الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : إنما ذكر الله الولدان مبالغة في شرح ظلمهم حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين إرغاما لآبائهم وأمهاتهم ، ومبغضة لهم بمكانهم ، ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالا لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا ، كما وردت السنة بإخراجهم في الاستسقاء ، ثم حكى تعالى عن هؤلاء المستضعفين أنهم كانوا يقولون : ( ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : أجمعوا على أن المراد من هذه القرية الظالم أهلها مكة ، وكون أهلها موصوفين بالظلم يحتمل أن يكون لأنهم كانوا مشركين قال تعالى : ( إن الشرك لظلم عظيم ) [ لقمان : 13 ] وأن يكون لأجل أنهم كانوا يؤذون المسلمين ويوصلون إليهم أنواع المكاره .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : لقائل أن يقول : القرية مؤنثة ، وقوله : ( الظالم أهلها ) صفة للقرية ولذلك خفض ، فكان ينبغي أن يقال : الظالمة أهلها ، وجوابه أن النحويين يسمون مثل هذه الصفة الصفة المشبهة باسم الفاعل ، والأصل في هذا الباب : أنك إذا أدخلت الألف واللام في الأخير أجريته على الأول في تذكيره وتأنيثه ، نحو قولك : مررت بامرأة حسنة الزوج كريمة الأب ، ومررت برجل جميل الجارية ، وإذا لم تدخل الألف واللام في الأخير حملته على الثاني في تذكيره وتأنيثه كقولك : مررت بامرأة كريم أبوها ، ومن هذا قوله تعالى : ( أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) ولو أدخلت الألف واللام على الأهل لقلت من هذه القرية الظالمة الأهل ، وإنما جاز أن يكون الظالم نعتا للقرية لأنه صفة للأهل ، والأهل منتسبون إلى القرية ، وهذا القدر كاف في صحة الوصف كقولك مررت برجل قائم أبوه ، فالقيام للأب وقد جعلته وصفا للرجل ، وإنما كان هذا القدر كافيا في صحة الوصف لأن المقصود من الوصف التخصيص والتمييز ، وهذا المقصود حاصل من مثل هذا الوصف والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : في قوله : ( واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ) قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            فالأول : قال ابن عباس : يريدون اجعل علينا رجلا من المؤمنين يوالينا ويقوم بمصالحنا ويحفظ علينا ديننا وشرعنا ، فأجاب الله تعالى دعاءهم لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما فتح مكة جعل عتاب بن أسيد أميرا لهم ، فكان الولي هو الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكان النصير عتاب بن أسيد ، وكان عتاب ينصف الضعيف من القوي والذليل من العزيز .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : المراد : واجعل لنا من لدنك ولاية ونصرة ، والحاصل كن أنت لنا وليا وناصرا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية