الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ الحكمة في حد الزنا وتنويعه ]

وأما الزاني فإنه يزني بجميع بدنه ، والتلذذ بقضاء شهوته يعم البدن ، والغالب من فعله وقوعه برضا المزني بها ، فهو غير خائف ما يخافه السارق من الطلب ، فعوقب بما يعم بدنه من الجلد مرة والقتل بالحجارة مرة ; ولما كان الزنا من أمهات الجرائم وكبائر المعاصي لما فيه من اختلاف الأنساب الذي يبطل معه التعارف والتناصر على إحياء الدين ، وفي هذا هلاك الحرث والنسل فشاكل في معانيه أو في أكثرها القتل الذي فيه هلاك ذلك ، [ ص: 83 ] فزجر عنه بالقصاص ليرتدع عن مثل فعله من يهم به ، فيعود ذلك بعمارة الدنيا وصلاح العالم الموصل إلى إقامة العبادات الموصلة إلى نعيم الآخرة .

ثم إن للزاني حالتين ; إحداهما : أن يكون محصنا قد تزوج ، فعلم ما يقع به من العفاف عن الفروج المحرمة ، واستغنى به عنها ، وأحرز نفسه عن التعرض لحد الزنا ، فزال عذره من جميع الوجوه في تخطي ذلك إلى مواقعة الحرام .

والثانية : أن يكون بكرا ، لم يعلم ما علمه المحصن ولا عمل ما عمله ; فحمل له من العذر بعض ما أوجب له التخفيف ; فحقن دمه ، وزجر بإيلام جميع بدنه بأعلى أنواع الجلد ردعا عن المعاودة للاستمتاع بالحرام ، وبعثا له على القنع بما رزقه الله من الحلال .

وهذا في غاية الحكمة والمصلحة ، جامع للتخفيف في موضعه والتغليظ في موضعه .

وأين هذا من قطع لسان الشاتم والقاذف وما فيه من الإسراف والعدوان ؟ ثم إن قطع فرج الزاني فيه من تعطيل النسل ، وقطعه عكس مقصود الرب تعالى من تكثير الذرية وذريتهم فيما جعل لهم من أزواجهم ، وفيه من المفاسد أضعاف ما يتوهم فيه من مصلحة الزجر ، وفيه إخلاء جميع البدن من العقوبة ، وقد حصلت جريمة الزنا بجميع أجزائه ; فكان من العدل أن تعمه العقوبة ، ثم إنه غير متصور في حق المرأة ، وكلاهما زان ; فلا بد أن يستويا في العقوبة ، فكان شرع الله سبحانه أكمل من اقتراح المقترحين .

التالي السابق


الخدمات العلمية