الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 73 ] باب الوصية بالأنصباء والأجزاء إذا أوصى له بمثل نصيب وارث معين ، فله مثل نصيبه مضموما إلى المسألة ، فأوصى له بمثل نصيب ابنه ، وله ابنتان ، فله الثلث ، وإن كانوا ثلاثة ، فله الربع ، فإن كان معهم بنت ، فله التسعان وإن وصى له بنصيب ابنه ، فكذلك في الوجهين ، والثاني : لا تصح ، وإن وصى بضعف نصيبه أو بضعفيه ، فله مثله مرتين ، وإن وصى بثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله ، هذا هو الصحيح عندي ، وقال أصحابنا : ضعفاه ثلاثة أمثاله ، وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله ، كلما زاد ضعفا ، زاد مرة واحدة ، وإن وصى بمثل نصيب أحد ورثته ، ولم يسمه كان له مثل ما لأقلهم نصيبا ، فلو كانوا ابنا وأربع زوجات ، وجبت من اثنين وثلاثين ، لكل امرأة سهم ، وللوصي سهم يزاد عليها ، فتصير من ثلاثة وثلاثين ، وإن وصى له بمثل نصيب وارث لو كان ، فله مثل ماله لو كانت الوصية ، وهو موجود ، فإذا كان الوارث أربعة بنين فللوصي السدس ، ولو كانوا ثلاثة ، فله الخمس ، ولو كانوا أربعة فأوصى بمثل نصيب خامس لو كان إلا مثل نصيب سادس لو كان ، فقد أوصى بالخمس إلا السدس بعد الوصية ، فيكون له سهم يزاد على ثلاثين سهما ، وتصح من اثنين وستين ، له منها سهمان ، ولكل ابن خمسة عشر .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب الوصية بالأنصباء والأجزاء .

                                                                                                                          الأنصباء جمع نصيب ، كصديق وأصدقاء ، والأجزاء جمع جزء ، والفرق بينهما ظاهر ( إذا أوصى له بمثل نصيب وارث معين ، فله مثل نصيبه ) من غير زيادة ، ولا نقصان ( مضموما إلى المسألة ) أي : يؤخذ مثل نصيب المعين ، ويزاد على ما تصح منه مسألة الورثة في قول أكثر العلماء ، وقال مالك ، وزفر : لا يعطى مثل نصيب المعين أو مثل نصيب أحدهم ، إن كانوا يتساوون في أصل المسألة غير مزيد ، ويقسم الباقي بين الورثة إلا أن نصيب الوارث قبل الوصية من أصل المال ، فلو وصى بمثل نصيب ابنه ، وله ابن ، فالوصية بجميع المال ، وإن كانوا اثنان فالوصية بالنصف ، ثم قال مالك : وإن كانوا يتفاضلون نظرا إلى عدد رءوسهم ، فأعطي سهما من عددهم ; لأنه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضلهم ، وأجيب بأنه جعل وارثه أصلا وقاعدة ، حمل عليه نصيب الموصى له ، وجعل مثلا له ، وهذا يقتضي مساواتهما ، فلو أعطي من أصل المال لم يعط مثل نصيبه ، ولا حصلت التسوية ( فإن وصى بمثل نصيب ابنه ، وله ابنان ، فله الثلث ) لأن ذلك مثل ما يحصل لابنه ; لأن الثلث إذا خرج بقي ثلثا المال ، لكل ابن ثلث ( وإن كانوا ثلاثة ، فله الربع ) لما ذكرنا ( فإن كان معهم بنت ، فله التسعان ) لأن المسألة من سبعة لكل ابن سهمان ، وللأنثى سهم ، ويزاد عليها مثل نصيب ابن ، فتصير تسعة ، فالابنان منها تسعان ، وعلم منه أنه لا بد أن يكون الموصى له بمثل نصيبه وارثا ، فلو كان رقيقا ، أو قاتلا ، أو مخالفا [ ص: 74 ] لدينه ، أو محجوبا ، لم يصح ، وفي الفصول احتمال ( وإن وصى له بنصيب ابنه فكذلك في أحد الوجهين ) هذا هو المذهب ، وقاله أهل المدينة ، والبصرة ، والكوفة ; لأنه أمكن تصحيح كلامه بحمله على مجازه ، فصح كالطلاق والعتق بالكتابة ، ولأنه أوصى بجميع ماله صح مع تضمنه الوصية بنصيب ورثته كلهم ( والثاني : لا يصح ) ذكره القاضي ; لأنه أوصى بما هو حق للابن ، كما لو قال بدار ابني ، أو ما يأخذه من وارثه ، وإنما يصح في التولية نحو : بعتكه بما اشتريته للعرف ، قال في الفروع : فيتوجه الخلاف في : بعتكه بما باع به فلان عبده ، ويعلمانه ، فقالوا : يصح ، وظاهره يصح البيع ، ولو كان الثمن عرضا .

                                                                                                                          ( وإن وصى بضعف نصيب ابنه ، أو بضعفيه ، فله مثله مرتين ، وإن وصى بثلاثة أضعافه ، فله ثلاثة أمثاله ، هذا هو الصحيح عندي ) وهو قول أبي عبيد ، والجوهري ، لقوله تعالى إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات [ الإسراء 75 ] ، وقوله تعالى فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا [ سبأ : 37 ] ، وقد صح أن عمر أضعف الزكاة على نصارى بني تغلب ، فكان يأخذ من المائتين عشرة ، فدل ما ذكرنا أن الضعف مثلان ، قال الأزهري : الضعف المثل ، فما فوقه ، فأما قوله : إن الضعفين المثلان ، فقد روى ابن الأنباري عن هشام بن معاوية النحوي ، قال : العرب تتكلم الضعف مثنى ، فتقول : إن أعطيتني درهما فلك ضعفاه ، أي : مثلاه ، وإفراده لا بأس به ; لأن التثنية أحسن ، يعني أن المفرد والمثنى هنا بمعنى واحد ، وكلاهما يراد به المثلان ، وإذا استعملوه على هذا الوجه وجب اتباعهم فيه ، وإن خالفنا القياس ( وقال أصحابنا ) وهو المذهب : ( ضعفاه ثلاثة [ ص: 75 ] أمثاله ، وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله ) وهو قول أبي عبيدة معمر بن المثنى ( كلما زاد ضعفا زاد مرة واحدة ) لأن الزيادة لا بد لها من أثر ، وأقل الأعداد المرة ، وأجاب في المغني ، والشرح عن ذلك بقوله تعالى فآتت أكلها ضعفين [ البقرة 263 ] قال عكرمة : تحمل في كل عام مرتين ، وأنه لا خلاف بين المفسرين في قوله تعالى يضاعف لها العذاب ضعفين [ الأحزاب 30 ] أن المراد مرتين ، وقد دل عليه قوله تعالى نؤتها أجرها مرتين ومحال أن تجعل أجرها على العمل الصالح مرتين ، وعذابها على الفاحشة ثلاث مرات ، فإن الله تعالى إنما يريد تضعيف الحسنات على السيئات ، هذا هو المعهود من فضله وكرمه ، وقول أبي عبيدة خالفه غيره ، قال ابن عرفة : لا أحب قوله ، ورده بالآية الكريمة ، وحينئذ الضعف محال وفاق ( وإن وصى بمثل نصيب أحد ورثته ، ولم يسمه ، كان له مثل ما لأقلهم نصيبا ) في قول أكثر العلماء ; لأنه اليقين ، وما زاد مشكوك فيه ، ولو خصه به ، فهو له كما لو أطلق ، وكان تأكيدا ( فلو كانوا ابنا وأربع زوجات ، صحت من اثنين وثلاثين ) لأن أصل المسألة من ثمانية للزوجات سهم لا يصح عليهن ، ولا يوافق ، فاضرب عددهن في ثمانية ، تبلغ اثنين وثلاثين ( لكل امرأة سهم ) وللابن ثمانية وعشرون ( وللوصي سهم يزاد عليها ، فتصير من ثلاثة وثلاثين ) ولو وصى بمثل نصيب ولده ، وله ابن وبنت ، فله مثل نصيب البنت ، نص عليه ، ولو وصى بمثل أكثرهم ، أو أعظمهم نصيبا ، فله ذلك مضافا إلى المسألة ، فيكون له في مسألة المؤلف ثمانية وعشرون ، فتصير ستين سهما .



                                                                                                                          ( وإن وصى له بمثل نصيب وارث لو كان ، فله مثل ماله لو كانت الوصية ، وهو [ ص: 76 ] موجود ) أي : يقدر الوارث موجودا ، وانظر ما للموصى له مع وجوده ، فهو له مع عدمه ، وطريقه أن تنظر : كم تصح مسألتهم مع عدم الوارث ، ثم كم تصح مع وجوده ، ثم تضرب إحداهما في الأخرى ، ثم تقسم ما ارتفع على مسألة الوجود ، فما خرج بالقسمة أضفته إلى ما ارتفع من الضرب ، وهو للموصى له ، واقسم ما ارتفع بين الورثة ( فإذا كان الوارث أربعة بنين ، فللوصي السدس ) لأن المسألة مع عدم الخامس المقدر وجوده من أربعة ، ومع وجوده من خمسة ، فتضرب إحداهما في الأخرى ، تكن عشرين تقسمها على خمسة يخرج لكل سهم أربعة ، فتضيفها إلى العشرين فتصير أربعة وعشرين ، للموصى له أربعة ، وهي السدس ، ولكل ابن خمسة ، وهي ثمن ونصف سدس ( ولو كانوا ثلاثة فله الخمس ) ولو كانوا اثنين ، فله الربع ، لما ذكرناه ، فلو خلفت امرأة زوجا وأختا ، وأوصت بمثل نصيب خامس لو كان ، فللموصى له الخمس ; لأن للأم الربع لو كانت ، فتجعل له سهما يضاف إلى أربعة يكن خمسا ( ولو كانوا أربعة فأوصى بمثل نصيب خامس لو كان الأمثل نصيب سادس لو كان فقد أوصى له بالخمس إلا السدس بعد الوصية ) لأنه استثنى السدس من الخمس ، وطريقها : أن تضرب إحداهما في الأخرى ، تكن ثلاثين ، خمسها ستة ، وسدسها خمسة ، فإذا استثنيت الخمسة من الستة بقي سهم للموصى له ، فرده على الثلاثين ، وهو المراد بقوله ( فيكون له سهم يزاد على الثلاثين سهما ) فتصير أحدا وثلاثين ، أعط الموصى له سهما يبقى ثلاثون على أربعة ، لا تنقسم ، وتوافق بالنصف ، فردها إلى خمسة عشر ، واضربها في أربعة تكن ستين ، رد عليها سهمين للموصى له ، وهو المراد بقوله ( وتصح من اثنين وستين ، له [ ص: 77 ] منها سهمان ، ولكل ابن خمسة عشر ) وبالجبر تجعل المال أربعة ، وشيئا تدفعه إلى الموصى له يبقى أربعة تقسمها على خمسة ، يخرج أربعة أخماس ، وتقسمها على ستة ، يخرج ثلثان ، فتسقط الثلثان من أربعة الأخماس يبقى سهمان من خمسة عشر ، ثم تضرب الأربعة في الخمسة عشر ; لأنها مخرج الثلث والخمس ، تكن ستين ، تزيد عليها السهمين للموصى له ، فقد حصل له خمس الستين إلا سدسها ، فخمسها اثنا عشر ، وسدسها عشرة ، وفي بعض النسخ المقروءة على المؤلف : ولو كانوا أربعة ، فأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا مثل نصيب ابن خامس لو كان ، فقد أوصى بالخمس إلا السدس بعد الوصية ، وهذه هي الصحيحة المعتمدة في المذهب الموافقة لطريقة الأصحاب ، وعلى ما ذكره هنا هي مشكلة على طريقة الأصحاب ، ولكن معناها لأبي الخطاب ، والمجد ، وابن حمدان ، وأجاب الحارثي عنها بأن قولهم : أوصى له بالخمس إلا السدس ، صحيح باعتبار أن له نصيب الخامس المقدر غير مضموم ، وأن النصيب هو المستثنى ، انتهى . وقال الناظم : وقرئ عليه في نسخة أخرى ، وصى بمثل نصيب أحدهم إلا مثل نصيب ابن سادس ، لو كان ، فعلى هذا يصح أنه أوصى له بالخمس إلا السدس .

                                                                                                                          فرع : إذا خلف بنتا واحدة ، ووصى بمثل نصيبها ، فهو كما وصى بنصيب ابن عندنا ; لأنها تستوعب المال بالفرض والرد ، وعند من لا يرى الرد يقتضي أن يكون له الثلث ، ولها نصف الباقي ، والفاضل لبيت المال ، فإن خلف أختين ، ووصى بمثل نصيب إحداهما ، فهي من ثلثه ، وعند من لا يرى الرد من أربعة مقسومة بينهم ، فلو خلف له ثلاثة بنين ، ووصى لثلاثة بمثل أنصبائهم ، فالمال بينهم على ستة مع الإجازة ، وفي الرد على تسعة للموصى له ثلاثة ، والباقي لهم .




                                                                                                                          الخدمات العلمية