الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل وللأم أربعة أحوال : حال لها السدس ، وهي مع وجود الولد ، أو ولد الابن ، أو الاثنين من الإخوة والأخوات ، وحال لها الثلث ، وهي مع عدم هؤلاء ، وحال لها ثلث الباقي ، وهي من زوج وأبوين ، وامرأة وأبوين لها ثلث الباقي بعد فرض الزوجين ، وحال رابع ، وهي إذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنى ، أو منفيا بلعان ، فإنه ينقطع تعصيبه من جهة من نفاه ، فلا يرثه هو ، ولا أحد من عصباته ، وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم ، وعصبته عصبة أمه ، وعنه : أنها هي عصبته ، فإن لم تكن ، فعصبتها عصبته ، فإذا خلف أما وخالا ، فلأمه الثلث وباقيه للخال ، وعلى الرواية الأخرى الكل للأم ، فإن كان معهم أخ لأم ، فله السدس ، والباقي له ، أو للأم على الرواية الثانية ، وإذا مات ابن ابن ملاعنة ، وخلف أمه وجدته ، فلأمه الثلث ، وباقيه للجدة على إحدى الروايتين ، وهذه جدة ورثت مع أم أكثر منها .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وللأم أربعة أحوال : حال لها السدس ، وهي مع وجود الولد أو ولد الابن ) لقوله تعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد [ النساء 11 ] وولد الولد ولد حقيقة أو مجازا ، قال الماوردي : انعقد الإجماع في ولد الولد ، ولم يخالف فيه إلا مجاهد ( أو الاثنين من الإخوة والأخوات ) كاملي الحرية في قول الجمهور ، وقال ابن عباس : لا يحجبها عن الثلث إلى السدس إلا ثلاثة ، وحكي عن معاذ : لقوله تعالى فإن كان له إخوة فلأمه السدس وأقل الجمع ثلاثة ، وجوابه : بأن الجمع قد يعبر عن الاثنين ، قال الزمخشري : لفظ الإخوة هنا يتناول الأخوين ; لأن المقصود الجمعية المطلقة من غير كمية . وفي صحيح الحاكم - وقال : صحيح الإسناد - إن ابن عباس احتج على عثمان ، وقال : كيف نردها إلى السدس بالأخوين ، وليسا بإخوة ؛ فقال عثمان : لا أستطيع رد شيء كان قبلي ، ومضى في البلدان ، وتوارث الناس به ، فهذا يدل على الإجماع قبل مخالفة ابن عباس ، وروي أنه قال : حجبها قومك يا غلام ، ولأنه حجب يتعلق بتعدد ، فكان الاثنان أوله ، كحجب البنات لبنات الابن ، يؤيده قوله تعالى وإن كانوا إخوة رجالا ونساء الآية ، وهذا الحكم ثابت في أخ وأخت ، وقد أكد ذلك بأن جماعة من أهل اللغة جعلوا الاثنين جمعا حقيقة [ ص: 128 ] وقد أغرب الحسن البصري ، فقال : لا يحجبها إلا ثلاثة إخوة ذكور ، وعندنا لا فرق في حجبها بين الذكر والأنثى ، ولو كانا غير وارثين ، لسقوطهما بالأب ، لا بمانع قام بهما .

                                                                                                                          ( وحال لها الثلث وهي مع عدم هؤلاء ) أي : مع عدم من ذكر من الولد أو ولد ابنه أو اثنين من الإخوة والأخوات من أي الجهات كانوا ، لا نعلم فيه خلافا ، وسنده قوله تعالى فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث [ النساء 11 ] ( وحال لها ثلث الباقي ، وهي من زوج وأبوين ، وامرأة وأبوين لها ثلث الباقي بعد فرض الزوجين ) وهاتان المسألتان تسميان العمريتين ; لأن عمر رضي الله عنه قضى بذلك ، ووافقه عثمان ، وزيد بن ثابت ، وابن مسعود ، وروي عن علي ، وقاله الحسن والثوري ، وقال ابن عباس : لها ثلث المال كله فيهما ; لأن الله فرض لها الثلث عند عدم الولد والإخوة ، ويروى عن علي ، قال أحمد : وهو ظاهر القرآن ، واختاره ابن اللبان ، وقاله ابن سريج ، في زوج وأبوين ، وفصل ابن سيرين ، فقال كقول الجماعة في زوج وأبوين ، وكقول ابن عباس في امرأة وأبوين ، وقاله أبو ثور ; لأنا لو فرضنا لها ثلث المال في الأولى ، لفضلناها على الأب ، وهو ممتنع ، وفي مسألة الزوجة لا يتأتى ذلك .

                                                                                                                          قال المؤلف : والحجة مع ابن عباس لولا انعقاد الإجماع من الصحابة على خلافه ; لأن الفريضة إذا جمعت أبوين وذا فرض كان للأم ثلث الباقي ، كما لو كان معها بنت ، ويخالف الأب الجد ; لأن الأب في درجتها والجد أعلى منها ، ولأن ميراثها هو ما سوى ميراث الزوجين ، فلم يجز أن يزاد على ثلث ما ورثه الأبوان ، ولأن ما يأخذه أحد [ ص: 129 ] الزوجين إنما يأخذه بالسبب ، وما يؤخذ بالسبب 1 كالطارئ على التركة ، فإذا الباقي بعده يكون بين الأبوين ، فعلى هذا تكون المسألة الأولى من اثنين ، وتصح من ستة ، والثانية تصح من أربعة ، وإنما قالوا : لها ثلث الباقي ، ولم يقولوا : سدس المال من الأولى ، وربعه من الثانية ، محافظة على الأدب في موافقة القرآن ، وعبر به في " الوجيز " اعتبارا بالحاصل ، وما ذهب إليه ابن سيرين تفريق في موضع أجمع الصحابة على التسوية فيه ، ثم إنه مع الزوج يأخذ مثل ما أخذت الأم كذلك مع المرأة قياسا عليه .

                                                                                                                          ( وحال رابع ، وهي إذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنى ) لأنه لا ينسب إلى الزاني ( أو منفيا بلعان فإنه ينقطع تعصيبه من جهة من نفاه ) أي : إذا لاعن الرجل امرأته ، وانتفى من ولدها ، وفرق الحاكم بينهما ، انتفى ولدها عنه ، وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن ( فلا يرثه هو ولا أحد من عصباته ، وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم ) وينقطع التوارث بين الزوجين ، لا نعلم فيه خلافا ، فإن مات أحدهما قبل تمام اللعان ورثه الآخر في قول الجمهور ، فإن تم اللعان بينهما ، فمات أحدهما قبل تفريق الحاكم ، لم يتوارثا في الأشهر ; لأن اللعان يقتضي التحريم المؤبد ، فلم يعتبر فيه التفريق كالرضاع ، والثانية : يتوارثان ; لأنه عليه السلام فرق بينهما ، ولو حصل التفريق باللعان ، لم يحتج إلى تفريقه ، لكن لو فرق بينهما قبل تمامه ، لم تقع الفرقة ، ولم ينقطع التوارث في قول الجماعة ، وهذا في توارث الزوجين ، فأما الولد ، فالأصح أنه ينتفي عن الملاعن إذا تم اللعان بينهما من غير اعتبار تفريق الحاكم ، فإن لم يكن ذكره في اللعان ، لم [ ص: 130 ] ينتف عن الملاعن ، ولم ينقطع التوارث بينهما . وقال أبو بكر : ينتفي بزوال الفراش ; لأنه عليه السلام نفى الولد عن الملاعن ، وألحقه بأمه ، ولم يذكره في لعانه ; لأنه كان حملا في البطن ، وفي " الرعاية " إن قذفها ، ولاعنها في مرض موته ، ورثته ، وقيل : لا ، وإن قذفها في صحته ، ولاعنها في مرض موته ، وافترقا فمات ، فروايتان ، وإن أكذب نفسه ، لم يرثه ، فإن نفى في لعانه ولدها ، انقطع نسبه عنه ، ولم يتوارثا ، فإن استلحقه بعد ، لحقه وتوارثا .

                                                                                                                          تنبيه : إذا ادعته امرأة دون زوجها ، وألحق بها ، فهو كولد الملاعنة ، وكذا لو ادعاه الزاني ، وقوة اللعان والزنى وفروعهما ولداه ، ولا يورثون بأخوة الأب على المذهب .

                                                                                                                          ( وعصبته ) بعد ذكور ولده ، وإن نزل ( عصبة أمه ) في الإرث ، نقله الأثرم وحنبل ، وروي عن علي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وقاله جمع لقوله عليه السلام : ألحقوا الفرائض بأهلها الخبر ، وأولى الرجال به أقارب أمه ، ولو كانت عصبة كأبيه لحجبت الإخوة ، ولأن مولاها مولى أولادها ، فيجب أن يكون عصبتها عصبته كالأب ، فإن كانت أمه مولاة ، فما بقي فلمولاها ، وإلا جعل لبيت المال ، وروي عن ابن عباس نحوه ، وقاله جمع من التابعين وأهل المدينة ( وعنه : أنها هي عصبته ، فإن لم تكن ، فعصبتها عصبته ) نقلها أبو الحارث ومهنا ، وهو قول ابن مسعود ، اختارها أبو بكر ، والشيخ تقي الدين ، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها رواه أبو داود ، وعن ، واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 131 ] قال : تحوز المرأة ثلاثة مواريث : عتيقها ، ولقيطها ، وميراث ولدها التي لاعنت عليه رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حسن غريب ، ولأنها قامت مقام الأب في انتسابه إليها ، فقامت مقامه في حيازة ميراثه ، ولأنهم عصبات أدلوا بها ، فلم يرثوا معها كأقارب الأب معه ، وعنه : إن كان لهما ذو فرض رد عليهم ، فإن عدم فعصبتها عصبته ، فعلى الأولى يرث أخوه لأمه مع بنته لا أخته ، ويعايا بها ، ولو خلف خالا وخالة ، أو خالا ومولى أم ، فالمال للخال رواية واحدة ، فإذا مات عتيق ابن الملاعنة عن الملاعنة وعصبتها ، فقيل : المال لعصبتها على الروايات ، والأصح أنه مبني على القول بتعصيبها ، فإن لم يترك ابن الملاعنة ذا سهم ، فالمال لعصبة أمه في قول الجماعة ، ونقل الخلال في جامعه : أنهم يعقلون عنه .

                                                                                                                          ( فإذا خلف أما وخالا ، فلأمه الثلث ) لأنه فرضها ( وباقيه للخال ) أي : على الرواية الأولى ; لأنه عصبتها ( وعلى الرواية الأخرى الكل للأم ) لأنها عصبته ، وعلى الثالثة يستوعب المال بالفرض والرد ، وهي قول ابن مسعود ، ومذهب زيد الباقي لبيت المال ( فإن كان معهم أخ لأم ، فله السدس ) لأنه فرضه ( والباقي له ) أي : للأخ من الأم ; لأنه عصبتها دون الخال ; لأنه محجوب ( أو للأم على الرواية الثانية ) وهذا كله بعد أخذ الأم الثلث ، والأخ السدس ; لأنه لو لم يكن كذلك ، لما كان للأم شيء ، على الرواية الأولى ، وليس كذلك وفاقا ، فإن كان معهما مولى أم ، فلا شيء له عندنا ، وقال زيد وموافقوه : له الباقي ، وإن لم يكن لأمه عصبة إلا مولاها ، فالباقي له إذا قلنا : عصبتها عصبته ، وعلى الأخرى : هو للأم ، وقاله ابن مسعود ; لأنها عصبة ابنها ( وإذا مات ابن ابن ملاعنة ، وخلف [ ص: 132 ] أمه وجدته ) أم أبيه الملاعنة ( فلأمه الثلث ) لأنه فرضها ( وباقيه للجدة على إحدى الروايتين ) وهي قول ابن مسعود ; لأنها هي الملاعنة ، فهي عصبته ، فيكون لها الباقي ( وهذه جدة ورثت مع أم أكثر منها ) فيعايا بها ; لأنها ورثت الثلثين مع إرث الأم الثلث ، فهو مثلا نصيبها ; لأنها عصبة على رواية ، فيكون لها الباقي ، وعلى الأخرى : الكل للأم ، الثلث بالفرض ، والباقي بالرد ، وهو قول علي ، فإذا مات ابن ابن الملاعنة عن عمه وعم أبيه ، فالمال لعمه ، وقال بعض العلماء : عم الأب أولى ; لأنه ابن الملاعنة ، ورد بأن العصبات إنما يعتبر أقربهم من الميت ، لا من آبائه ، فأما ولد بنت الملاعنة ، فليست الملاعنة عصبة لهم في قول الجميع ، وإن مات ابن الملاعنة ، وخلف ابنه ، وإن نزل وأمه ، فلأمه السدس ، والباقي للابن على الروايات كلها .




                                                                                                                          الخدمات العلمية