الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسألة الثانية عشرة

                        [ في كون الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به ]

                        الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به عند الجمهور .

                        أما كونه لا ينسخ فلأن الإجماع لا يكون إلا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والنسخ لا يكون بعد موته ، وأما في حياته فالإجماع لا ينعقد بدونه ، بل يكون قولهم المخالف لقوله لغوا باطلا ، لا يعتد به ، ولا يلتفت إليه ، وقولهم : الموافق لقوله لا اعتبار به ، بل الاعتبار بقوله وحده ، والحجة فيه لا في غيره .

                        فإذا عرفت هذا علمت أن الإجماع لا ينعقد إلا بعد أيام النبوة ، وبعد أيام النبوة قد انقطع الكتاب والسنة ، فلا يمكن أن يكون الناسخ منهما ، ولا يمكن أن يكون الناسخ للإجماع إجماعا آخر ; لأن هذا الإجماع الثاني إن كان لا عن دليل فهو خطأ ، وإن كان عن دليل ، فذلك يستلزم أن يكون الإجماع الأول خطأ ، والإجماع لا يكون خطأ ، فبهذا يستحيل أن يكون الإجماع ناسخا أو منسوخا .

                        [ ص: 562 ] ولا يصح أيضا أن يكون الإجماع منسوخا بالقياس ; لأن من شرط العمل به أن لا يكون مخالفا للإجماع .

                        وقد استدل من جوز ذلك ، بما قيل : من أن الأمة إذا اختلفت على قولين فهو إجماع ، على أن المسألة اجتهادية يجوز الأخذ بكليهما ، ثم يجوز إجماعهم على أحد القولين ، كما مر في الإجماع ، فإذا أجمعوا بطل الجواز ، الذي هو مقتضى ذلك الإجماع ، وهذا هو النسخ .

                        وأجيب : بأنا لا نسلم ذلك لوقوع الخلاف فيه كما تقدم ، ولو سلم فلا يكون نسخا ، لما تقدم من أن الإجماع الأول مشروط بعدم الإجماع الثاني .

                        وقال الشريف المرتضى : إن دلالة الإجماع مستقرة في كل حال قبل انقطاع الوحي وبعده .

                        قال : فالأقرب أن يقال : إن الأمة أجمعت على أن ما ثبت بالإجماع لا ينسخ ، ولا ينسخ به ، أي لا يقع ذلك ، لا أنه غير جائز ، ولا يلتفت إلى قول عيسى بن أبان : إن الإجماع ناسخ لما وردت به السنة ، من " وجوب الغسل من غسل الميت " انتهى .

                        قال الصيرفي : ليس لإجماع حظ في نسخ الشرع ; لأنهم لا يشرعون ، ولكن إجماعهم يدل على الغلط في الخبر ، أو رفع حكمه ، لا أنهم رفعوا الحكم ، وإنما هم أتباع لما أمروا به .

                        وقال بعض الحنابلة : يجوز النسخ بالإجماع ، لكن لا بنفسه ، بل بسنده ، فإذا رأينا نصا صحيحا ، والإجماع بخلافه ، استدللنا بذلك على نسخه ، وأن أهل الإجماع اطلعوا على ناسخ ، وإلا لما خالفوه . وقال ابن حزم : جوز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ، والإجماع على خلافه ، قال : وذلك دليل على أنه منسوخ ، قال : وهذا عندنا غلط فاحش ; لأن ذلك معدوم ، لقوله تعالى : [ ص: 563 ] إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وحي محفوظ . انتهى .

                        وممن جوز كون الإجماع ناسخا الحافظ البغدادي في كتاب الفقيه والمتفقه ومثله بحديث الوادي ، الذي في الصحيح حين نام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فما أيقظهم إلا حر الشمس .

                        وقال في آخره : فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها حين يذكرها ، ومن الغد للوقت قال : فإعادة الصلاة المنسية بعد قضائها حال الذكر ، وفي الوقت منسوخ بإجماع المسلمين أنه لا يجب ولا يستحب .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية