الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            18507 وعن أبي بكر الصديق قال : أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فصلى الغداة ، فجلس حتى إذا كان من الضحى ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم مكث مكانه حتى صلى الأولى والعصر والمغرب ، كل ذلك لا يتكلم ، حتى صلى العشاء الآخرة ، ثم قام إلى بيته ، فقال الناس لأبي بكر : ألا تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شأنه ؟ صنع اليوم شيئا لم يصنعه قط ! فسأله فقال : " نعم . عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا وأمر الآخرة ، فجمع الأولون والآخرون بصعيد واحد ، فقطع الناس بذلك حتى انطلقوا إلى آدم - صلى الله عليه وسلم - والعرق يكاد يلجمهم ، قالوا : يا آدم ، أنت أبو البشر ، وأنت اصطفاك الله - عز وجل - اشفع لنا إلى ربنا ، قال : لقيت مثل الذي لقيتم ، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم ، إلى نوح ، إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين " .

                                                                                            قال : " فينطلقون إلى نوح - صلى الله عليه وسلم - فيقولون : اشفع لنا إلى ربنا ، فأنت اصطفاك الله ، واستجاب لك في دعائك ، ولم تدع على الأرض من الكافرين ديارا ، فيقول : ليس ذاكم عندي ، انطلقوا إلى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ; فإن الله - عز وجل - اتخذه خليلا . فينطلقون إلى إبراهيم فيقول : ليس ذاكم عندي ، انطلقوا إلى موسى - صلى الله عليه وسلم - ; فإن الله - عز وجل - كلمه تكليما ، فيقول موسى : - صلى الله عليه وسلم - : ليس ذاكم عندي ، ولكن انطلقوا إلى عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - ; فإنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى . فيقول عيسى - صلى الله عليه وسلم - : ليس ذاكم عندي ، انطلقوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فليشفع لكم إلى ربكم - عز وجل - " .

                                                                                            قال : " فينطلقون فيأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه ، فيخر ساجدا قدر جمعة ، ويقول - عز وجل - : ارفع رأسك ، وقل تسمع ، واشفع تشفع " . قال : " فيرفع رأسه ، فإذا نظر إلى ربه - عز وجل - خر ساجدا قدر جمعة أخرى ، فيقول الله - عز وجل - : ارفع رأسك ، وقل تسمع ، واشفع تشفع " .

                                                                                            قال : " فيذهب ليقع ساجدا ، فيأخذ جبريل - صلى الله عليه وسلم - بضبعيه ، فيفتح الله - عز وجل - عليه من الدعاء ما لا يفتحه على بشر قط ، يقول : رب خلقتني سيد ولد آدم ولا فخر ، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر ، حتى إنه ليرد علي الحوض أكثر ما بين صنعاء وأيلة ، ثم يقال : ادعوا الصديقين فيشفعون ، لمن أرادوا " .

                                                                                            قال : " فإذا فعل [ ص: 375 ] الشهداء ذلك يقول الله - عز وجل - : أنا أرحم الراحمين ، أدخلوا جنتي من لا يشرك بي شيئا " . قال : " فيدخلون الجنة ، ثم يقول الله - عز وجل - : انظروا في النار هل تلقون أحدا عمل خيرا قط ؟ " .

                                                                                            قال : " فيجدون في النار رجلا فيقولون : هل عملت خيرا قط ؟ فيقول : لا . غير أني كنت أسامح الناس في البيع [ والشراء ] ، فيقول الله - عز وجل - : اسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي .

                                                                                            ثم يخرجون من النار رجلا فيقول له : هل عملت خيرا قط ؟ فيقول : لا . غير أني [ قد ] أمرت ولدي إذا أنا مت فأحرقوني بالنار ، ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي في البحر فاذروني في الريح ، فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا ، فقال الله - عز وجل - له : لم فعلت ذلك ؟ قال : من مخافتك ! " . قال : " فيقول الله - عز وجل - : انظر إلى ملك أعظم ملك ، فإن لك مثله وعشرة أمثاله " . قال : " فيقول : لم تسخر بي وأنت الملك ؟ ! قال : وذاك الذي ضحكت منه من الضحى
                                                                                            " . رواه أحمد ، وأبو يعلى بنحوه ، والبزار ، ورجالهم ثقات .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية