الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) : يدخل في قول المصنف إن لم يعلم به ما إذا علم أنهم لا يمنعونه ، أو ظن ذلك ، أو شك فيه ، أو توهم ذلك ، ثم منعوه أما إذا علم أنهم لا يمنعونه ، فلا كلام ، وأما إذا ظن فحكمه حكم العلم كما صرح به المصنف في مناسكه ونصه : موانع الحج ستة ( الأول ) : العدو والفتن وهو مبيح للتحلل ونحر الهدي حيث كان إذا طرأ ذلك بعد الإحرام ، أو كان قبله ، ولم يعلم ، أو ظن أنهم لا يصدونه انتهى .

                                                                                                                            . فأحرى إذا كان أولا عالما بأنهم لا يمنعونه ، ثم قال : وأما إن علم منعهم له ، فلا يجوز له الإحلال نقله ابن المواز عن مالك ، ونص عليه اللخمي وغيره وقاله ابن القاسم انتهى .

                                                                                                                            وأما إذا شك في منعهم إياه ، فلا يجوز له فنقل في التوضيح والمناسك عن اللخمي أنه لا يحل إلا أن يشترط الإحلال ، ونصه : قال اللخمي : وإن شك في منعهم له أن يحل إلا أن يشترط الإحلال ، ثم قال خليل : وظاهر المذهب أن شرط الإحلال لا يفيد انتهى [ ص: 197 ] وبهذا جزم المصنف فيما يأتي فقال : ولا يعيد لمرض ، أو غيره نية التحلل بحصوله ونقله في التوضيح عن المازري وعياض وإذا كان لا يتحلل إذا أحرم مع الشك فأحرى مع الوهم ( الثاني ) : إذا أحرم هذا في وقت يدرك فيه الحج قال سند : فإن أحصر بعد ما أحرم ، وكان لا يمكنه الحج ، وإن لم يكن حصر لم يتحلل قال ابن القاسم في الموازية : وإن أحرم من بلد بعيد ، ثم جاء عليه من الوقت ما لا يدرك ، فليثبت هذا حراما حتى يحج من قابل ، فإن حصره عدو ، ولم يمنعه بقي على إحرامه إلى قابل ; لأن العدو ليس الذي منعه من الحج انتهى . ونقله اللخمي وزاد إلا أن يصير إلى وقت إن خلي لم يدرك الحج عاما قابلا انتهى .

                                                                                                                            ( الثالث ) : قال سند : قال ابن القاسم في الموازية فيمن أحصر بعد وقبل أن يحرم ثم أحرم ، وفاته الحج لطول سفر ، أو غيره قال : أحسب هذا لا يحله إلا البيت ; لأنه أحرم بعد أن تبين له المنع انتهى .

                                                                                                                            ص ( قبل فوته )

                                                                                                                            ش : يحتمل أن يتعلق بقوله فله التحلل ويكون قد أشار به إلى مخالفة قول أشهب ; لأنه لا يحل إلا يوم النحر ويحتمل أن يتعلق بقوله وأيس من زواله والأول ، أولى لإفادته ما ذكر ، وأما الثاني ، فظاهر ; لأن المعنى أيس من زوال العذر قبل فوات الحج وظاهر كلامه أنه يحل إذا أيس من زوال العدو قبل فوات الحج ولو بقي من الوقت ما لو زال العذر لأدرك فيه الحج ، وهذا ظاهر أول كلام المدونة قال في التوضيح : واعلم أنه وقع في المدونة موضعان الأول إذا أيس أن يصل إلى البيت ، فيحل بموضعه حيث كان قال في التوضيح : وقال في موضع آخر : لا يكون محصرا حتى يفوته الحج ويصير إن خلي لم يدرك الحج فيما بقي من الأيام ، فذهب ابن يونس إلى أن الأول راجع للثاني قال : وقاله بعض شيوخنا وقال غيره : بل ذلك اختلاف قول ابن يونس والأول أبين انتهى كلام التوضيح . وهذا الذي اختاره ابن يونس اختاره صاحب الطراز ، فإنه قال : قال اللخمي : مذهب ابن القاسم أنه إذا كان على إياس من انكشافه حل مكانه قال صاحب الطراز : والذي قاله اللخمي ليس بمذهب لابن القاسم ، ولا يحل عنده حتى يكون في زمان يخشى فيه فوات الحج ، وقال : إن كلامه الثاني يفسر الأول إذا علم أن هذا هو الراجح ، فينبغي أن يحمل كلام المصنف عليه ، فيكون معنى قوله ، وأيس من زواله قبل فوته أنه لم يبق بينه وبين ليلة النحر زمان يمكنه فيه السير ولو زال العذر والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال في الطراز فيمن أحصر فلما بلغ أن يحل انكشف العدو قبل أن يحلق وينحر : فله أن يحل ويحلق مثل ما لو كان العدو قائما ، وهذا إنما يكون إذا فاته إدراك الحج في عامه ، وهو أيضا على بعد من مكة فإن لم يفته ، فلا يحل ، ولو قيل لا يحل إذا وجد السبيل إلى البيت ; لأنه قادر على الخروج من إحرامه بكمال فعله أما فعل الحج ، أو فعل العمرة إن عجز عن الحج لكان له وجه ، وإذا ضاق الوقت عن إدراك الحج إلا أنه بقرب مكة لم يحل إلا بعمل عمرة ; لأنه قادر على الطواف والسعي من غير كبير مضرة ، فإن كان الحصر في العمرة ، فهاهنا ينبغي أن لا يتحلل ; لأنه قادر على فعل العمرة كما لو انكشف العدو في الحج ، والوقت متسع انتهى مختصرا . ونحوه للخمي ( تنبيه ) : قال سند : وأما حد ما يؤخر إليه في العمرة قال ابن القاسم في الموازية : يحل ، وإن كان لا يخشى فيها فوتا وقال ابن الماجشون : يقيم إن رجا إدراكها لفوره بما لا ضرر فيه على الصبر عليه ، فإن لم يرجه إلا في طول فليحلل ، وهذا موافق لابن القاسم ، ويرجع ذلك لحاله فإن لم يكن عليه كبير ضرر في تربصه ، ولا يفوته العود إلى أهله تربص ، فإن خاف تعذر رجوعه إن تربص تحلل انتهى مختصرا . والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) : فإن قدر على التقرب إلى مكة لم يلزم ذلك ، ويحل بموضعه قاله في الطراز ونقله المصنف في مناسكه عن الباجي ( فرع ) : قال سند : فإذا أحصر ، فلم يتحلل [ ص: 198 ] حتى فاته الحج فقال ابن القاسم : يلزمه حكم الفوات ، وهو قول الشافعي إلا أن عند الشافعي يهدي هديين للفوات وللحصر وعند ابن القاسم يهدي للفوات فقط ، وإنما يتحلل المحصر قبل فوات الحج ، فإن بقي على إحرامه حتى فاته الحج ، فقد وجب عليه القضاء والهدي قبل أن يتحلل للحصر ، ويكون الحصر بعد الفوات لا تأثير له ، فإن أراد التحلل فمنع من مكة كان كالحصر في العمرة ، فيتحلل هذا في غير طواف ، ويقضي الحج لا العمرة ، فتأمله ، وسيأتي أيضا عند قول المصنف وإن حصر عن الإفاضة ما يؤيد ذلك من كلام صاحب الطراز أيضا والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( بنحر هديه وحلقه )

                                                                                                                            ش : ظاهر كلامه أن التحلل إنما يحصل بنحر الهدي والحلاق ، وليس كذلك ; لأن التحلل يحصل بالنية كما قال في الطراز والحلق من سنته كما سيأتي عند قول المصنف ولم يفسد بوطء بل قال في الطراز : لا خلاف أنه لو حلق ، ولم يقصد به التحلل أنه لا يتحلل بذلك ، وكذلك نحر الهدي ، وصرح في الطراز أيضا أن نحر الهدي ليس بشرط في التحلل على قول أشهب القائل بوجوب الهدي على المحصر ، فأحرى على المشهور القائل بعدم وجوبه على المحصر ، وفي الشامل وكفت نية التحلل على المشهور .

                                                                                                                            ( تنبيه ) : وينحر هديه حيث كان من حل ، أو حرم لكن قال في الطراز : إن قدر على إرساله إلى مكة فعل ، ثم قال : فإن كان غير مضمون ، فلا ضمان عليه فيه ، وحكمه في الأكل حكم ما بلغ محله ; لأن ما عطب من هدي التطوع قبل محله ، وأما الهدي المضمون ، فإنه على حكم الحج المضمون ، فإن قلنا إن الفرض سقط عنه أجزأ ، وإن قلنا لا يسقط الفرض ، فكذلك لا يسقط الهدي انتهى . بالمعنى .

                                                                                                                            ص ( ولا دم إن أخره )

                                                                                                                            ش : سواء أخر التحلل ، أو تحلل ، وأخر الحلاق قاله في الطراز .

                                                                                                                            ص ( ولا يلزمه طريق مخوفة )

                                                                                                                            ش : مفهومه أنه إذا لم تكن مخوفة لزمه سلوكها ، وإن كانت طويلة ، وهو كذلك نقله في التوضيح عن ابن الماجشون قال ابن عرفة : وظاهر مساقه في النوادر أنه لابن القاسم ( تنبيه ) : قال في التوضيح : إذا كانت طريق غير مخوفة ، ولو كانت أبعد فليس بمحصور إن بقي من المدة ما يدرك فيه الحج انتهى . فمفهومه أنه لو بقي من المدة ما لا يدرك فيه الحج أنه محصور ، وقال في الطراز : إن كانت له طريق أخرى يمكن الوصول منها لا يخاف منها فليس بمحصور ، وليسلك تلك الطريق طويلة كانت أو قصيرة يخاف فيها الفوات أو لم يخف ، وهو كمن أحرم بالحج من أول ذي الحجة من مصر أو بأقصى المغرب فإنه وإن أيس من إدراك الحج لا يحله إلا البيت لأن له طريقا إلى البيت انتهى . فتأمله مع كلام التوضيح فإن مفهوم كلامه في التوضيح مخالف له ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( وكره إبقاء إحرامه إن قارب مكة أو دخلها )

                                                                                                                            ش : ليس هذا من فروع المحصر ، وإنما هذا في حق من فاته بأحد الوجوه الآتية ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) : فإن بقي على إحرامه أجزاه على المشهور وقال ابن وهب لا يجزيه عن حجة الإسلام ، وعلى المشهور لا هدي عليه وفي العتبية عليه الهدي قاله في التوضيح إما ; لأنه كتأخير أفعال الحج عن وقته ، وإما على سبيل الاحتياط إذ الغالب عدم الوفاء بحق الإحرام مع طول المقام ، ولهذا قال بعضهم : إن الهدي لا يؤكل منه لاحتمال أن يكون أماط أذى .

                                                                                                                            ص ( ولا [ ص: 199 ] يسقط عنه الفرض )

                                                                                                                            ش : قال سند : من حصره العدو بعد ما أحرم ، وهو في حج أو عمرة ، فإن كان في تطوع لم يلزمه قضاء ذلك عند الجمهور ، وإن كان في واجب نظرت ، فإن كان في معين كالنذر المعين ، فلا شيء فيه أيضا ، والنذر المعين في ذلك كالتطوع ; لأنه بعد شروعه يتعين وجوبه ، وإن كان في واجب مضمون كالنذر ، وفي الذمة من غير تعيين أو فريضة الإسلام في الحج فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل : يبقى الوجوب في ذمته وقال ابن الماجشون : يجزئه ، وإنما يستحب له مالك القضاء انتهى . أكثره باللفظ وأما العمرة فإن لم ينذرها أو نذرها نذرا معينا ، فهي كالحج التطوع ، وإن كان نذرا مضمونا ، فهي في ذمته ، فتأمل كلام سند تجده موافقا لذلك ، ويؤيد تقييد فريضة الإسلام بالحج وإطلاقه في الباقي وأما عمرة القضاء ، فقال في التوضيح : إنما سميت عمرة القضاء لمقاضاته عليه السلام والحنفية يقولون : لأنها قضاء انتهى . ولو قلنا بقول الحنفية : أنها قضاء لم يلزمنا محذور ; لأنا نقول : فعله صلى الله عليه وسلم دليل على جواز القضاء ، ونحن لا نمنعه ، وإنما نتكلم في وجوبه ، وليس في الخبر ما يدل عليه ; لأن الذين صدوا معه صلى الله عليه وسلم كانوا ألفا وأربعمائة والذين اعتمروا معه كانوا نفرا يسيرا ، ولم ينقل أنه عليه الصلاة والسلام أمر الباقين بالقضاء ، ولو كان واجبا لبينه لهم ، وأمرهم به قاله سند والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية