الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                تنبيه : وافقنا ابن حنبل ، وقال ( ح ) و ( ش ) : لعامله النصف . لنا : الحديث المتقدم ، قال مالك : وقال ربيعة : قلت لسعيد بن المسيب : كم في أصبع المرأة ؟ قال : عشر ، قلت : ففي أصبعين ؟ قال : عشرون ، قلت : ففي ثلاث أصابع ، قال : ثلاثون ، قلت : ففي أربع ؟ قال عشرون ، قال : قلت : لما عظمت مصيبتها قل عقلها ؟ قال سعيد : عراقي أنت ؟ فقلت : بل عالم متثبت ، أو جاهل متعلم ، فقال سعيد : هي السنة يا ابن أخي ، وهذا يدل على أنه أمر مشهور عندهم من السنة النبوية ، ويخرج من الثلث ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله غاية ، والغاية تخرج من المغيى . احتجوا بأنها جناية فتكون على النصف كالنفس مع النفس ; ولأنه نقص نصف الشهادة فنصف الدية .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أنه قياس قبالة النص فيكون باطلا ، سلمناه : لكن الفرق بأن النفس أعظم حرمة يزيد فيها .

                                                                                                                وعن الثاني : أن الأصل قبول المرأة الواحدة وصف العدالة ، وإنما [ ص: 378 ] أضاف الله تعالى امرأة أخرى للتذكير خشية النسيان ; لقوله تعالى : ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) .

                                                                                                                نظائر : قال أبو عمران : الثلث في حيز الكثرة في ثلاث مسائل كلها جوائح : المعاقلة ، وما تحمله العاقلة ، وجائحة الثمار . وفي حيز القلة في تسع مسائل : الوصية ، وهبة المرأة ذات الزوج ، واستثناء ثلث الصبرة إذا بيعت ، وكذلك الثمار ، والكباش ، والسيف ثلث وزنه حلية تباع بذلك الجنس ، قال العبدي : هو قليل في الطعام إذا استحق منه أو نقص في الشراء فهو قليل عند أشهب ، وفي الأرطال يستثنيها من الشاة والدالية في دار الكراء .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يجتهد في لسان الأخرس والرجل العرجاء وكل شيء أصيب فانتقص ثم أصيب فإنما له بحساب ما بقي ، وما خلقه الله تعالى لم ينتقص منه شيء كاسترخاء البصر والعين الرمدة يضعف ، أو يد تضعف إلا أنه ينظر وينتفع بيده فالدية كاملة ، وكذلك المصاب بأمر سماوي ، وفي ضعف الجناية ; له ما بقي ; لأنه أخذ بدل نقصها بخلاف الضعف ، وعن مالك : إن أصابها رجل فنقص بصرها واليد ، ولم يأخذ لها عقلا : ففي الإصابة بعد ذلك الدية كاملة ، قال ابن يونس : هذا يقتضي اختلاف قوله في المحاسبة بما تقدم إذا لم يأخذ له عقلا ، أما إن أخذ فالاتفاق في المدونة ، والخلاف عن مالك في غيرها إذا أخذ عقلا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إن ذهب سمع إحدى أذنيه فضربه رجل فأذهب سمع الأخرى [ ص: 379 ] فعليه نصف الدية ، ( وفي عين الأعور الدية كاملة ) لما جاء فيها من السنة ، ووافقنا أحمد ، وقال ( ش ) و ( ح ) : نصف الدية . لنا : أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر رضي الله عنهم قضوا بذلك من غير مخالف ، فكان إجماعا ; ولأن العين الذاهبة يرجع ضوؤها للباقية فهي في معنى العينين . احتجوا : بقوله عليه السلام : ( في العين خمسون من الإبل ) ، وقوله عليه السلام : ( في العينين الدية ) يقتضي أنه لا تجب عليه دية إلا إذا قلع العينين ، وهذا لم يقلع عينين ، ولأن ما ضمن بنصف الدية ومعه نظيره ، ضمن بنصفها منفردا ، كالأذن ، واليد ; ولأنه لو صح القول بانتقال الزوج الضامن لم يجب على الأول نصف الدية ; لأنه لم يذهب نصف المنفعة .

                                                                                                                والجواب عن الأول والثاني : أنه محمول على العين غير العوراء ; لأنهما عمومان مطلقان في الأحوال فيقيدان بما ذكرنا من الأدلة .

                                                                                                                وعن الثالث : الفرق بانتقال قوة الأول بخلاف الأذن ، ولو انتقل التزمناه .

                                                                                                                وعن الرابع : لا يلزم اطراح الأول ، لأنه لو جني عليهما فأحولتا ، أو أعمشتا أو نقص ضوأهما ، فإنه يجب عليه العقل لما نقص ، ولا تنقص الدية على ما جنى ثانيا على قول غيرنا ، وهذا السؤال قوي ، وكذلك يلزمنا أن نقلع بعينه عينين اثنتين من الجاني . وفي النوادر : فيها ألف وإن أخذ في الأولى ديتها قاله مالك وأصحابه . قال أشهب : ويسأل عن السمع ، فإن كان ينتقل فكالعين وإلا [ ص: 380 ] فكاليد ، وإن أصيب من كل عين نصف بصرها ، ثم أصيب باقيها في ضربة فنصف الدية ; لأنه ينظر بهما نصف نظرهما ، فإن أصيب بباقي أحدهما ، ثم أصيب بنصف الصحيحة ، فثلث الدية ; لأنه أذهب من جميع بصره ثلثه ، وإن أصيب ببقية المصابة فقط فربع الدية ، فإن ذهب باقيها والصحيحة بصيرة فالدية كاملة ، أو الصحيحة وحدها فثلثا الدية ; لأنها ثلثا بصره ، فإن أصيب بقية المصابة فنصف الدية ، بخلاف لو أصيب والصحيحة باقية ، قاله أشهب ، قال ابن القاسم : ليس فيما يصاب من الصحيحة إذا بقي من الأولى شيء إلا من حساب نصف الدية .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا قطع كفه خطأ فشل الساعد : فدية واحدة ; لأنها ضربة واحدة .

                                                                                                                قاعدة : كما شرع الله تعالى الزواجر بالجوابر ، فالجوابر : لتحصيل المصالح ، والزواجر : لدفع المفاسد ، والمقصود من الجوابر إخلاف ما فات من مصالح حقوق الله تعالى وحقوق عباده ، ولا يشترط ( وجود الأول ، ولذلك يجبر الخطأ ، والعمد ، والمجهول والمعلوم ، والذكر والنسيان ، وعلى المجانين ) والصبيان ، بخلاف الزواجر ; فإن معظمها على العصاة زواجر عن المعصية ، وقد تكون على غيرهم دفعا للمفاسد من غير إثم ; كرياضة البهائم وتأديب الصبيان استصلاحا لهم ، واختلف في بعض الكفارات هل هي زواجر ، لما فيها من مشاق تحمل الأموال وغيرها ، أو جوابر لأنها عبادات لا تصح إلا بالنيات ؟ [ ص: 381 ] وليس التقرب إلى الله تعالى عقوبة وزجرا ، بخلاف الحدود والتعزيرات ; لأنها ليست قربات لأنها ليست فعل المزجور ، بل فعل ولاة الأمور ، والجوابر تقع في العبادات ، والأموال ، والنفوس والأعضاء ، ومنافع الأعضاء والجراح ، والزواجر ، ففي العبادات كالوضوء مع التيمم ، والسهو مع السجود ، والصلاة لجهة السفر وجهة العدو مع الخوف بدلا عن الكعبة ، وصلاة الجماعة فيمن صلى مفردا ، وجبر ما بين الشيئين بالدراهم في الزكاة ، أو الذكورة في ابن لبون مع بنت مخاض ، وهو مباين لقاعدة الجوابر لتباين النوعين جدا ، والصيام بالإطعام في حق من لم يصم أواخر القضاء ، ومناهي النسك بالدم والصيام ، وجبر الصيد المأكول في الحرام أو الإحرام بالمثل أو الطعام ، أو الصيام ، أو الصيد ، والمملوك لله تعالى بما تقدم ومالكه لقيمته وهو مجبور ، وآخر اجتمع عليه جابران وشجر الحرم يجبر ، ثم اعلم أن الصلاة لا تجبر إلا بعمل ، والأموال لا تجبر إلا بالمال ، والنسكان تارة بعمل كالعمرة أو الصوم ، وتارة بالمال كالهدي ، وجزاء الصيد ، والطعام ، والصيام ، والصوم يجبر بمثله في القضاء وبالمال كالإطعام .

                                                                                                                وأما جوابر المال : فالأصل رد الحقوق بأعيانها ، فإن ردها ناقصة الأوصاف [ ص: 382 ] جبرت بالمال ، أو لم يردها جبرنا المثلي ; لأنه أقرب للعين من القيمة ، وفي غير المثلي بالقيمة ; لأنها تحصيل المثل ، وتجبر الناقص بأجرة المثل ، وخرج عن جبر المثلي صورتان : المصراة ، وغاصب المال في موضع غلائه ، والمنافع المحرمة لا تضمن احتقارا لها كالزمر ونحوه ، وكذلك الأعيان النجسة ، وتجبر المنفعة المحرمة في المزني بها كرها بصداق المثل دون اللواط ; لأنه لم يتقدم قط فأشبه القتل والعتاق ، والمنافع في الجماد تضمن بالعقود الصحيحة والفاسدة والفوات تحت أيدي الغصاب ، ومنافع الحد تضمن بالعقد الصحيح والفاسد والشبهة والإكراه دون الفوات تحت الأيدي العادية ، والفرق : ( أن قليل سائر المنافع يجبر قليلها بالقليل وكثيرها بالكثير ، وضمان الأبضاع ) بمهور الأمثال وهي بأيسر المنافع من التقاء الختانين ، فلو ضرب للزمت أموال لا يقدر عليها ، وهو بعيد من مقاصد الشرع ، وأما النفوس فخارجة عن قاعدة جبر الأموال ، والمنافع ، والأوصاف ، إذ لا يجبر بأمثالها وتساوت جوابرها مع اختلاف . قال سحنون : إنها في الفضائل والرذائل ( وإنما يختلف باختلاف الأديان والذكورة والأنوثة ، ولا عبرة في الأموال بالأديان ) فيجبر العبد المجوسي بالآلاف ، والعبد المسلم باليسير ; لأن المجبور هو المالية دون الدين ، وسواء في الجرح المقدرة بين صغيرها وكبيرها ، وأوسعها وأضيقها ، وغير المقدر على قياس الإتلاف في الحكومات ، ودية الأعضاء على خلاف القاعدة ، وإذا وجب في الإنسان ديات ثم مات فدية واحدة ، ولو وجب في الحيوان ضمان في أعضائه ثم مات لم يتداخل ; [ ص: 383 ] لأن الغالب من جنايات الأناسي البعيد الذي لا يتوقف على حقيقته ، والحكومات وإن كانت قياسا فهي على خلاف القياس من جهة نسبتها للدية ، وسوي بين الإبهام والخنصر مع التفاوت في اليد والرجل ، وكذلك أصابع اليدين والرجلين ، وأعظم من ذلك إبهام اليد اليمنى وسبابتها مع خنصر الرجل اليسرى وبنصرها .

                                                                                                                وأما الزواجر : فتارة تجب على فاعل المفسدة كمفسد الصوم ، والحج ، والظهار ، وتارة على غير الفاعل ، وهي ثلاثة : قسمان على الأئمة ، كالحدود والتعذيرات ، وقسم يخير مستوفيه بين العفو والاستيفاء كالقصاص ، وقد يكون الزجر عن غير المحرم فمن طلق امرأته ثلاثا في ثلاث مرات فيزجر بنكاية التحليل ; لأنه مراغم للمروءة والأنفة ، وقتال البغاة والصبيان على ترك الصلاة وغيرها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية