الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 388 ] حديث ثامن وأربعون من البلاغات

مالك أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى ، عن بيعتين في بيعة .

التالي السابق


وهذا يتصل ، ويستند من حديث ابن عمر ، وأبي هريرة ، وابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه صحاح ، وهو حديث مشهور ، عند جماعة الفقهاء ، معروف غير مرفوع عند واحد منهم .

حدثنا سعيد بن نصر ، ويحيى بن عبد الرحمن قالا : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا هشيم ، أخبرنا يونس ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى ، عن بيعتين في بيعة .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا هشيم ، عن يونس بن عبيد ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عن بيعتين في بيعة .

[ ص: 389 ] وأخبرنا محمد بن عبد الله قال : حدثنا الميمون بن حمزة قال : حدثنا الطحاوي قال : حدثنا المزني قال : حدثنا الشافعي قال : حدثنا الدراوردي ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة .

وأخبرنا عبد الرحمن بن مروان قال : حدثنا أبو محمد القلزمي قال : حدثنا ابن الجارود قال : حدثنا عبد الله بن هاشم قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة .

وأخبرنا إبراهيم بن شاكر ، حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا أحمد بن عمرو البزار ، حدثنا الفضل بن سهل ، حدثنا أسود بن عامر قال : حدثنا شريك ، عن سماك بن حرب ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة .

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن يحيى بن زكرياء ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا .

[ ص: 390 ] قال أبو عمر :

معنى هذا الحديث عند أهل العلم أن يبتاع الرجل سلعتين مختلفتين إحداهما بعشرة ، والأخرى بخمسة عشر ، قد وجب البيع في إحدى السلعتين بأيهما شاء المشتري هو في ذلك بالخيار بما سمى من الثمن ، ورد الأخرى ، ولا يعين المأخوذة من المتروكة ، فهذا من بيعتين في بيعة ، عند مالك وأصحابه ، فإن كان البيع على أن المشتري بالخيار فيهما جميعا بين أن يأخذ أيتهما شاء ، وبين أن يردهما جميعا ، ولا بيع بينهما فذلك جائز ، وليس من باب بيعتين في بيعة ، ومن ذلك أن يبتاع الرجل من آخر بعشرة نقدا ، أو بخمسة عشر إلى أجل قد وجبت للمشتري بأحد الثمنين ، وافترقا على ذلك ، مالك وغيره ، وقال مالك : هذا لا ينبغي ; لأنه إن أخر العشرة كانت خمسة عشر إلى أجل ، وإن نقد العشرة كان كأنه اشترى بالخمسة عشر إلى أجل ، قال مالك : وكذلك إذا باع رجل سلعة بدينار نقدا ، أو بشاة موصوفة إلى أجل قد وجب البيع عليه بأحد الثمنين ، ذلك مكروه لا ينبغي ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة ، وهذا من بيعتين في بيعة ، قال مالك : ومن ذلك أيضا أن يشتري منه العجوة خمسة عشر صاعا بدينار ، والصيحاني عشرة أصوع ، قد وجبت إحداهما ، فهذا من المخاطرة ، ويفسخ عند مالك هذا البيع أبدا ، فإن فات البيع ضمن المبتاع قيمته يوم قبضه لا يوم البيع بالغا ما بلغ ، إلا أن يكون مكيلا غير رطب ، فيرد مكيلته ، وإن قبض [ ص: 391 ] السلعتين ، وفاتتا ردا جميعا إلى القيمة يوم قبضهما المشتري بالغا ما بلغت ، وأما إذا كان ما قدمنا ذكره في السلعتين على وجه المساومة من غير إيجاب ، أو كان البيع على أن المشتري بالخيار فيهما جميعا بين أن يأخذ أيتهما شاء ، وبين أن يردهما جميعا ، ولا بيع بينهما فلا بأس بذلك ; لأن المشتري بالخيار في أي الثمنين شاء ، وبالخيار أيضا في الأخذ ، أو الترك .

وقال الشافعي : هما وجهان ، أحدهما أن يقول : قد بعتك هذا العبد بألف دينار نقدا ، أو بألفين إلى سنة ، قد وجب لك البيع بأيهما شئت أنا أو شئت أنت ، فهذا بيع الثمن فيه مجهول .

والثاني أن يقول : قد بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك بألف ، إذا وجب لك عبدي ، وجبت دارك لي ; لأن ما نقص كل واحد منهما مما باع ازداده فيما اشتراه ، فالبيع في هذا كله مفسوخ ، فإن فات ففيه القيمة حين قبض ، ومثل هذا عند الشافعي أن يبيعه سلعة بكذا على أن يبيعه بالثمن كذا كرجل قال لآخر : أبيعك ثوبي هذا بعشر دنانير على أن تبيعني بالعشرة دنانير دابة كذا ، أو سلعة كذا أو مثاقيل عدد كذا ، هذا كله من باب بيعتين في بيعة ، عند الشافعي وجماعة .

قال : ومن هذا الباب ، نهيه - عليه السلام - عن بيع وسلف ; لأن من سنته أن تكون الأثمان معلومة ، والبيع معلوما ، وإذا انعقد البيع على السلف ، والمنفعة بالسلف مجهولة ، فصار الثمن غير معلوم .

[ ص: 392 ] قال أبو عمر :

كل يخرج للحديث ( معنى ) على أصله ، ومن أصل مالك مراعاة الذرائع ، ومن أصل الشافعي ترك مراعاتها ، وللكلام في ذلك موضع غير هذا ، والله الموفق للصواب .

ولم يختلف قول مالك ، وأصحابه فيما علمت - من مشهور مذهبهم فيمن باع سلعته بدراهم على أن يأخذ بالدراهم دنانير ، وكان ذلك في عقد الصفقة - أن ذلك جائز ، وأن البيع إنما وقع بالدنانير لا بالدراهم ، وليس ذلك عندهم من باب بيعتين في بيعة ، وذلك ، عند الشافعي كما وصفنا .

واتفق مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة على فساد البيع إذا كان من باب بيعتين في بيعة على حسبما ذكرنا من النقد بكذا ، والنسيئة بكذا ، أو إلى أجلين ، أو نقدين مختلفين ، أو صفتين من الطعام مختلفتين ، وما أشبه هذا كله .

وقال الأوزاعي : لا بأس بذلك ، ولا يفارقه حتى يأتيه بأحد البيعتين ، وإن أخذ السلعة على ذلك ، فهي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين .

وقال ابن شبرمة : إذا فارقه على ذلك ففات ( البيع ) عليه أقل الثمنين نقدا .

[ ص: 393 ] قال أبو عمر :

عليه في قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، القيمة كسائر البيوع الفاسدة عندهم .




الخدمات العلمية