله : ويلزمه فعلها ثانيا ) أي في حال تلطخه بالنجس فقط ا هـ مؤلف ، ويحتمل الإعادة مطلقا ; لأن هذا نادر وهو الأقرب ، وإذا أدركه فليس له العود لمحله الأول ، ولو كان إماما فيما يظهر أخذا من إطلاقهم ، ويوجه بأن العمل الكثير إنما اغتفر في سعيه لتلخيص متاعه لأنه ملحق بشدة الحرب ، والحاجة هنا قد انقضت باستيلائه على متاعه فلا وجه للعود ( قوله : أو إلى غيرها بطلت مطلقا ) أي [ ص: 372 ] كثيرا كان أو قليلا ( قوله : فلا بطلان مطلقا ) أي ويأتي في القضاء ما قدمناه فيمن خطف نعله



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 370 - 371 ] قوله : ويلزمه فعلها ثانيا ) أي فيما إذا وطئ النجاسة كما يدل عليه الفتاوى ( قوله : ومن كلام الجرجاني ) أي بالأول ، وعبارة الفتاوى : بل صرح الجرجاني إلخ




                                                                                                                            الخدمات العلمية