الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأيضا فيقال له: قولك: "علمه بذاته كونه نورا لذاته، وظاهرا لذاته، وعلمه بالأشياء كونها ظاهرة له"، إن أردت بقولك: "كونه نورا لذاته، وظاهرا لذاته"، أي كونه مرئيا لذاته، ومعلوما لذاته -كان حقيقة الكلام: علمه بذاته كونه معلوما لذاته. وهذا أمر معلوم، ليس فيه قدر زائد على ما دل عليه قولنا: هو عالم بذاته.

وإن أردت بذلك: أن علمه بذاته كونه في نفسه بحيث يظهر لذاته نورا يتجلى لذاته -كان المعنى. أن علمه بذاته معناه: أن [ ص: 91 ] ذاته متصفة بما يجب لأجله أن يظهر لذاته، فهي متصفة بما يوجب أن تكون معلومة له ظاهرة.

وكذلك إن أردت أنها متصفة بما يوجب أن تكون عالمة ظاهرا لها غيرها. وكذلك إن فسر بما يوجب كونها عالمة معلومة، فسواء فسر ذلك بنفس كونه عالما أو معلوما أو مجموعهما، أو رائيا أو مرئيا أو مجموعهما، إنما يوجب أحد هذه الأمور الستة.

فهذا كله لا يمنع كون العلم صفة ثبوتية، ولا يقتضي أن العلم مجرد نسبة عدمية، بل إذا فسره بمجرد أمر عدمي، كان هذا بمنزلة القول الذي رده، وهو قولهم: إنه ليس بزائد عليه، بل هو عدم غيبته عن ذاته المجردة عن المادة، فإذا كان يجعل الظهور الذي أثتبه أمرا عدميا، فهو بمعنى عدم الغيبة الذي أثبتوه. وأكثر ما يقال إنهم جعلوا العلم نفس عدم الغيبة، وأنا أجعله نسبة تستلزم عدم الغيبة، فهم فسروه بعدم الغيبة، وأنا أفسره بالنسبة.

فيقال له: هذه النسبة: إن لم تكن موجودة فهي من جنس عدم الغيبة.

ويقال للجميع: عدم الغيبة يكون معه علم بنفسه، أو مجرد عدم الغيبة عن نفسه هو العلم؟

فإذا قالوا بالأول، أصابوا، وهو قول الرسل. وإن قالوا: بل نفس عدم الغيبة هو نفس العلم، كان هذا معلوم البطلان، فإنه ما [ ص: 92 ] من موجود من الموجودات إلا وليس هو غائبا عن نفسه، مع كون كثير منها ليس عالما بنفسه، فعلم أن حقيقة العلم أمر مغاير لحقيقة عدم الغيبة.

التالي السابق


الخدمات العلمية