الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 4169 ] تفكير المشركين

                                                          قال تعالى:

                                                          هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين

                                                          جاءتهم المعجزة الكبرى التي تتحدى الأجيال كلها، وتحداهم الله تعالى بها أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فطلبوا معجزات حسية كمعجزات الأنبياء السابقين، فجاءتهم، انشق القمر، فقالوا: سحر مستمر، أي: أعينهم سحرت فتبين كذبهم؛ لأن المسافرين رأوه كذلك، وجاءهم بالإسراء من مكة إلى المسجد الأقصى، وذكر لهم الأمارات الدالة.

                                                          أتى لهم بالمعجزة الكبرى، وهي التي تتناسب مع خلود شريعته، إذ يبقى صامدا يقارع الزمان والأقوام ويقيم لهم الدليل على أنه من عند الله، ولكنهم أرادوا آية مادية، فجاءتهم الآية تلو الآية، ومع ذلك لم يؤمنوا، ولذلك قال تعالى:

                                                          هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك

                                                          لقد طلبوا أن يكون معه ملك، فقال تعالى: ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون أو يأتي أمر ربك أي: العذاب [ ص: 4170 ] المستأصل، كما نزل بقوم لوط وعاد وثمود وفرعون، وقد ذكر أنه فعل ذلك بالذين من قبلهم وأنهم طلبوه فأجيبوا، فقال: كذلك فعل الذين من قبلهم أنهم استهانوا، وكابروا، ولجوا في إنكارهم، وطلبوا استعجال أمر الله فيهم فعجل، ولكنه لم يفعل ذلك مع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهو لم يرسل لجيل يستأصله إذا لم يؤمن، بل أرسل للأجيال كلها فإذا كفر جيل، كان رجاء الإيمان في جيل يليه، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في قومه - وقد آذوه -، وبين الله تعالى على لسان الملائكة أنه ينزل بهم ما يريد، فقال خاتم النبيين: " إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله " .

                                                          وقوله: هل ينظرون الاستفهام فيه للإنكار، وهو وصف لحالهم في كفرهم بالآيات، أي: حالهم أنهم لا ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتيهم أمر الله. وقد بين الله أن أمره نزل بمن سبقوهم مثل قوم نوح، وعاد وثمود، وأصحاب الأيكة، وفرعون ذي الأوتاد أن ذلك لم يكن ظلما من الله لهم، بل كان ظلما من أنفسهم لأنفسهم، فقال عز من قائل:

                                                          وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

                                                          إن المذنب إذا نزل به عقاب ذنبه لا يقال إن من أنزل به العقاب هو الذي ظلم، إنما الظالم هو من ارتكب سبب العقاب فهؤلاء بارتكابهم سبب العذاب الذي جاء بأمر الله ظلموا أنفسهم، وهنا أمران بيانيان نشير إليهما:

                                                          الأمر الأول - التعبير بـ " كانوا" فهو دال على استمرارهم في أسباب ظلم أنفسهم من إنكار وجحود ومكابرة.

                                                          الأمر الثاني - تقديم كلمة (أنفسهم)، على (يظلمون) للإشارة إلى أن مما ارتكبوا من آثام كان يقع على أنفسهم، لا على غيرهم وللاهتمام والتخصيص.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية