الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وحرض المؤمنين ) والمعنى أن الواجب على الرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو الجهاد وتحريض الناس في الجهاد ، فإن أتى بهذين الأمرين فقد خرج عن عهدة التكليف وليس عليه من كون غيره تاركا للجهاد شيء .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : عسى : حرف من حروف المقاربة وفيه ترج وطمع ، وذلك على الله تعالى محال .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب عنه أن " عسى " معناها الإطماع ، وليس في الإطماع أنه شك أو يقين ، وقال بعضهم : إطماع الكريم إيجاب .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : الكف المنع ، والبأس أصله المكروه ، يقال ما عليك من هذا الأمر بأس أي مكروه ، ويقال بئس الشيء هذا إذا وصف بالرداءة ، وقوله : ( بعذاب بئيس ) [ الأعراف : 165 ] أي مكروه ، والعذاب قد يسمى بأسا لكونه مكروها ، قال تعالى : ( فمن ينصرنا من بأس الله ) [ غافر : 29 ] ( فلما أحسوا بأسنا ) [ الأنبياء : 12 ] ( فلما رأوا بأسنا ) [ غافر : 84 ] قال المفسرون : عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ، وقد كف بأسهم ، فقد بدا لأبي سفيان وقال هذا عام مجدب وما كان معهم زاد إلا السويق ، فترك الذهاب إلى محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) يقال : نكلت فلانا إذا عاقبته عقوبة تنكل غيره عن ارتكاب مثله ، من قولهم : نكل الرجل عن الشيء إذا جبن عنه وامتنع منه ، قال تعالى : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها ) [ البقرة : 66 ] وقال في السرقة : ( بما كسبا نكالا من الله ) [ المائدة : 38 ] ويقال : نكل فلان عن اليمين إذا خافه ولم يقدم عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا عرفت هذا فنقول : الآية دالة على أن عذاب الله وتنكيله أشد من عذاب غيره ومن تنكيله ، وأقبل الوجوه في بيان هذا التفاوت أن عذاب غير الله لا يكون دائما ، وعذاب الله دائم في الآخرة ، وعذاب غير الله قد يخلص الله منه ، وعذاب الله لا يقدر أحد على التخلص منه ، وأيضا عذاب غير الله لا يكون إلا من وجه واحد ، وعذاب الله قد يصل إلى جميع الأجزاء والأبعاض والروح والبدن .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية