الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  407 79 - حدثنا مالك بن إسماعيل قال : حدثنا زهير قال : حدثنا حميد ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى نخامة في القبلة فحكها بيده ، ورؤي منه كراهية - أو رؤي كراهيته - لذلك وشدته عليه ، وقال : إن أحدكم إذا قام في صلاة فإنما يناجي ربه - أو ربه بينه وبين قبلته - فلا يبزقن في قبلته ، ولكن عن يساره أو تحت قدمه . ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ورد بعضه على بعض ، قال : أو يفعل هكذا . [ ص: 156 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 156 ] الترجمة مشتملة على شيئين ؛ أولهما : مبادرة البزاق ، والآخر : هو أخذ المصلي بزاقه بطرف ثوبه ، وفي الحديث ما يطابق الثاني وهو قوله : " ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه " ، وليس للجزء الأول ذكر في الحديث أصلا ، ولهذا اعترض عليه في ذلك ، ولكن يمكن أن يقال - وإن كان فيه تعسف - كأنه أشار بذلك إلى ما في بعض طرق الحديث وهو ما رواه مسلم من حديث جابر بلفظ : وليبصق عن يساره تحت رجله اليسرى ، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا - ثم طوى بعضه على بعض . وروى أبو داود : فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا - وضعه على فيه ثم دلكه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بادرة ) ؛ أي : حدة ، وبادرة الأمر حدته ، والمعنى : إذا غلب عليه البصاق والنخامة فليقل بثوبه هكذا . وقوله : " وضعه على فيه " تفسير لقوله " فليقل به " ، ولأجل ذلك ترك العاطف ؛ أي : وضع ثوبه على فمه حتى يتلاشى البزاق فيه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم أربعة ؛ الأول : مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي ، وقد مر في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان . الثاني : زهير - بالتصغير - ابن معاوية الكوفي . الثالث : حميد الطويل . الرابع : أنس بن مالك .

                                                                                                                                                                                  وقد تقدم هذا الحديث في باب : حك البزاق باليد من المسجد وذكرنا هناك ما يتعلق به من الأبحاث ، ولنذكر هاهنا ما لم نذكره هناك :

                                                                                                                                                                                  قوله ( كراهية ) مرفوع بقوله " رؤي " على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أو رؤي كراهيته ) شك من الراوي .

                                                                                                                                                                                  قوله ( لذلك ) ؛ أي : لأجل رؤية النخامة في القبلة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وشدته عليه ) يجوز فيه الرفع والجر عطفا على الكراهية أو على " لذلك " .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أو ربه ) مبتدأ ، وخبره هو قوله : " بينه وبين القبلة " ، والجملة معطوفة على " يناجي ربه " عطف الجملة الاسمية على الفعلية .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وقال ) ، في بعض النسخ " فقال " بالفاء .

                                                                                                                                                                                  وفيه من الفوائد استحباب إزالة ما يستقذر أو يتنزه عنه من المسجد ، وفيه تفقد الإمام أحوال المساجد وتعظيمها وصيانتها ، وفيه أن للمصلي أن يبصق في الصلاة ولا تفسد صلاته ، وفيه أنه إذا نفخ أو تنحنح جاز ، كذا قالوا ، ولكن هذا بالتفصيل وهو أن التنحنح لا يخلو إما أن يكون بغير اختياره فلا شيء عليه ، وإن كان باختياره فإن حصلت منه حروف ثلاثة تفسد صلاته وفي الحرفين قولان ، وعن أبي حنيفة أن النفخ إذا كان يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة .

                                                                                                                                                                                  وفيه أن البصاق طاهر وكذا النخامة والمخاط خلافا لمن يقول : كل ما تستقذره النفس حرام ، ومن فوائده أن التحسين والتقبيح إنما هو بالشرع لكون اليمين مفضلة على اليسار واليد مفضلة على القدم . .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية