الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : ذكروا في تفسير قوله : ( أصابتهم مصيبة ) وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن المراد منه قتل عمر صاحبهم الذي أقر أنه لا يرضى بحكم الرسول عليه السلام ، فهم جاءوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فطالبوا عمر بدمه وحلفوا أنهم ما أرادوا بالذهاب إلى غير الرسول إلا المصلحة ، وهذا اختيار الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال أبو علي الجبائي : المراد من هذه المصيبة ما أمر الله تعالى الرسول عليه الصلاة والسلام من أنه لا يستصحبهم في الغزوات ، وأنه يخصهم بمزيد الإذلال والطرد عن حضرته وهو قوله تعالى : ( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ) [ الأحزاب : 60 - 61 ] وقوله : ( فقل لن تخرجوا معي أبدا ) [ التوبة : 83 ] وبالجملة فأمثال هذه الآيات توجب لهم الذل العظيم ، فكانت معدودة في مصائبهم ، وإنما يصيبهم ذلك لأجل نفاقهم ، وعنى بقوله : ( ثم جاءوك ) أي وقت المصيبة يحلفون ويعتذرون أنا ما أردنا بما كان منا من مداراة الكفار إلا الصلاح ، وكانوا في ذلك كاذبين لأنهم أضمروا خلاف ما أظهروه ، ولم يريدوا بذلك [ ص: 127 ] الإحسان الذي هو الصلاح .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : قال أبو مسلم الأصفهاني : إنه تعالى لما أخبر عن المنافقين أنهم رغبوا في حكم الطاغوت وكرهوا حكم الرسول ، بشر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ستصيبهم مصائب تلجئهم إليه ، وإلى أن يظهروا له الإيمان به وإلى أن يحلفوا بأن مرادهم الإحسان والتوفيق . قال : ومن عادة العرب عند التبشير والإنذار أن يقولوا : كيف أنت إذا كان كذا وكذا ، ومثاله قوله تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) [ النساء : 41 ] وقوله : ( فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ) [ آل عمران : 25 ] ثم أمره تعالى إذا كان منهم ذلك أن يعرض عنهم ويعظهم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية