الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الرابع : في كيفية القسامة ، وفي الكتاب : يقسم ولاة الدم في الخطأ [ ص: 307 ] على قدر مواريثهم ، والبنت وحدها تحلف خمسين يمينا وتأخذ نصف الدية ، أو مع عصبته فخمسة وعشرين ، والعمة مثلها ، فإن نكلوا لم تأخذ البنت إلا خمسين يمينا ، أو بنت وابن غائب لم تأخذ البنت حتى تحلف خمسين ، فإذا قدم حلف ثلثي الأيمان ، وأخذ ثلثي الدية ، فإن انكسرت يمين ، جبرت على من عليه أكثرها ، وإن لزم واحد نصفها ، وآخر سدسها حلف صاحب النصف ، وجد وعشرة إخوة ; يحلف الجد ثلثها والإخوة ثلثيها . وفي النكت : إن استوت الحصص في اليمين اقترعوا بيمين يجبر عليه ، قاله بعض مشايخنا . وفي الجلاب : إن استوت جبرت عليهم كلهم ، ويحتمل أن تجبر على واحد منهم ، ويحلف الجد مع عشرة إخوة في العمد كواحد منهم ، بخلاف الخطأ ; لأن ميراثه الثلث ، فيحلف الثلث ، وعن ابن القاسم : خلافه ، والأول أقيس .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يحلفون بالله الذي لا إله إلا هو أن فلانا قتله ، أو مات من ضربه إن كان عاش ، ولا يزاد : الرحمن الرحيم ; لأن السنة في الأيمان ، ويحلف على البت ، وإن كان أحدهم أعمى ، أو غائبا حين القتل . وفي التنبيهات : في بعض روايات المدونة يزيدون الرحمن الرحيم ، وهو مذهب المغيرة وغيره في القسامة وشبهها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : نكول المستعان بهم غير معتبر ; لعدم إحالته كذب القضية ، بخلاف نكول أحد الأولياء يسقط القود . قال القاضي أبو محمد في الولد والإخوة رواية واحدة ، وفي غيرهم من العصبة روايتان : السقوط ، ويحلف الباقون ويستحقون الدم ; لتعدد الحقوق ، وحيث قلنا بالسقوط حلف الباقي ويستحق نصيبه من الدية ; لأنها تتوزع ، بخلاف الدم ، وروي : ترد الأيمان على المدعى 308 [ ص: 308 ] عليهم ; لأن الدية فرع ما لا يتوزع فلا يتوزع ، فإن حلف المدعى عليه لزمته الدية كاملة في ماله ; لأن النكول ظاهره صدق الدعوى ، واتفقوا على أن هذا يحبس حتى يحلف ، قاله محمد . وروي : إن طال حبسه خلي .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في المقدمات : إن كان الأولياء رجلين وأرادا أن يستعينا بمن دونهم في الرتبة جاز ، وتقسم الأيمان بينهم على عددهم ، وإن رضي المعين أن يحلف أكثر مما يجب عليه ، امتنع ، أو رضي الولي أن يحلف أكثر مما يلزمه ، جاز في خمسة وعشرين يمينا ; لأنها بإحالة عليه ، وإنما جازت الاستعانة بمن يرجع إلى النسب ; لقوله عليه السلام للحارثيين : ( أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم ؟ ) ولم يكن الجميع إخوة بل مختلفين في الرتب ، فعبد الله بن سهل أخوه ، وحويصة ومحيصة ابنا عمه ، وفي حديث الحارثيين قال عليه السلام : ( أتحلفون وتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم ؟ ) وظاهره أنه لا يزاد على هذا العدد مع أن الأنصار كانوا أكثر من ذلك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إن نكل ولاة الدم عن اليمين ، وكانت القسامة وجبت بقول المقتول أو بشاهد على القتل ، فثلاثة أقوال : ترد على المدعى عليهم لأنه أصل النكول ، فيحلف المدعى عليه خمسين أو يحلف عنه رجلان فأكثر من ولاته إن رضوا خمسين بذلك ، ولا يحلف هو معهم ، قاله ابن القاسم ، والثاني عنه : يحلف منهم رجلان فأكثر خمسين ترد الأيمان عليهم ، ويحلف فيهم المتهم ; لأنه الأصل ( فإن نكلوا ، أو لم يوجد غير المتهم ، لم تبرأ حتى يحلف المتهم وحده . قال مطرف : ويحلف المدعى عليه وحده ، وليس عليه أن يستعين بأحد ; لأنه الأصل ) وإن [ ص: 309 ] وجبت القسامة بشاهدين على الجرح فقولان : قال ابن القاسم : يرد على المدعى عليه فيحلف : ما مات من ضربي ، فإن نكل سجن حتى يحلف ، فإن حلف ضرب مائة وسجن سنة ، وإن أقر قتل . وفي الموازية : يقتص منه من الجرح إن نكل الأولياء حلف المدعى عليه أو نكل ; لأن الجرح ثبت بشاهدين ، وإن ثبتت القسامة بشاهد على القتل لا يقتص من الجرح ، حلف القاتل أو نكل ; لأنه لا يقتص من الجرح ( إن نكل الأولياء حلف المدعى عليه ) إلا بيمين المجروح لا يمين الوارث . وعن مالك : إذا ردت عليهم في العمد فنكلوا فالعقل في مال الجارح خاصة ، ويقتص منه من الجرح سوى العقل ، وعنه إن حلف ضرب مائة وحبس سنة ، أو نكل حبس حتى يحلف ولا دية فيه ، قال : وهو الصواب . والقول الثاني : لا يرد عليه ; لأن يمينه غموس ، وعلى هذا إذا أقر لم يقتل ، قاله أشهب . وإن نكل بعض ولاة الدم وهو سواء في التعدد . فثلاثة أقوال : قال ابن القاسم : يبطل الدم والدية ، وليس لمن بقي أن يقسم لأن الدم لا يتوزع ، وقال أشهب : لمن بقي أن يحلف ويأخذ حظه من الدية لإمكان توزيعها ، وقال ابن نافع : إن حلف عفونا ، قال أشهب : أو توزعا حلف الباقون وقتلوا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قيل : يجبر كسر اليمين على من عليه أكثرها ، وقيل : على من عليه أكثر الأيمان ، فإن كانوا زوجات وبنات وأخوات ، فإذا قسمت الأيمان عليهن جبر الكسر على الأخوات ; لأن حظهن منها أكثر ، وعلى البنات ; لأن أيمانهن أكثر عند أشهب . وعن ابن كنانة : لا يجبر الإمام عليها أحدا ، بل لا يعطوا حتى يحلفوا بقية الأيمان .

                                                                                                                [ ص: 310 ] فرع

                                                                                                                قال : فإن نكلوا في الخطأ فخمسة أقوال : ترد على العاقلة فيحلفون كلهم ، وإن كانوا عشرة آلاف والقاتل واحد منهم فلا يلزم الحالف شيء ، ويلزم الناكل ما عليه ، قاله ابن القاسم ، وهو أبين الأقاويل ; لأنه قاعدة النكول ، ويحلف من العاقلة خمسون رجلا يمينا وتسقط الدية ، فإن حلف بعضهم برئ ، ولزم بقية العاقلة الدية كاملة حتى يتموا خمسين يمينا ، قاله ابن القاسم . والثالث : إن نكلوا فلا حق لهم ، أو بعضهم فلا حق للناكل ، ولا يمين على العاقلة ; لأن الدية لم تجب عليهم بعد قاله عبد الملك . والرابع : يرد على المدعى عليه وحده إن حلف وإلا لم يلزم العاقلة شيء ; لأنها لا تحمل الإقرار قاله مالك . الخامس : يرد على العاقلة ; إن حلفت برئت أو نكلت غرمت نصف الدية قاله ربيعة ، وقضى به عمر رضي الله عنه على السعدين .

                                                                                                                تنبيه : في المنتقى : لا يحلف من جهة المقتول في العمد إلا اثنان ، ومن جهة القاتل واحد ، وهو القاتل . والفرق : أن جهة المقتول إذا تعذرت بعدم اثنين فلهم ما يرجع إليه وهو جهة القاتل ، وإذا لم يقبل من القاتل عند عدم الأولياء لم يجد ما يرجع إليه في براءته منه ، وكانت الأيمان في الرد خمسين ; لأنها غير مردودة ، وكانت الأيمان في الرد خمسين ; لأنها رددت في الجهتين كاللعان . قال مالك : ليس لولاة القاتل كانوا واحدا أو جماعة إلا الاستعانة بأولياء المقتول ، لأنهم يبرئون أنفسهم ، وخالفه أصبغ ، وإذا اقتصر على القاتل وحده حلف خمسين يمينا ، والفرق بين الأيمان والحالفين : أن الضرورة تدعو للاقتصار عليه كما تقدم ، ولا ضرورة في الأيمان ولا يكمل بعض الورثة عن بعض ( شيئا كما [ ص: 311 ] يكملها بعض العصبة عن بعض في العمد ) ; لأنه مال لا يحتمل أحد فيه اليمين عن غيره .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في النوادر : قال مالك : إذا اتهم جماعة فلا بد من حلف كل واحد يدفع عن نفسه ، ولعله لو أقسم الأولياء أقسموا عليه ، ولكل واحد الاستعانة بعصبته حتى ينوب كل واحد يمين ، فإن كانوا من فخذ واحد ، فلمعين هذا أن يعين ذلك ، أو من أفخاذ فلا يستعين أحد بغير عصبته وليس لمعين إذا كانوا عصبة واحدة أن يجمعوا فيه ، فيقولون : ما قتله فلان ولا فلان ، ويستعين المتهم بالمتهم الآخر مع العصبة ; لأنه عصبة له .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال مالك : يحلف من بأعراض المدينة إليها في القسامة ، فإن كانت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم حلفوا عند المنبر بعد الصلاة ، وفي غيرها في الجوامع يحلفون قياما على رءوس الناس فيقسم بالله الذي أحيى وأمات ، والذي أخذ به ابن القاسم : والله الذي لا إله إلا هو ، فقط . وزاد المغيرة : ( الرحمن الرحيم ) . قال أشهب : إن قال : والله الذي لا إله إلا هو ، أو والله فقط ; لم يقبل حتى يقول : والله الذي لا إله إلا هو لهو ضربه ، ومن ضربه مات ، وإن قالوا : لهو قتله ، ولم يذكروا الضرب ، وهو مضروب ، جاز ، وقال عبد الملك : يقول : والله الذي لا 312 [ ص: 312 ] إله إلا هو عالم الغيب والشهادة لقد مات من الضرب الذي شهد عليه فلان وفلان ، إن فلانا ضربه إياه ، والنظر في التغليظ في اليمين إلى قوله عليه السلام : ( من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ) وكان عليه السلام يحلف بما قاله مالك ، أو ينظر إلى عظم الدماء ، والقياس على التغليظ بالمكان والحلف على البت لا على العلم . وعن أشهب : يحلف الصغير إذا كبر على البت بناء على الشهادة ، قياسا على الحلف في الدين بناء على الشهادة ، ( يحلف على البت ) وهاهنا أولى لحرمة الدماء . قال صاحب القبس : يكفي الظن في الأيمان مستندا في الحلف على البت ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض الأيمان على من لم ير القتل من الحارثيين .

                                                                                                                تنبيه : وافقنا في تقديم المدعين ( ش ) وأحمد ، وخالفنا ( ح ) فقال : يقدم المدعى عليهم . لنا : حديث ابن سهل ; احتجوا بقوله عليه السلام : ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ) رواه مسلم وغيره ، وفي أبي داود ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ باليهود قال : يحلف منكم خمسون رجلا فأبوا ، فقال للأنصار : أتحلفون ؟ قالوا : نحلف على الغيب ؟ ) وقياسا على سائر الدعاوي .

                                                                                                                والجواب عن الأول : من وجوه أحدها : أن في بعض طرقه : إلا في القسامة . وثانيها : أنا نقول بموجبه ، فإن المدعي هو من كانت دعواه على خلاف الظاهر بلوث أو غيره . وثالثها : أن حديث ابن سهل أخص من هذا الحديث ، والخاص يقدم على العام .

                                                                                                                [ ص: 313 ] وعن الثاني : أن روايتنا أثبت سندا فتقدم .

                                                                                                                وعن الثالث : أن هذا القياس ينقلب عليكم ، فإن سائر الدعاوي إنما يحلف من رجح ببر أو شاهد أو غير ذلك ، وهذا رجح جانبه باللوث أو غيره ; فيحلف كسائر الدعاوي .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية