الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الخامس : في الصلاة الوسطى فيها تسعة مذاهب ، قال صاحب الطراز : هي الصبح عند مالك والشافعي ، والظهر عند زيد بن ثابت ، والعصر عند أبي حنيفة ، والمغرب عند قبيصة بن ذؤيب قال : وقيل العشاء ، وقيل : الصلوات الخمس ، وقيل : مبهمة في الخمس كما أخفيت ليلة القدر ، وساعة الجمعة قال : ولو قيل إنها الجمعة لاتجه . ونقله المازري عن غيره ونقل عن بعض الأصحاب أنها العصر والصبح ، والوسطى مؤنثة أوسط ، أما من الفضيلة فلقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ( وقال أوسطهم ) أو من التوسط بين صلاتين ، وهو مشترك في سائر الصلوات ، والصبح أحق بالمعنيين ، أما الفضل فلقوله تعالى : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) . وفي الصحيحين تجتمع ملائكة الليل ، وملائكة النهار في صلاة الصبح قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) . وقوله عليه السلام : لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ، دليل [ ص: 32 ] فضلهما ، والصبح أفضلهما ، لما في مسلم عنه عليه السلام : من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله فتكون الصبح أفضل الخمس ; ولأنها أكثر مشقة ، وتأتي في وقت الرغبة عن الصلاة إلى النوم فتكون أقرب للتضييع فيناسب الاهتمام بالحث على حفظها ; لتخصصها بالذكر في الكتاب العزيز فتكون هي المرادة منه وأما التوسط باعتبار الوقت فلأنها منقطعة عما قبلها ، وعما بعدها عن المشاركة بخلاف غيرها ، حجة الظهر توسطها وقت الظهيرة ، وحجة العصر ما في الصحيح من قوله عليه السلام يوم الأحزاب : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا ، أو أنها تأتي في وقت البيع والشراء فتضيع فنبه على المحافظة عليها ، كما قال في الجمعة : ( وذروا البيع ) حجة المغرب : توسط عددها بين الثنائية والرباعية ، وعدم امتداد وقتها وتجسيم الشرع لها وإتمامها في السفر ، حجة العشاء اختصاصها بعدم تعلقها بشيء من النهار ، بخلاف غيرها ولقوله عليه السلام : فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم ، ولأن النوم قد يغلب فيها فتضيع ، حجة الخمس : أنها الأوسط لها لكونها فردا وما لا وسط له إذا أطلق عليه الوسط كان كناية عن جميعه .

                                                                                                                والجواب عن الأول أنها أخف مشقة من سائر الصلوات ; لإتيانها وقت [ ص: 33 ] فترة من الأعمال ، والأجر على قدر النصب فتنحط رتبتها . وعن الثاني أن المتروك يوم الأحزاب ثلاثة : الظهر والعصر والمغرب ، فلعل الإشارة للجميع أو غيرها من الثلاث أو هي ، لكن يكون تفضيلها على ما معها فلا يتناول الصبح .

                                                                                                                وعن الثالث : أنا بينا أن الصبح أفضل بالنص الصريح فلا يدفع بالاستدلال ، وعن الرابع ما تقدم في الثالث ، وعن الخامس أن الكناية لا يعدل إليها إلا عند عدم التصريح وقد وجد كما تقدم ، ولأن الثالث يمكن أن يجعل وسطا للخمسة ; لتأخره عن اثنين وتقدمه على اثنين .

                                                                                                                قاعدة

                                                                                                                الأصل في كثرة الثواب والعقاب وقلتهما : أن يتبعا كثرة المصلحة في الفعل وقلتها ، وكثرة المفسدة وقلتها كتفضيل التصدق بالدينار على الدرهم ، وإحياء الرجل الأفضل أفضل من إحياء المفضول ، وإثم الأذية في الأعراض والنفوس أعظم من الأذية في الأموال وكذلك غالب الشريعة ، وقد يستوي الفعلان في المصلحة والمفسدة من كل وجه ، ويوجب الله سبحانه أحدهما دون الآخر كإيجاب الفاتحة في الصلاة دون غيرها ، مع مساواتها لنفسها وكتكبيرة الإحرام مع غيرها من التكبيرات وأبعد من هذا عن القاعدة تفضيل الأقل مصلحة على الأكثر كتفضيل القصر على الإتمام مع اشتمال الإتمام على مزيد [ ص: 34 ] الخضوع والإجلال وأنواع التقرب ، وكتفضيل الصبح على سائر الصلوات عندنا ، وتفضيل العصر على رأي من قصر القراءة فيها على ما وردت السنة به ، وكتفضيل ركعة الوتر على ركعتي الفجر والله تعالى هو الفاعل المختار يفضل ما شاء على ما شاء ، ومن شاء على من شاء سبحانه وتعالى إليه يرجع الأمر كله .

                                                                                                                السادس في إثبات الأوقات قال صاحب الطراز : إذا حصل الغيم أخر حتى يتيقن الوقت ، ولا يكتفي بالظن بخلاف القبلة والفرق من وجهين أحدهما : أن الوصول إلى اليقين ممكن في الوقت بخلاف القبلة . الثاني : أن القبلة يجوز تركها في الخوف والنافلة بخلاف الوقت ، قال : ويجوز التقليد المأمون كأئمة المساجد ; لأنه لم يزل المسلمون يهرعون للصلاة عند الإقامة من غير اعتبار مقياس ، وكذلك المؤذنون لقوله عليه السلام : المؤذنون أمناء ، وفي الجواهر : من اشتبه عليه الوقت فليجتهد ليغلب على ظنه ، وإن خفي ضوء الشمس استدل بالأوراد ، والأعمال ، وسؤال أربابها ويحتاط ، قال وروى مطرف عن مالك : أن منه الصلاة في الغيم ، وتأخير الظهر ، وتعجيل العصر ، وتأخير المغرب حتى لا يشك في الليل ، وتعجيل العشاء ويتحرى في ذهاب الحمرة ، وتأخير الصبح حتى لا يشك في الفجر .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية