الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وأقام الصلاة وآتى الزكاة ) : تقدم الكلام على نظير هاتين الجملتين ، فإن كان أريد بالإيتاء السابق الزكاة كان ذكر هذا توكيدا ، وإلا فقد تقدمت الأقاويل فيه إذا لم يرد به الزكاة ، هذا هو الظاهر : لأن مصرف الزكاة فيه أشياء لم تذكر في مصرف هذا الإيتاء ، وقد تقدم القول في تقديم الصلاة على الزكاة ، وهو أن الصلاة أفضل العبادات البدنية ، وتكرر في كل يوم وليلة ، وتجب على كل عاقل بالشروط المذكورة ، فلذلك قدمت .

وعطف قوله : ( وأقام الصلاة وآتى الزكاة ) على صلة " من " ، وصلة " من " ، " آمن " " وآتى " ، وتقدمت صلة " من " التي هي : آمن : لأن الإيمان أفضل الأشياء المتعبد بها ، وهو رأس الأعمال الدينية ، وهو المطلوب الأول . وثنى بإيتاء المال من ذكر فيه : لأن ذلك من [ ص: 7 ] آثر الأشياء عند العرب ، ومن مناقبها الجلية ، ولهم في ذلك أخبار وأشعار كثيرة ، يفتخرون بذلك حتى هم يحسنون للقرابة وإن كانوا مسيئين لهم ، ويحتملون منهم ما لا يحتملون من غير القرابة ، ألا ترى إلى قول طرفة العبدي :


فما لي أراني وابن عمي مالكا متى أدن منه ينأ عني ويبعد



ويكفي من ذلك في الإحسان إلى ذوي القربى قصيدة المقنع الكندي التي أولها :


يعاتبني في الدين قومي وإنما     ديوني في أشياء تكسبهم حمدا



ومنها :


لهم جل مالي إن تتابع لي غنى     وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا



وكانوا يحسنون إلى اليتامى ويلطفون بهم ، وفي ذلك يقول بعضهم :


إذا بعض السنين تعرقتنا     كفى الأيتام فقد أبي اليتيم



ويفتخرون بالإحسان إلى المساكين وابن السبيل من الأضياف والمسافرين ، كما قال زهير بن أبي سلمى :

على مكثريهم رزق من يعتريهم وعند المقلين السماحة والبذل

وقال المقنع :


وإني لعبد الضيف ما دام نازلا



( وقال آخر ) :


ورب ضيف طرق الحي سرى     صادف زادا وحديثا ما اشتهى



وقال مرة بن محكان :


لا تعذليني على إتيان مكرمة     ناهبتها إذ رأيت الحمد منتهبا
في عقر ناب ولا مال أجود به     والحمد خير لمن ينتابه عقبا



وقال إياس بن الأرت :


وإني لقوال لعاف مرحبا     وللطالب المعروف إنك واجده
وإني لما أبسط الكف بالندى     إذا شنجت كف البخيل وساعده



فلما كان ذلك من شيمهم الكريمة جعل ذلك من البر الذي ينطوي عليه المؤمن ، وجعل ذلك مقدمة لإيتاء الزكاة ، يحرض عليها بذلك ، إذ من كان سبيله إنفاق ماله على القرابة واليتامى والمساكين ، وأبناء السبيل على سبيل المكرمة ، فلأن ينفق عليه ما أوجب الله عليه إنفاقه من الزكاة التي هي طهرته ، ويرجو بذلك الثواب الجزيل عنده أوكد وأحب إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية