الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وإحصان الرجم أن يكون حرا عاقلا بالغا مسلما قد تزوج امرأة نكاحا صحيحة ، ودخل بها وهما على صفة الإحصان ) فالعقل والبلوغ شرط لأهلية العقوبة ، إذ لا خطاب دونهما وما وراءهما يشترط لتكامل الجناية بواسطة تكامل النعمة ، إذ كفران النعمة يتغلظ عند تكثرها ، وهذه الأشياء من جلائل النعم ، وقد شرع الرجم بالزنا عند استجماعها فيناط به ، بخلاف الشرف والعلم من النعم ، لأن الشرع ما ورد باعتبارهما ونصب الشرع بالرأي متعذر ، ولأن الحرية ممكنة من النكاح الصحيح ، والنكاح الصحيح ممكن من الوطء الحلال ، والإصابة شبع بالحلال ، والإسلام يمكنه من نكاح المسلمة ، ويؤكد اعتقاد الحرمة فيكون الكل مزجرة عن الزنا ، والجناية بعد توفر الزواجر أغلظ ، والشافعي رحمه الله يخالفنا في اشتراط الإسلام ، كذا أبو يوسف رحمه الله في رواية لهما ما روي " { أن النبي عليه الصلاة والسلام رجم يهوديين ، قد زنيا }.

                                                                                                        [ ص: 121 ] قلنا : كان ذلك بحكم التوراة ثم نسخ ، يؤيده قوله عليه الصلاة والسلام : " { من أشرك بالله فليس بمحصن }والمعتبر في الدخول الإيلاج في القبل على وجه يوجب الغسل .

                                                                                                        وشرط صفة الإحصان فيهما عند الدخول حتى لو دخل بالمنكوحة الكافرة أو المملوكة أو المجنونة أو الصبية لا يكون محصنا ، وكذا إذا كان الزوج موصوفا بإحدى هذه الصفات ، وهي حرة مسلمة عاقلة بالغة ، لأن النعمة بذلك لا تتكامل إذ الطبع ينفر من صحبة المجنونة ، وقلما يرغب في الصبية لقلة رغبتها فيه وفي المنكوحة المملوكة حذرا عن رق الولد ولا ائتلاف مع الاختلاف في الدين ، [ ص: 122 ] وأبو يوسف رحمه الله يخالفهما في الكافرة والحجة عليه ما ذكرناه ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " { لا يحصن المسلم لليهودية ولا النصرانية ولا الحر الأمة ولا الحرة العبد } .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السابع عشر :

                                                                                                        روي أن { النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا }قلت : أخرجه الأئمة الستة عن ابن عمر مختصرا ، ومطولا ، { أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تجدون في التوراة في شأن الزنا ؟ فقالوا : نفضحهم ويجلدون ، فقال عبد الله بن سلام : كذبتم ، إن فيها الرجم ، فأتوا بالتوراة ، فنشروها ، فجعل أحدهم يده على آية الرجم ، ثم جعل يقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك ، فرفعها فإذا فيها آية الرجم ، فقالوا : صدق يا محمد ، [ ص: 121 ] فيها آية الرجم ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما }انتهى .

                                                                                                        وعند أبي داود من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري سمعت رجلا من مزينة يحدث عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : { زنى رجل وامرأة من اليهود ، وقد أحصنا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد كان الرجم مكتوبا عليهم في التوراة } ، الحديث .

                                                                                                        وفيه رجل مجهول ، وهو عند ابن حبان في " صحيحه " في حديث ابن عمر أن { النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين قد أحصنا }انتهى .

                                                                                                        وعنده فيه أيضا : { فوضع ابن صورياء الأعور يده على آية الرجم }.

                                                                                                        الحديث الثامن عشر : قال عليه السلام : { من أشرك بالله فليس بمحصن }قلت : رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا عبد العزيز بن محمد ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أشرك بالله فليس بمحصن ، }انتهى .

                                                                                                        قال إسحاق : رفعه مرة ، فقال : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقفه مرة انتهى .

                                                                                                        ومن طريق إسحاق بن راهويه رواه الدارقطني في " سننه " ، ثم قال : لم يرفعه غير إسحاق ، ويقال : إنه رجع عن ذلك ، والصواب موقوف انتهى .

                                                                                                        وهذا لفظ إسحاق بن راهويه في " مسنده " ، كما تراه ، ليس فيه رجوع ، وإنما أحال التردد على الراوي في رفعه ووقفه ، والله أعلم .

                                                                                                        طريق آخر :

                                                                                                        أخرجه الدارقطني أيضا عن عفيف بن سالم ثنا سفيان الثوري عن موسى [ ص: 122 ] بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يحصن الشرك بالله شيئا }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : وهم عفيف في رفعه ، والصواب موقوف من قول ابن عمر انتهى .

                                                                                                        قال ابن قطان في " كتابه " : وعفيف بن سالم الموصلي ثقة ، قاله ابن معين ، وأبو حاتم وإذا رفعه الثقة لم يضره وقف من وقفه ، وإنما علته أنه من رواية أحمد بن أبي نافع عن عفيف المذكور ، وهو أبو سلمة الموصلي ، ولم تثبت عدالته ، قال ابن عدي : سمعت أحمد بن علي بن المثنى يقول : لم يكن موضعا للحديث ، وذكر له فيما ذكر هذا الحديث ، قال : هو منكر من حديث الثوري انتهى .

                                                                                                        وقال الدارقطني في " كتاب العلل " : هذا حديث يرويه موسى بن عقبة ، واختلف عنه ، فرواه عفيف بن سالم عن الثوري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وخالفه أبو أحمد الزبيري .

                                                                                                        فرواه عن الثوري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر موقوفا ، وهو أصح وروي عن إسحاق بن راهويه عن الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، والصحيح موقوف انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي في " المعرفة " : وكان المراد بالإحصان في هذا الحديث إحصان القذف ، وإلا فابن عمر هو الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديين زنيا ، وهو لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ، انتهى ، والله أعلم .

                                                                                                        الحديث التاسع عشر : قال عليه السلام : { لا يحصن المسلم اليهودية ، ولا النصرانية ، ولا الحر الأمة ، ولا الحرة العبد }قلت : غريب ، روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " ، ومن طريقه الطبراني في " معجمه " ، والدارقطني في " سننه " ، وابن عدي في " الكامل " من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن علي بن أبي طلحة عن { كعب بن مالك أنه أراد أن يتزوج يهودية ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لا تتزوجها ، فإنها لا تحصنك }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف ، وعلي بن أبي طلحة لم يدرك كعبا انتهى .

                                                                                                        وقال ابن عدي : أبو بكر بن أبي مريم بكير الغساني ، الغالب على حديثه الغرائب ، قل ما يوافقه عليها الثقات ، وهو ممن لا يحتج بحديثه ، وتكتب أحاديثه ، فإنها صالحة انتهى .

                                                                                                        [ ص: 123 ] وأخرجه أبو داود في " المراسيل " عن بقية بن الوليد عن عتبة بن تميم عن علي بن أبي طلحة عن كعب بن مالك به ، فذكره ، قال ابن القطان في " كتابه " : هذا حديث ضعيف ومنقطع ، فانقطاعه فيما بين علي بن أبي طلحة ، وكعب بن مالك ، وضعفه من جهة عتبة بن تميم ، فإنه ممن لا يعرف حاله ، وقد رواه عنه بقية ، وهو ممن عرف ضعفه ، ولا يعلم روى عن عتبة بن تميم إلا بقية ، وإسماعيل انتهى .

                                                                                                        قال في " التنقيح " : وعتبة وثقه ابن حبان انتهى .

                                                                                                        وقال عبد الحق في " أحكامه " : لا أعلم أحدا رواه عن علي بن أبي طلحة غير عتبة بن تميم ، وأبي بكر بن أبي مريم ، وهو ضعيف الإسناد ، منقطع انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي في " المعرفة " : هذا حديث يرويه أبو بكر بن أبي مريم ، وهو ضعيف عن علي بن أبي طلحة عن كعب ، وهو منقطع ، فإن علي بن أبي طلحة لم يدرك كعبا ، قال الدارقطني : فيما أخبرني عنه أبو عبد الرحمن السلمي ، ورواه بقية بن الوليد عن عتبة بن تميم عن علي بن أبي طلحة عن كعب ، وهو أيضا منقطع انتهى .

                                                                                                        وأخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن الحسن أنه كان يقول : لا يحصن الأمة الحر ، ولا العبد الحرة انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية