الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  395 67 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا مالك بن أنس ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر قال : بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة ، فاستقبلوها . وكانت وجوههم إلى الشام ، فاستداروا إلى الكعبة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث الدلالة عليها من الجزء الأول وهو قوله : " وقد أمر أن يستقبل الكعبة " ، ومن الجزء الثاني أيضا ، وذلك لأنهم صلوا في أول تلك الصلاة إلى القبلة المنسوخة التي هي غير القبلة الواجب استقبالها جاهلين بوجوبه ، والجاهل كالناسي حيث لم يؤمروا بإعادة صلاتهم . ورجاله أئمة مشهورون ، وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد والإخبار كذلك والعنعنة في موضعين ، وفيه القول .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في التفسير عن يحيى بن قزعة وقتيبة فرقهما ، وفي خبر الواحد عن إسماعيل بن أبي أويس . وأخرجه مسلم في الصلاة والنسائي فيه وفي التفسير ، جميعا عن قتيبة ؛ أربعتهم عنه به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله ( بينا ) أصله بين ، فأشبعت الفتحة فصارت ألفا ، يقال : بينا وبينما ، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ، ويضافان إلى جملة من فعل وفاعل مبتدأ وخبر ، ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى ، والأفصح في جوابهما أن لا يكون فيه إذ وإذا ، وقد جاءا كثيرا ؛ تقول : بينا زيد جالس دخل عليه عمرو ، وإذ دخل عليه عمرو ، وإذا دخل عليه . وبينا هاهنا أضيف إلى المبتدأ والخبر ، وجوابه قوله : " إذ جاءهم آت " ، وفي " قباء " ست لغات : المد ، والقصر ، والتذكير ، والتأنيث ، والصرف ، والمنع . وأفصحها المد ؛ وهو موضع معروف ظاهر المدينة ، والمعنى هنا : بينا الناس في مسجد قباء وهم في صلاة الصبح ، واللام في " الناس " للعهد الذهني ؛ لأن المراد أهل قباء ومن حضر معهم في الصلاة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( آت ) فاعل ، من أتى يأتي فأعل إعلال قاض ، وهذا الآتي هو عباد - بالتشديد - بن بشر ؛ بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ، وفي حديث البراء المتقدم في صلاة العصر ، ولا منافاة بين الخبرين ، وقد ذكرنا وجهه في حديث البراء وهو أن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة ، ووقت الصبح في اليوم الثاني إلى من هو خارجها .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وقد أنزل عليه الليلة قرآن ) ، أطلق " الليلة " على بعض اليوم الماضي وما يليه مجازا ، وأراد بالقرآن قوله تعالى : قد نرى تقلب وجهك في السماء الآيات . وفيه أيضا مجاز ؛ حيث ذكر الكل وأراد الجزء ، وفي بعض النسخ : " القرآن " بالألف واللام التي هي للعهد .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وقد أمر ) على صيغة المجهول ؛ أي : أمر النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أن يستقبل الكعبة ) ؛ أي : بأن يستقبل ، وأن مصدرية ، والمعنى : باستقبال الكعبة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فاستقبلوها ) على صيغة الجمع من الماضي ، والضمير فيه يرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ويحتمل أن يكون الضمير لأهل قباء ؛ يعني حين سمعوا من الآتي ما بلغهم استقبلوا الكعبة ، وفي رواية الأصيلي : " فاستقبلوها " ؛ بكسر الباء على صيغة الأمر للجمع ، والأمر لأهل قباء من الآتي .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وكانت وجوههم ) [ ص: 148 ] هو من كلام ابن عمر لا كلام الرجل المخبر بتغير القبلة ، قاله الكرماني . قلت : لا مانع أن يكون من كلام المخبر ، فعلى هذا تكون الواو للحال فتكون جملة حالية على رواية الأكثرين وهو أن يكون صيغة الجمع من الماضي ، وعلى رواية الأصيلي تكون الواو للعطف ، وجاء عطف الجملة الخبرية على الإنشائية ، والضمير في " وجوههم " يحتمل الوجهين المذكورين . وقال بعضهم : عوده إلى أهل قباء أظهر ، ويرجح رواية الكسر أنه عند المصنف في التفسير : " وقد أمر أن يستقبل الكعبة ، ألا فاستقبلوها " ، فدخول حرف الاستفتاح يشعر بأن الذي بعده أمر لا أنه بقية الخبر الذي قبله . قلت : ألا في مثل هذا الموضع تكون للتنبيه لتدل على تحقق ما بعدها ، ولا يسمى حرف استفتاح إلا في مكان يهمل معناها ، وفي ترجيحه الكسر بهذا نظر ؛ لأنه يعكر عليه قوله : " فاستداروا " إذا جعل " وكانت وجوههم " من كلام ابن عمر .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستنبط منه ) : قد مر أكثره في حديث البراء بن عازب ، وفيه ما يؤمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - يلزم أمته ، وفيه أن أفعاله يجب الإتيان بها عند قيام الدليل على الوجوب ويسن ويستحب بحسب المقام والقرائن ، وفيه قبول خبر الواحد ، وفيه جواز تعليم من ليس في الصلاة من هو فيها ، وفيه استماع المصلي لكلام من ليس في الصلاة لا يضر صلاته ، وفيه أن من تبلغه الدعوة ولم يمكنه استعلام ذلك فالفرض غير لازم له ؛ هكذا استنبطه الطحاوي منه . .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية