الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 23 ] الطرف الثالث في حكم القسامة :

                                                                                                                                                                        فإذا أقسم الولي في محل اللوث ، فإن كان ادعى قتل خطأ أو شبه عمد ، وجبت الدية على عاقلة المحلوف عليه ، مخففة في الخطأ ، ومغلظة في شبه العمد ، وإن ادعى قتلا عمدا والمدعى عليه ممن يقتل بذلك القتيل ، فهل يجب القصاص بالقسامة ؟ قولان ، القديم : نعم ، والجديد الأظهر : لا ، فعلى الجديد تجب الدية في مال القاتل حالة ، وعلى القديم لا فرق بين أن تكون الدعوى على واحد ، أو جماعة كالبينة ، وخرج ابن سريج على القديم أن الولي يختار واحدا منهم ، فيقتله قصاصا ، ولا يقتل الجميع ، وقيل : على هذا يأخذ من الباقين حصتهم من الدية ، وهو ضعيف ، وإذا ادعى القتل على ثلاثة في محل اللوث .

                                                                                                                                                                        والحاضر منهم واحد ، فإن قال : تعمدوا جميعا ، أقسم على الحاضر خمسين يمينا ، وأخذ ثلث الدية من ماله على الجديد ، وعلى القديم له القصاص ، فإذا قدم أحد الغائبين ، فإن أقر ، اقتص منه ، وإن أنكر ، أقسم عليه المدعي ، وهل يقسم خمسين أم خمسا وعشرين ؟ وجهان ، ويقال : قولان ، أصحهما : الأول ، هكذا أطلقوه ، وينبغي أن يكون هذا على الخلاف السابق في جواز القسامة في غيبة المدعى عليه ، فإن جوزناها وذكره في الأيمان السابقة اكتفى بها ، ثم إذا حلف عليه ، عاد القولان ، الجديد والقديم ، فإذا قدم الثالث وأنكر فكم يحلف عليه ؟ فيه الخلاف السابق ، وإن قال : تعمد هذا الحاضر ، وكان الغائبان مخطئين ، أقسم على الحاضر ولا يقتص منه قطعا ، فإذا حضر الغائبان وأنكرا ، فكم يحلف عليهما ؟ فيه الخلاف ، وإن أقرا وصدقتهما العاقلة ، فالدية على العاقلة ، وإلا ففي مالهما مخففة ، وإن قال : تعمد الحاضر ولا أدري أتعمد الغائبان أم أخطآ ، أقسم على الحاضر خمسين وأخذ [ ص: 24 ] منه ثلث الدية على الجديد ، وعلى القديم يوقف الأمر حتى يحضرا ، فإن حضرا واعترفا بالتعمد ، اقتص منهما ويقتص من الأول أيضا في القديم ، وإن اعترفا بالخطأ ، وجبت الدية المخففة عليهما إن كذبتهما العاقلة ، وإلا فعلى العاقلة ، وإن أنكرا أصل القتل ، فهل يقسم المدعي ؟ فيه الوجهان السابقان فيما إذا ادعى القتل وظهر اللوث فيه ولم يذكر أنه عمد أم خطأ ، الأصح : لا يقسم ، فإن قلنا : يقسم ، فأقسم ، حبسا حتى يصفا القتل ، وكم يقسم ؟ فيه الخلاف ، ولو ادعى القتل على شخصين ، وعلى أحدهما لوث دون الآخر ، أقسم المدعي على الذي عليه لوث خمسين ، وفي الاقتصاص منه القولان ، وحلف الذي لا لوث عليه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا نكل المدعي عن القسامة في محل اللوث ، حلف المدعى عليه كما سبق ، فإن نكل ، فهل ترد اليمين على المدعي ؟ ينظر ، إن ادعى قتلا يوجب القصاص ، وقلنا : القسامة لا توجب القصاص ، ردت اليمين قطعا ; لأنه يستفيد بها ما لا يستفيد بالقسامة ، وهو القصاص ، وإن كان قتلا لا يوجب القصاص ، أو يوجبه وقلنا : القسامة توجبه ، فقولان ، أحدهما : لا ترد ; لأنه نكل عن اليمين في هذه الخصومة ، وأظهرهما : الرد ; لأنه إنما نكل عن يمين القسامة ، وهذه غيرها ، والسبب الممكن من تلك هو اللوث ، ومن هذه نكول المدعى عليه ، ولو كانت الدعوى في غير صورة اللوث ، ونكل المدعى عليه عن اليمين ، والمدعي عن اليمين المردودة ، ثم ظهر لوث وأراد المدعي أن يقسم فقد أجروا القولين في تمكينه منه ، ولو أقام المدعي شاهدا في دعوى بمال ، ونكل عن الحلف معه ، ونكل المدعى عليه عن اليمين المعروضة عليه ، فأراد المدعي أن يحلف [ ص: 25 ] اليمين المردودة ، عاد القولان هكذا أطلقوه ، ومقتضى ما ذكرنا في أول المسألة أن يقال : إن جرى ذلك في دعوى قتل يوجب قصاصا ، حلف اليمين المردودة قطعا ; لأنه لا يستفيد باليمين مع الشاهد القصاص ، ويستفيد باليمين المردودة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا حلف المدعى عليه تخلص عن المطالبة ، ولا يطالب أهل الموضع الذي وجد فيه القتيل ، ولا يأتي ذلك الموضع ولا عاقلته ولا عاقلة الحالف ولا غيرهم ، سواء كان المدعى قتلا عمدا أم خطأ ، وإذا حلف المدعي عند نكول المدعى عليه ، فإن كان المدعى قتلا عمدا ، ثبت القصاص ; لأن اليمين المردودة كالإقرار ، أو كالبينة ، والقصاص يثبت بكل منهما ، وإن كان المدعى خطأ ، أو شبه عمد ، وجبت الدية ، ثم قيل : إن قلنا : اليمين المردودة كالبينة ، فهي على عاقلته ، وإن قلنا : كالإقرار ، ففي ماله ، وقيل : في ماله مطلقا ; لأنها إنما تكون كالبينة في حق المتداعيين .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية