الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا

ذكر المقصود من نفي الولي أو المآل له بذكر صورة عقابهم بقوله ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم الآية .

[ ص: 217 ] والحشر : جمع الناس من مواضع متفرقة إلى مكان واحد ، ولما كان ذلك يستدعي مشيهم عدي الحشر بحرف ( على ) ; لتضمينه معنى ( يمشون ) ، وقد فهم الناس ذلك من الآية فسألوا النبيء صلى الله عليه وسلم كيف يمشون على وجوههم ؟ فقال : إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم .

والمقصود من ذلك الجمع بين التشويه ، والتعذيب ; لأن الوجه أرق تحملا لصلابة الأرض - من الرجل .

وهذا جزاء مناسب للجرم ; لأنهم روجوا الضلالة في صورة الحق ، ووسموا الحق بسمات الضلال ، فكان جزاؤهم أن حولت وجوههم أعضاء مشي عوضا عن الأرجل ، ثم كانوا عميا وبكما جزاء أقوالهم الباطلة على الرسول ، وعلى القرآن ، وصما جزاء امتناعهم من سماع الحق ، كما قال تعالى عنهموقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ، وقال عنهم قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ، وقال عنهم ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى أي من كان أعمى عن الحق فهو في الحشر يكون محروما من متعة النظر ، وهذه حالتهم عند الحشر

والمأوى محل الأوي ، أي النزول بالمأوى ، أي المنزل والمقر .

وخبت النار خبوا وخبوا : نقص لهيبها .

والسعير : لهب النار ، وهو مشتق من سعر النار ، إذا هيج وقودها ، وقد جرى الوصف فيه على التذكير تبعا لتذكير اللهب ، والمعنى : زدناهم لهبا فيها .

وفي قوله كلما خبت زدناهم سعيرا إشكال ; لأن نار جهنم لا تخبو ، وقد قال تعالى فلا يخفف عنهم العذاب ، فعن ابن عباس : أن الكفرة وقود للنار قال تعالى وقودها الناس والحجارة فإذا أحرقتهم النار زال اللهب الذي كان متصاعدا من أجسامهم ، فلا يلبثون أن يعادوا كما كانوا فيعود الالتهاب لهم .

[ ص: 218 ] فالخبو وازدياد الاشتعال بالنسبة إلى أجسادهم لا في أصل نار جهنم ، ولهذه النكتة سلط فعل زدناهم على ضمير المشركين للدلالة على أن ازدياد السعير كان فيهم ، فكأنه قيل : كلما خبت فيهم زدناهم سعيرا ، ولم يقل : زدناها سعيرا .

وعندي : أن معنى الآية جار على طريق التهكم ، وبادئ الإطماع المسفر عن خيبة ; لأنه جعل ازدياد السعير مقترنا بكل زمان من أزمنة الخبو ، كما تفيده كلمة ( كلما ) التي هي بمعنى كل زمان ، وهذا في ظاهره إطماع بحصول خبو ; لورود لفظ الخبو في الظاهر ، ولكنه يئول إلى يأس منه ، إذ يدل على دوام سعيرها في كل الأزمان ; لاقتران ازدياد سعيرها بكل أزمان خبوها ، فهذا الكلام من قبيل التمليح ، وهو من قبيل قوله تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ، وقول إياس القاضي للخصم الذي سأله : على من قضيت ؟ فقال : على ابن أخت خالك .

التالي السابق


الخدمات العلمية