الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                18089 ( وأخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا هلال بن العلاء الرقي ، ثنا عبد الله بن جعفر ، ثنا المعتمر بن سليمان ، ثنا سعيد بن عبيد الله ، ثنا بكر بن عبد الله المزني ، وزياد بن جبير ، عن جبير بن حية قال : بعث عمر - رضي الله عنه - الناس من أفناء الأمصار يقاتلون المشركين ، فذكر الحديث في إسلام الهرمزان قال : فقال : إني مستشيرك في مغازي هذه فأشر علي في مغازي المسلمين . قال : نعم يا أمير المؤمنين ، الأرض مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له رأس ، وله جناحان ، وله رجلان ، فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس ، وإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس ، وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس ، فالرأس كسرى ، والجناح قيصر ، والجناح الآخر فارس ، فمر المسلمين أن ينفروا إلى كسرى . فقال بكر ، وزياد جميعا ، عن جبير بن حية قال : فندبنا عمر - رضي الله عنه - واستعمل علينا رجلا من مزينة يقال له النعمان بن مقرن - رضي الله عنه - وحشر المسلمين معه قال : وخرجنا فيمن خرج من الناس حتى إذا دنونا من القوم ، وأداة الناس وسلاحهم الجحف ، والرماح المكسرة ، والنبل قال : فانطلقنا نسير ، وما لنا كثير خيول - أو ما لنا خيول - حتى إذا كنا بأرض العدو ، وبيننا وبين القوم نهر خرج علينا عامل لكسرى في أربعين ألفا ، حتى وقفوا على النهر ، ووقفنا من حياله الآخر قال : يا أيها الناس ، أخرجوا إلينا رجلا يكلمنا . فأخرج إليه المغيرة بن شعبة ، وكان رجلا قد اتجر وعلم الألسنة . قال : فقام ترجمان القوم ، فتكلم دون ملكهم قال : فقال للناس : ليكلمني رجل منكم ، فقال المغيرة : سل عما شئت . فقال : ما أنتم ؟ فقال : نحن ناس من العرب كنا في شقاء شديد ، وبلاء طويل ، نمص الجلد ، والنوى من الجوع ، ونلبس الوبر ، والشعر ، ونعبد الشجر ، والحجر ، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات ورب الأرض إلينا نبيا من أنفسنا ، نعرف أباه ، وأمه ، فأمرنا نبينا رسول ربنا - صلى الله عليه وسلم - أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده ، أو تؤدوا الجزية ، فأخبرنا نبينا عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى جنة ، ونعيم لم ير مثله قط ، ومن بقي منا ملك رقابكم . قال : فقال الرجل : بيننا وبينكم بعد غد حتى نأمر بالجسر يجسر . قال : فافترقوا وجسروا الجسر ، ثم إن أعداء الله قطعوا إلينا في مائة ألف ، ستون ألفا يجرون الحديد ، وأربعون ألفا رماة الحدق ، فأطافوا بنا عشر مرات قال : وكنا اثني عشر ألفا . فقالوا : هاتوا لنا رجلا يكلمنا ، فأخرجنا المغيرة ، فأعاد عليهم كلامه الأول ، فقال الملك : أتدرون ما مثلنا ومثلكم ؟ قال المغيرة : ما مثلنا ومثلكم ؟ قال : مثل رجل له بستان ذو رياحين [ ص: 192 ] وكان له ثعلب قد آذاه ، فقال له رب البستان : يا أيها الثعلب لولا أن ينتن حائطي من جيفتك لهيأت ما قد قتلك ، وإنا لولا أن تنتن بلادنا من جيفكم لكنا قد قتلناكم بالأمس . قال له المغيرة : هل تدري ما قال الثعلب لرب البستان ؟ قال : ما قال له ؟ قال : قال له : يا رب البستان أن أموت في حائطك ذا بين الرياحين أحب إلي من أن أخرج إلى أرض قفر ليس بها شيء ، وإنه والله لو لم يكن دين ، وقد كنا من شقاء العيش فيما ذكرت لك ، ما عدنا في ذلك الشقاء أبدا حتى نشارككم فيما أنتم فيه أو نموت . فكيف بنا ومن قتل منا صار إلى رحمة الله وجنته ، ومن بقي منا ملك رقابكم ؟ قال جبير : فأقمنا عليهم يوما لا نقاتلهم ، ولا يقاتلنا القوم قال : فقام المغيرة إلى النعمان بن مقرن - رضي الله عنه - فقال : يا أيها الأمير إن النهار قد صنع ما ترى ، والله لو وليت من أمر الناس مثل الذي وليت منهم لألحقت الناس بعضهم ببعض حتى يحكم الله بين عباده بما أحب . فقال النعمان : ربما أشهدك الله مثلها ، ثم لم يندمك ، ولم يخزك ، ولكني شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ، كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح ، وتحضر الصلوات ، ألا أيها الناس ، إني لست لكلكم أسمع ، فانظروا إلى رايتي هذه ، فإذا حركتها فاستعدوا ، من أراد أن يطعن برمحه فلييسره ، ومن أراد أن يضرب بعصاه فلييسر عصاه ، ومن أراد أن يطعن بخنجره فلييسره ، ومن أراد أن يضرب بسيفه فلييسر سيفه ، ألا أيها الناس إني محركها الثانية ، فاستعدوا ، ثم إني محركها الثالثة ، فشدوا على بركة الله ، فإن قتلت فالأمير أخي ، فإن قتل أخي فالأمير حذيفة ، فإن قتل حذيفة فالأمير المغيرة بن شعبة . قال : وحدثني زياد أن أباه قال : قتلهم الله فنظرنا إلى بغل موقر عسلا ، وسمنا قد كدست القتلى عليه فما أشبهه إلا كوما من كوم السمك يلقى بعضه على بعض ، فعرفت أنه إنما يكون القتل في الأرض ولكن هذا شيء صنعه الله ، وظهر المسلمون ، وقتل النعمان وأخوه ، وصار الأمر إلى حذيفة . فهذا حديث زياد ، وبكر . ( قال : وحدثنا ) أبو رجاء الحنفي قال : كتب حذيفة إلى عمر - رضي الله عنهما - أنه أصيب من المهاجرين فلان وفلان ، وفيمن لا يعرف أكثر ، فلما قرأ الكتاب رفع صوته ، ثم بكى ، وبكى ، فقال : بل الله يعرفهم ثلاثا . رواه البخاري في الصحيح مختصرا عن الفضل بن يعقوب ، عن عبد الله بن جعفر الرقي .

                                                                                                                                                وفيه دلالة على أخذ الجزية من المجوس والله أعلم ، فقد كان كسرى ، وأصحابه مجوسا .

                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                الخدمات العلمية