الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  411 82 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء وأمدها ثنية الوداع ، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق ، وأن عبد الله بن عمر كان فيمن سابق بها .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة في قوله " إلى مسجد بني زريق " ، ورجاله تكرروا غير مرة .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن يحيى بن يحيى عن مالك ، وأخرجه أبو داود في الجهاد عن القعنبي عن مالك ، وأخرجه النسائي في الخيل عن محمد بن مسلمة والحارث بن مسكين - كلاهما عن ابن القاسم عن مالك .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله ( سابق ) من المسابقة ، وهي السبق الذي يشترك فيه الاثنان ، وباب المفاعلة يقتضي ذلك ، والخيل التي أضمرت هي التي كانت المسابقة بينها ، وكان فرس النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - بينها يسمى السكب ، وكان أغر محجلا طلق اليمين له مسحة ، وهو أول فرس ملكه وأول فرس غزا عليه ، واشتراه من أعرابي من بني فزارة بعشر أواق ، وكان اسمه عند الأعرابي الضرس فسماه رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - السكب ، وسابق عليه فسبق وفرح به ، وهو أول فرس سابق عليه فسبق وفرح المسلمون به .

                                                                                                                                                                                  قوله ( أضمرت ) بضم الهمزة على صيغة [ ص: 159 ] المجهول من الإضمار ، يقال : ضمر الفرس بالفتح وأضمرته أنا ، والضمر بضم الضاد وسكون الميم الهزال ، وكذلك الضمور ، وتضمير الفرس أن يعلف حتى يسمن ثم يرده إلى القوت وذلك في أربعين يوما ، وفي النهاية : وتضمير الخيل هو أن تظاهر عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا تعلف إلا قوتا لتخف ، وقيل : تشد عليها سروج وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها فيذهب رهلها ويشتد لحمها . قوله : " رهلها " بفتح الراء والهاء وباللام من رهل لحمه بالكسر اضطرب واسترخى ، قاله الجوهري . والمضمر الذي يضمر خيله لغزو أو سباق ، والمضمار الموضع الذي يضمر فيه الخيل وتكون وقتا للأيام التي يضمر فيها .

                                                                                                                                                                                  قوله ( من الحفياء ) بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء وبالياء آخر الحروف والألف الممدودة ، وقدم بعضهم الياء على الفاء ، وهو اسم موضع بينه وبين ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة أو سبعة ، وثنية الوداع عند المدينة سميت بذلك لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها ، والثنية - لغة - الطريقة إلى العقبة ، فاللام فيه للعهد .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وأمدها ) ، الأمد بفتح الهمزة وفتح الميم : الغاية .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بني زريق ) بضم الزاي المعجمة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره قاف ، وبنو زريق ابن عامر حارثة بن غضب بن جشم بن الخزرج ، وقال صاحب التوضيح : وبنو زريق بطن من الخوارج . قلت : تفسيره بهذا هنا غلط ، والصحيح هو الذي ذكرناه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وأن عبد الله ) يجوز أن يكون مقول عبد الله بن عمر بطريق الحكاية عن نفسه باسمه على لفظ الغيبة ، كما تقول عن نفسك : العبد فعل كذا ، ويجوز أن يكون مقول نافع .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بها ) ؛ أي : بالخيل ، أو بهذه المسابقة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستنبط منه ) : فيه جواز المسابقة بين الخيول وجواز تضميرها وتمرينها على الجري وإعدادها لذلك لينتفع بها عند الحاجة في القتال كرا وفرا ، وهذا إجماع ، وعن الشافعية أنها سنة ، وقيل : مباح ، وكانت الجاهلية يفعلونها فأقرها الإسلام ، ولا يختص جوازها بالخيل خلافا لقوم .

                                                                                                                                                                                  والحديث محمول على ما إذا كان بغير رهان ، والفقهاء شرطوا فيها شروطا ؛ منها : جواز الرهان من جانب واحد ، ومن الجانبين قمار إلا بمحلل ، وقد علم في موضعه ، وليس في الحديث دلالة على جواز ذلك ولا على منعه . وقال ابن التين : إنه - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل على حلل أتته من اليمن ، فأعطى السابق ثلاث حلل وأعطى الثاني حلتين والثالث حلة والرابع دينارا والخامس درهما والسادس فضة ، وقال : بارك الله فيك وفي كلكم وفي السابق والفسكل . قلت : الفسكل بكسر الفاء وسكون السين المهملة بينهما وفي آخره اللام ، وهو الذي يجيء في الجلبة آخر الخيل .

                                                                                                                                                                                  وفيه تجويع البهائم على وجه الصلاح وليس من باب التعذيب ، وفيه بيان الغاية ومقدار أمدها ، وفيه جواز إضافة المسجد إلى بانيه وإلى مصل فيه كما ذكرنا ، وكذلك تجوز إضافة أعمال البر إلى أربابها ونسبتها إليهم وليس في ذلك تزكية لهم . .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية