الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمسبوق إذا وقعت ركعته الأخيرة خارجا من الوقت ، ففيه خلاف .

التالي السابق


(والمسبوق إذا وقعت ركعته الأخيرة خارجا عن الوقت ، ففيه خلاف) ، ومذهب أبي حنيفة إذا دخل وقت العصر ، وقد صلوا من الجمعة ركعة تبطل الصلاة جملة ، ويستأنفون الظهر ، وقال أحمد : يتمونها بركعة أخرى ، وتجزئهم جمعة ، فأما مذهب مالك في هذه المسألة ، فقد اختلف أصحابه عنه ، فقال ابن القاسم : تصح الجمعة ما لم تغرب الشمس ، فإن خرج وقتها المختار ، ودخل وقت العصر ، فإن كان قد صلى ركعة بسجدتيها قبل دخول وقت العصر أضاف إليها أخرى ، وتمت له جمعة ، وإن كان قد صلى ذلك بنى ، وأتمها ظهرا ، كذا في الإفصاح لابن هبيرة ، ثم الوقت المختار لجواز إقامة الجمعة بعد زوال الشمس من كبد السماء ، فلا يجوز قبل الزوال ، وبه قال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وقال أحمد : يجوز قبل الزوال ، وبه قال القطب محيي الدين بن العربي ، واختار الخرقي من الحنابلة الساعة السادسة ، ودليل الجماعة ما أخرجه البخاري كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي الجمعة حين تميل الشمس ، وواظب عليه الخلفاء الراشدون ، فصار إجماعا منهم على أن وقتها وقت الظهر ، فلا تصح قبله ، وتبطل بخروجه لفوات الشرط . والله أعلم .

والاعتبار في ذلك قال الله تعالى : ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ، فأمرنا بالنظر إليه ، والنظر إليه معرفته ، ولكن من حيث إنه مد الظل ، وهو إظهاره وجود عينك ، فما نظرت إليه من حيث أحدية ذاته في هذه المقام ، وإنما نظرت إليه من حيث أحدية فعله في إيجادك بالدلالة ، وهو صلاة الجمعة ، فإنها لا تجوز للمنفرد ، فإن شرطها ما زاد على الواحد ، فمن راعى هذه المعرفة الإلهية قال بصلاتها قبل الزوال ؛ لأنه مأمور بالنظر إلى ربه في هذه الحال ، والمصلي يناجي ربه ، ويواجهه في قبلته ، والضمير في عليه يطلبه أقرب مذكور ، وهو الظل ، ويطلبه الاسم الرب ، وإعادته على الرب أوجه ، فإنه بالشمس ضرب الله المثل في رؤيته يوم القيامة ، فقال على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - : ترون ربكم كما ترون الشمس بالظهيرة ؛ أي :

[ ص: 219 ] وقت الظهر ، وأراد عند الاستواء لقبض الظل في الشخص في ذلك الوقت لعموم النور ذات الرائي ، وهو حال فنائه عن رؤية نفسه في مشاهدة ربه ، ثم قال : ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ، وهو عند الاستواء ، ثم عاد إلى مده بدلوك الشمس ، وهو بعد الزوال فأظهر الظل بعد ما كان قبضه إليه ، فمن نظر إلى الحق في مده الظل بعد الزوال ، فعرفه بعد المشاهدة ، كما عرفه الأول قبل المشاهدة ، والحال الحال قال : إن وقت صلاة الجمعة بعد الزوال ؛ لأنه في هذا الوقت ثبتت له المعرفة بربه من حيث مده الظل ، وهنا يكون إعادة الضمير عليه على الرب أوجه ، وفي المصلي إياها قبل الزوال يكون إعادة الضمير على مد الظل أوجه ، فإنه عند الطلوع معاين مد الظل ، فينظر ما السبب في مده ، فيرى ذاته حائلة بين الظل والشمس ، فينظر إلى الشمس فيعرف من مد ظله ما للشمس في ذلك من الأثر ، فكان الظل على الشمس دليلا في النظر ، وكان الشمس على مد الظل دليلا في الأثر ، ومن لم يتنبه لهذه المعرفة إلا وهو في حد الاستواء ، ثم بعد ذلك بدلوك الشمس عاين امتداد الظل من ذاته قليلا قليلا جعل الشمس على مد الظل دليلا ، فكان دلوكها نظير مد الظل ، وكان الظل كذات الشمس ، فيكون الدلوك من الشمس منزلة المد من الظل ، فالمؤثر في المد إنما دلوك الشمس ، والمظهر للظل إنما هو عين الشمس بوجودك ، فإذا تبين هذا ، فمن صلى قبل الزوال الجمعة أصاب ، ومن صلاها بعد الزوال أصاب . والله أعلم .




الخدمات العلمية