الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وسخر لكم الشمس والقمر دائبين أي دائمين في الحركة لا يفتران إلى انقضاء عمر الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها وكذلك القمر والقول بجريانهما إذا غربا تحت الأرض مروي أيضا عن الحسن البصري وهو الذي يشهد له العقل السليم وللإخباريين غير ذلك وظاهر الآية إثبات الحركة لهما أنفسهما والفلاسفة يثبتون لهما حركتين يسمون إحداهما الحركة الأولى وهي الحركة اليومية من المشرق إلى المغرب الحاصلة لهما بقسر المحدد لفلكيهما والأخرى الحركة الثانية وهي الحركة على توالي البروج من المغرب إلى المشرق الحاصلة لهما بحركة فلكيهما حركة ذاتية ولا يثبتون لهما حركة في ثخن الفلك على نحو حركة السمكة في الماء لصلابة الفلك وعدم قبوله الخرق أصلا عندهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأثبت الشيخ الأكبر قدس سره في فتوحاته حركتهما على ذلك النحو والفلك عنده مثل الماء والهواء .

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر بعض الإخباريين أنهما وسائر الكواكب معلقة بسلاسل من نور بأيدي ملائكة يسيرونها كيف شاء الله تعالى وحيث شاء سبحانه والأفلاك ساكنة عند هذا البعض وكذا عند الشيخ قدس سره على ما يقتضيه ظاهر كلامه والأخبار في هذا الباب ليست بحيث تسر ثغر الخصم وذكر النسفي أنه ليس فيما ما يعول عليه وكلام الفلاسفة ما لم يكن فيه مصادمة لما تحقق عن المخبر الصادق صلى الله عليه وسلم مما لا بأس به وفسر بعضهم دائبين بمجدين تعبين وهو على التشبيه والاستعارة وأصل الدأب العادة المستمرة ونصب الاسم على الحال وتسخير [ ص: 225 ] هذين الكوكبين العظيمين جعلهما منيرين مصلحين ما نيط بهما صلاحه من المكونات ولعمري إن الله سبحانه جعلهما أجدى من تفاريق العصا وفي كتاب المشارع والمطارحات للشيخ شهاب الدين السهروردي قتيل حلب أن تأثير الشمس والقمر أظهر الآثار السماوية وتأثير الشمس أظهر من تأثير القمر وأظهر الآثار بعد الشعاع التسخين الحاصل منه ولولا ذلك ما كان كون ولا فساد ولا استحالة ولا ليل ولا نهار ولا فصول ولا مزاج ولا حيوانات ولا غيرها وأطال الكلام في بيان ذلك وما يتعلق به ولا ضرر عندي في اعتقاد أنهما مؤثران بإذن الله تعالى كسائر الأسباب عند السلف الصالح وسخر لكم الليل والنهار . (33) . يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم وأرجح بعض المحققين التسخير في المواضع الأربعة إلى معنى التصريف وأصله سياقه الشيء إلى الغرض المختص به قهرا وذكر أن في التعبير عن ذلك به من الإشعار بما في ذلك من صعوبة المأخذ وعزة المنال والدلالة على عظم السلطان وشدة المحال ما لا يخفى والظاهر أنه في المعنى المراد به ها هنا مجاز في تلك المواضع جميعا ونقل أبو حيان عن المتكلمين أنه مجاز في الأخير منها قال : لأن الليل والنهار عرضان والأعراض لا تسخر وفيه قصور وفي إبراز كل من هذه النعم في جملة مستقلة تنويه لشأنها وتنبيه على رفعة مكانها وتنصيص على كون كل نعمة جليلة مستوجبة للشكر .

                                                                                                                                                                                                                                      وتأخير تسخير الشمس والقمر عن تسخير ما تقدم من الأمور مع ما بينه وبين خلق السماوات من المناسبة الظاهرة قيل : لاستتباع ذكرها لذكر الأرض المستدعي لذكر إنزال الماء منها إليها الموجب لذكر إخراج الرزق الذي من جملته ما يحصل بواسطة الفلك والأنهار أو للتفادي عن توهم كون الكل أعني خلق السماوات والأرض وتسخير الشمس والقمر نعمة واحدة وقد تقدم نظيره آنفا وذكر بعضهم في وجه ذكر هذه المتعاطفات على هذا الأسلوب أنه بدأ بخلق السماوات والأرض لأنهما أصلان يتفرع عليهما سائر ما يذكر بعد وثنى بإنزال الماء من السماء وإخراج الثمرات به لشدة تعلق النفوس بالرزق فيكون تقديمه من قبيل المسرة ولما كان الانتفاع بما ينبت من الأرض إنما يكمل بوجود الفلك الجواري في البحر وذلك لأنه تعالى خص كل طرف من أطراف الأرض بنوع من ذلك وبالنقل يكثر الربح ذكر سبحانه تسخير الفلك التي ينقل عليها واقتصر عليها اعتناء بشأنها ولما ذكر أمر الثمرات وما به يكمل الانتفاع بها من حيث النقل ذكر تسخير الأنهار العذبة التي يشرب منها الناس في سائر الأحيان إتماما لأمر الرزق وذكر تسخير الشمس والقمر بعد لأن الانتفاع بهما ليس بالمباشرة كالانتفاع بالفلك والانتفاع بالأنهار وأخر تسخير الليل والنهار لأنهما عرضان وما تقدمهما جوهر والعرض من حيث هو بعد الجواهر . اهـ . وليس بشيء يعول عليه

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية