الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر استيلاء المرزبان على سميرم

قد ذكرنا أسر المرزبان وحبسه بسميرم ، وأما سبب خلاصه فإن والدته ، وهي ابنة جستان بن وهسوذان الملك ، وضعت جماعة للسعي في خلاصه ، فقصدوا سميرم ، وأظهروا أنهم تجار ، وأن المرزبان قد أخذ منهم أمتعة نفيسة ولم يوصل ثمنها إليهم ، واجتمعوا بمتولي سميرم ، ويعرف ببشير أسفار ، وعرفوه ما ظلمهم به المرزبان ، وسألوه أن [ ص: 204 ] يجمع بينهم ليحاسبوه وليأخذوا خطه إلى والدته بإيصال ما لهم إليهم ، فرق لهم بشير أسفار وجمع بينهم ، فطالبوه بمالهم ، فأنكر المرزبان ذلك ، فغمزه أحدهم ، ففطن لهم واعترف لهم ، وقال : حتى أتذكر مالكم ، فإنني لا أعرف مقداره ، فأقاموا هناك ، وبذلوا الأموال لبشير أسفار والأجناد ، وضمنوا لهم الأموال الجليلة إذا خلص ما لهم عند المرزبان ، فصاروا لذلك يدخلون الحصن بغير إذن ، وكثر اجتماعهم بالمرزبان وأوصلوا إليه أموالا من عند والدته ، وأخبارا ، وأخذوا منه ما عنده من الأموال .

وكان لبشير أسفار غلام أمرد ، جميل الوجه ، يحمل ترسه وزوبينه ، فأظهر المرزبان لذلك الغلام محبة شديدة وعشقا ، وأعطاه مالا كثيرا مما جاءه من والدته ، فواطأه على ما يريد ، وأوصل إليه درعا ومبارد ، فبرد قيده ، واتفق المرزبان وذلك الغلام والذين جاءوا لتخليص المرزبان على أن يقتلوا بشير أسفار في يوم ذكروه .

وكان بشير أسفار يقصد المرزبان كل أسبوع ذلك اليوم يفتقده وقيوده ويصبره ويعود ، فلما كان يوم الموعد ، دخل أحد أولئك التجار ، فقعد عند المرزبان ، وجلس آخر عند البواب ، وأقام الباقون عند باب الحصن ينتظرون الصوت ، ودخل بشير أسفار إلى المرزبان ، فتلطف به المرزبان وسأله أن يطلقه ، وبذل له أموالا جليلة وإقطاعا كثيرا ، فامتنع عليه ، وقال : لا أخون ركن الدولة أبدا . فنهض المرزبان وقد أخرج رجله من قيده ، وتقدم إلى الباب ، فأخذ الترس والزوبين من ذلك الغلام ، وعاد إلى بشير أسفار ، فقتله هو وذلك التاجر الذي عنده ، وثار الرجل الذي عند البواب به فقتله ، ودخل من كان عند باب الحصن إلى المرزبان .

وكان أجناد القلعة متفرقين ، فلما وقع الصوت اجتمعوا ، فرأوا صاحبهم قتيلا ، فسألوا الأمان ، فأمنهم المرزبان ، وأخرجهم من القلعة ، واجتمع إليه أصحابه وغيرهم ، وكثر جمعه ، وخرج فلحق بأمه وأخيه ، واستولى على البلاد على ما ذكرناه قبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية