الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  7 6 - حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشأم في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه، فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبا، فقال: أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه، قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة، فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك: أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ [ ص: 78 ] فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: بم يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل فقرأه، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام، وكان ابن الناظور صاحب إيلياء وهرقل سقفا على نصارى الشأم يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوما خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك، قال ابن الناظور: وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان، قال: ردوهم علي، وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 79 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 79 ] وجه مناسبة ذكر هذا الحديث في هذا الباب هو أنه مشتمل على ذكر جمل من أوصاف من يوحى إليهم، والباب في كيفية بدء الوحي، وأيضا فإن قصة هرقل متضمنة كيفية حال النبي عليه الصلاة والسلام في ابتداء الأمر، وأيضا فإن الآية المكتوبة إلى هرقل والآية التي صدر بها الباب مشتملتان على أن الله تعالى أوحى إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بإقامة الدين وإعلان كلمة التوحيد، يظهر ذلك بالتأمل.

                                                                                                                                                                                  (بيان رجاله) وهم ستة، وقد ذكر الزهري وعبيد الله بن عبد الله وابن عباس وبقيت ثلاثة، الأول: أبو اليمان بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم واسمه الحكم بفتح الحاء المهملة والكاف ابن نافع بالنون والفاء الحمصي البهراني مولى امرأة من بهراء بفتح الباء الموحدة وبالمد يقال لها أم سلمة، روى عن خلق منهم إسماعيل بن عياش، وعنه خلائق منهم: أحمد، ويحيى بن معين، وأبو حاتم، والذهلي، ولد سنة ثمان وثلاثين ومائة، وتوفي سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائتين. وليس في الكتب الستة من اسمه الحكم بن نافع غير هذا، وفي الرواة: الحكم بن نافع آخر روى عنه الطبراني وهو قاضي القلزم.

                                                                                                                                                                                  والثاني: شعيب بن أبي حمزة بالحاء المهملة والزاي دينار القرشي الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، سمع خلقا من التابعين منهم الزهري، وعنه خلق وهو ثقة حافظ متقن، مات سنة اثنتين، وقيل: ثلاث وستين ومائة، وقد جاوز السبعين، وهذا الاسم مع أبيه من أفراد الكتب الستة ليس فيها سواه.

                                                                                                                                                                                  والثالث: أبو سفيان، واسمه صخر بالمهملة ثم بالمعجمة ابن حرب بالمهملة والراء وبالباء الموحدة ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي المكي، ويكنى بأبي حنظلة أيضا، ولد قبل الفيل بعشر وأسلم ليلة الفتح وشهد الطائف وحنينا، وأعطاه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من غنائم حنين مائة من الإبل وأربعين أوقية، وفقئت عينه الواحدة يوم الطائف والأخرى يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد، فنزل بالمدينة ومات بها سنة إحدى وثلاثين، وقيل: سنة أربع وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو والد معاوية وأخته صفية بنت حزن بن بحير بن الهدم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهي عمة ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، روى عنه ابن عباس وابنه معاوية وأبو سفيان في الصحابة جماعة، لكن أبو سفيان بن حرب من الأفراد.

                                                                                                                                                                                  (بيان الأسماء الواقعة فيه) منهم هرقل بكسر الهاء وفتح الراء على المشهور، وحكى جماعة إسكان الراء وكسر القاف كخندف، منهم الجوهري، ولم يذكر القزاز غيره، وكذا صاحب المرغب، ولما أنشد صاحب المحكم بيت لبيد بن ربيعة:

                                                                                                                                                                                  غلب الليالي خلف آل محرق وكما فعلن بتبع وبهرقل

                                                                                                                                                                                  بكسر الهاء وسكون الراء، قال: أراد هرقلا بفتح الراء فاضطر فغير، والهرقل المنخل، ودل هذا أن تسكين الراء ضرورة ليست بلغة، وجاء في الشعر أيضا على المشهور:

                                                                                                                                                                                  كدينار الهرقلي أصفرا

                                                                                                                                                                                  واحتج بعضهم في تسكين الراء بما أنشده أبو الفرج لدعبل بن علي الخزاعي في ابن عباد وزير المأمون:

                                                                                                                                                                                  أولى الأمور بضيعة وفساد أمر يدبره أبو عباد
                                                                                                                                                                                  وكأنه من دير هرقل مفلت فرد يجر سلاسل الأقياد

                                                                                                                                                                                  قلت: لا يحتج بدعبل في مثل هذا، ولئن سلمنا يكون هذا أيضا للضرورة، وزعم الجواليقي أنه عجمي تكلمت به العرب، وهو اسم علم له غير منصرف للعلمية والعجمة، ملك إحدى وثلاثين سنة، ففي ملكه مات النبي صلى الله عليه وسلم، ولقبه قيصر، كما أن كل من ملك الفرس، يقال له: كسرى، والترك، يقال له: خاقان، والحبشة: النجاشي، والقبط: فرعون، ومصر: العزيز، وحمير: تبع، والهند: دهمى، والصين: فغفور، والزنج: غانة، واليونان: بطليموس، واليهود: قيطون أو ماتح، والبربر: جالوت، والصابئة: نمرود، واليمن: تبعا، وفرعانة: إخشيد، والعرب من قبل العجم: النعمان، وأفريقية: جرجير، وخلاط: شهرمان، والسندفور والحزز: رتبيل، والنوبة: كابل، والصقالبة: ماجدا، والأرمن: تقفور، والأجات: خدواند كار وأشروشنه أفشين، وخوارزم: خوارزم شاه، وجرجان: صول، وآذربيجان: أصبهيذ، وطبرستان: سالار، وإقليم خلاط: شهرمان، ونيابة ملك الروم: مشق، وإسكندرية: ملك مقوقس.

                                                                                                                                                                                  وهرقل أول من ضرب الدينار وأحدث [ ص: 80 ] البيعة، فإن قلت: ما معنى الحديث الصحيح: " إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده "؟ قلت: معناه لا قيصر بعده بالشام ولا كسرى بعده بالعراق، قاله الشافعي في المختصر، وسبب الحديث أن قريشا كانت تأتي الشام والعراق كثيرا للتجارة في الجاهلية، فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لمخالفتهم أهل الشام والعراق بالإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: لا قيصر ولا كسرى أي بعدهما في هذين الإقليمين ولا ضرر عليكم، فلم يكن قيصر بعده بالشام ولا كسرى بعده بالعراق ولا يكون.

                                                                                                                                                                                  ومعنى قيصر النبقير والقاف على لغتهم غير صافية، وذلك أن أمه لما أتاها الطلق به ماتت فبقر بطنها عنه فخرج حيا، وكان يفخر بذلك لأنه لم يخرج من فرج، واسم قيصر في لغتهم مشتق من القطع لأن أحشاء أمه قطعت حتى أخرج منها، وكان شجاعا جبارا مقداما في الحروب، ومنهم دحية بفتح الدال وكسرها ابن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج بخاء مفتوحة معجمة ثم زاي ساكنة ثم جيم وهو العظيم، واسمه زيد مناة سمي بذلك لعظم بطنه ابن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف وهو زيد اللات، وقيل: ابن عامر الأكبر بن بكر بن زيد اللات، وهو ما ساقه المزي أولا، قال: وقيل: عامر الأكبر بن عوف بن بكر بن عوف بن عبد زيد اللات بن رفيدة بضم الراء وفتح الفاء بن ثور بن كلب بن وبرة بفتح الباء ابن تغلب بالغين المعجمة بن حلوان بن عمران بن الحاف بالحاء المهملة والفاء ابن قضاعة بن معد بن عدنان، وقيل: قضاعة إنما هو ابن مالك بن حمير بن سبأ، كان من أجل الصحابة وجها ومن كبارهم، وكان جبريل عليه الصلاة والسلام يأتي النبي عليه الصلاة والسلام في صورته، وذكر السهيلي عن ابن سلام في قوله تعالى أو لهوا انفضوا إليها قال: كان اللهو نظرهم إلى وجه دحية لجماله، وروي أنه كان إذا قدم الشام لم تبق معصر إلا خرجت للنظر إليه، قال ابن سعد: أسلم قديما ولم يشهد بدرا وشهد المشاهد بعدها، وبقي إلى خلافة معاوية، وقال غيره: شهد اليرموك وسكن المزة قرية بقرب دمشق، ومزة بكسر الميم وتشديد الزاي المعجمة، وليس في الصحابة من اسمه دحية سواه، ولم يخرج من الستة حديثه إلا السجستاني في سننه وهو من أصحاب المحدثين، قاله ابن البرقي، وقال البزار لما ساق الحديث من طريق عبد الله بن شداد بن الهاد عنه: لم يحدث عن النبي عليه الصلاة والسلام إلا هذا الحديث، ومنهم أبو كبشة رجل من خزاعة كان يعبد الشعرى العبور، ولم يوافقه أحد من العرب على ذلك، قاله الخطابي، وفي المختلف والمؤتلف للدارقطني أن اسمه وجز بن غالب من بني غبشان، ثم من بني خزاعة.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو الحسن الجرجاني النسابة في معنى نسبة الجاهلية إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأبي كبشة إنما ذلك عداوة له ودعوة إلى غير نسبه المعلوم المشهور، وكان وهب بن عبد مناف بن زهرة جده أبو آمنة يكنى بأبي كبشة، وكذلك عمرو بن زيد بن أسد النجاري أبو سلمى أم عبد المطلب كان يدعى أبا كبشة وهو خزاعي، وكان وجز بن غالب بن حارث أبو قيلة أم وهب بن عبد مناف بن زهرة أبو أم جده لأمه يكنى أبا كبشة وهو خزاعي، وكان أبوه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي يكنى بذلك أيضا، وقيل: إنه والد حليمة مرضعته حكاه ابن ماكولا، وذكر الكلبي في كتاب الدفائن أن أبا كبشة هو حاضن النبي عليه الصلاة والسلام زوج حليمة ظئر النبي عليه الصلاة والسلام، واسمه الحارث كما سلف، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا، ونقل ابن التين في الجهاد عن الشيخ أبي الحسن أن أبا كبشة جد ظئر النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: قيل: إن في أجداده ستة يسمون أبا كبشة، فأنكر ذلك.

                                                                                                                                                                                  (بيان الأسماء المبهمة) منها ابن الناطور، قال القاضي: هو بطاء مهملة، وعند الحموي: بالمعجمة، قال أهل اللغة: فلان ناطور بني فلان وناظرهم بالمعجمة المنظور إليه منهم، والناطور بالمهملة الحافظ النخل، عجمي تكلمت به العرب، قال الأصمعي: هو من النظر، والنبط يجعلون الظاء طاء، وفي العباب في فصل الطاء المهملة: الناطر والناطور حافظ الكرم والجمع النواطير، وقال ابن دريد: الناطور ليس بعربي، فافهم.

                                                                                                                                                                                  ومنها ملك غسان وهو الحارث بن أبي شمر أراد حرب النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج إليهم في غزوة ونزل قبيل ابن كندة ماء يقال له غسان بالمشلل فسموا به، وقال الجوهري: غسان اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا إليه منهم بنو جفنة رهط الملوك، ويقال: غسان اسم قبيلة، وقال ابن هشام: غسان ماء بسد مأرب، ويقال له: ماء [ ص: 81 ] بالمشلل قريب من الجحفة، وحكى المسعودي أن غسان ما بين زبيد وزمع بأرض اليمن والمشلل بضم الميم وفتح الشين المعجمة وتشديد اللام المفتوحة، قال في العباب: جبل يهبط منه إلى قديد، وقال صاحب المطالع: المشلل قديد من ناحية البحر وهو الجبل الذي يهبط منه إلى قديد.

                                                                                                                                                                                  ومنها بنو الأصفر وهم الروم; سموا بذلك لأن حبشيا غلب على ناحيتهم في بعض الدهور فوطئ نساءهم فولدت أولادا فيهم بياض الروم وسواد الحبشة فكانوا صفرا، فنسب الروم الى الأصفر; لذلك قاله ابن الأنباري، وقال الحربي: نسبة إلى الأصفر بن الروم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، قال القاضي عياض: وهو الأشبه، وعبارة القزاز، قال قوم: بنو الأصفر من الروم وهم ملوكهم، ولذلك قال علي بن زيد:


                                                                                                                                                                                  وبنو الأصفر الكرام ملوك الر روم لم يبق منهم مذكور

                                                                                                                                                                                  قال: ويقال: إنما سموا بذلك لأن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام كان رجلا أحمر أشعر الجلد، كان عليه خواتيم من شعر وهو أبو الروم، وكان الروم رجلا أصفر في بياض شديد الصفرة، فمن أجل ذلك سموا به، وتزوج عيصو بنت عمه إسماعيل بن إسحاق عليهما السلام، فولدت له الروم بن عيصو وخمسة أخرى، فكل من في الروم فهو من نسل هؤلاء الرهط، وفي المغيث: تزوج الروم بن عيصو إلى الأصفر ملك الحبشة، فاجتمع في ولده بياض الروم وسواد الحبشة، فأعطوا جمالا وسموا ببني الأصفر.

                                                                                                                                                                                  وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: تزوج بها طيل الرومي إلى النوبة فولد له الأصفر.

                                                                                                                                                                                  وفي التيجان لابن هشام: إنما قيل لعيصو بن إسحاق الأصفر لأن جدته سارة حلته بالذهب، فقيل له ذلك لصفرة الذهب، قال: وقال بعض الرواة: إنه كان أصفر أي أسمر إلى صفرة، وذلك موجود في ذريته إلى اليوم فإنهم سمر كحل الأعين، وفي خطف البارق كانت امرأة ملكت على الروم فخطبها كبار دولتها واختصموا فيها، فرضوا بأول داخل عليهم يتزوجها، فدخل رجل حبشي فتزوجها فولدت منه ولدا سمته أصفر لصفرته; فبنو الأصفر من نسله.

                                                                                                                                                                                  ومنها الروم، وهم هذا الجيل المعروف، قال الجوهري: هم من ولد الروم بن عيصو، واحدهم رومي كزنجي وزنج، وليس بين الواحد والجمع إلا الياء المشددة كما قالوا تمرة وتمر ولم يكن بين الواحد والجمع إلا الهاء.

                                                                                                                                                                                  وقال الواحدي: هم جيل من ولد إرم بن عيص بن إسحاق، غلب عليهم فصار كالاسم للقبيلة، وقال الرشاطي: الروم منسوبون إلى رومي بن النبطي بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام، فهؤلاء الروم من اليونانيين وقوم من الروم يزعمون أنهم من قضاعة من تنوخ وبهراء وسليخ، وكانت تنوخ أكثرها على دين النصارى، وكل هذه القبائل خرجوا مع هرقل عند خروجهم من الشام فتفرقوا في بلاد الروم.

                                                                                                                                                                                  ومنها قريش، وهم ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة، واسمه عامر دون سائر ولد كنانة، وهم: مالك، وملكان، ومويلك، وغزوان، وعمر، وعامر إخوة النضر لأبيه وأمه، وأمهم مرة بنت مر أخت تميم بن مر. وهذا قول الشعبي، وابن هشام، وأبي عبيدة، ومعمر بن المثنى، وهو الذي ذكره الجوهري ورجحه السمعاني وغيره.

                                                                                                                                                                                  قال النووي: وهو قول الجمهور، وقال الرافعي: قال الأستاذ أبو منصور: هو قول أكثر النسابين، وبه قال الشافعي وأصحابه، وهو أصح ما قيل.

                                                                                                                                                                                  وقيل: إن قريشا بنو فهر بن مالك، وفهر جماع قريش، ولا يقال لمن فوقه قرشي، وإنما يقال له: كناني. رجحه الزبيدي بن بكار، وحكاه عن عمه مصعب بن عبد الله، قال: وهو قول من أدركت من نساب قريش ونحن أعلم بأمورنا وأنسابنا.

                                                                                                                                                                                  وذكر الرافعي وجهين غريبين، قال: ومنهم من قال: هم ولد إلياس بن مضر، ومنهم من قال: هم ولد مضر بن نزار، وفي العباب: قريش قبيلة وأبوهم النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكل من كان من ولد النضر فهو قرشي دون ولد كنانة ومن فوقه، وقال قوم: سميت قريش بقريش بن يخلد بن غالب بن فهر وكان صاحب عيرهم، فكانوا يقولون: قدمت عير قريش وخرجت عير قريش، قال الصغاني: ذكر إبراهيم الحربي في غريب الحديث من تأليفه في تسمية قريش قريشا سبعة أقوال وبسط الكلام وأنا أجمع ذلك مختصرا، فقال: سأل عبد الملك أباه عن ذلك، فقال: لتجمعهم إلى الحرم، والثاني: أنهم كانوا يتقرشون البياعات فيشترونها، والثالث: أنه جاء النضر بن كنانة في ثوب له يعني اجتمع في ثوبه، فقالوا: قد تقرش في ثوبه، والرابع: قالوا: جاء إلى قومه، فقالوا: كأنه جمل قريش أي شديد، والخامس: أن ابن عباس سأله عمرو بن العاص رضي الله عنهم: لم سميت قريشا؟ قال: بدابة في البحر تسمى قريشا [ ص: 82 ] والسادس: قال عبد الملك بن مروان: سمعت أن قصيا كان يقال له القرشي لم يسم قرشي قبله، والسابع: قال معروف بن خربوذ: سميت قريشا لأنهم كانوا يفتشون الحاج عن خلتهم فيسدونها، انتهى.

                                                                                                                                                                                  وقال الزهري: إنما نبذت فهرا أمه بقريش كما يسمى الصبي غرارة وشملة وأشباه ذلك، وقيل: من القرش وهو الكسب، وقال الزبير: قال عمي: سميت قريش برجل يقال له قريش بن بدر بن يخلد بن النضر كان دليل بني كنانة في تجاراتهم، فكان يقال: قدمت عير قريش، وأبوه بدر صاحب بدر الموضع، وقال غير عمي: سميت بقريش بن الحارث بن يخلد اسمه بدر التي سميت به بدر وهو احتفرها.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني: وسأل معاوية ابن عباس رضي الله عنهما: بم سميت قريش؟ قال: بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى. والتصغير للتعظيم، وقال الليث: القرش الجمع من هاهنا وهاهنا وضم بعض إلى بعض، يقال: قرش يقرش قرشا، وقال ابن عباد: قرش الشيء خفيقه وصوته، يقال: سمعت قرشه أي وقع حوافر الخيل وقرش الشيء إذا قطعه وقرضه، وقال غيره: قرش بكسر الراء جمع لغة في فتحها، والقرش دابة من دواب البحر، وأقرشت الشجة إذا صدعت العظم ولم تهشمه، والتقريش التحريش والإغراء، والتقريش الاكتساب، وتقرشوا تجمعوا، وتقرش فلان الشيء إذا أخذه أولا فأولا، فإن أردت بقريش الحي صرفته وإن أردت به القبيلة لم تصرفه والأوجه صرفه، قال تعالى لإيلاف قريش والنسبة إليه قرشي وقريشي بالياء وحذفها، ومنها قوله إلى صاحب له، يقال: هو صفاطر الأسقف الرومي، وقيل في اسمه يقاطر.

                                                                                                                                                                                  (بيان أسماء الأماكن فيه) قوله " بالشأم " مهموز، ويجوز تركه وفيه لغة ثالثة شآم بفتح الشين والمد وهو مذكر ويؤنث أيضا، حكاه الجوهري والنسبة إليه شامي وشآم بالمد على فعال، وشاءمى بالمد والتشديد حكاها الجوهري عن سيبويه وأنكرها غيره لأن الألف عوض من ياء النسب فلا يجمع بينهما سمى بشامات هناك حمر وسود.

                                                                                                                                                                                  وقال الرشاطي: الشام جمع شامة سميت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها ببعض فشبهت بالشامات، وقيل: سميت بسام بن نوح عليه السلام; وذلك لأنه أول من نزلها فجعلت السين شينا، وقال أبو عبيد: لم يدخلها سام قط، وقال أبو بكر بن الأنباري: يجوز أن يكون مأخوذا من اليد الشومى وهي اليسرى لكونها من يسار الكعبة وحد الشام طولا من العريش إلى الفرات، وقيل: إلى بالس، وقال أبو حيان في صحيحه: أول الشام بالس وآخره العريش، وأما حده عرضا فمن جبل طي من نحو القبلة إلى بحر الروم وما يسامت ذلك من البلاد، وقال ابن حوقل: أما طول الشام فخمس وعشرون مرحلة من ملطية إلى رفح، وأما عرضه فأعرض ما فيه طرفاه فأحد طرفيه من الفرات من جسر منبح على منبح ثم على قورص في حد قسرين، ثم على العواصم في حد أنطاكية، ثم مقطع جبل اللكام، ثم على المصيصة، ثم على أذنة، ثم على طرسوس. وذلك نحو عشر مراحل، وهذا هو السمت المستقيم، وأما الطرف الآخر فهو من حد فلسطين فيأخذ من البحر من حد يافا حتى ينتهي إلى الرملة، ثم إلى بيت المقدس، ثم إلى أريحا، ثم إلى زعز، ثم إلى جبل الشراة إلى أن ينتهي إلى معان. ومقدار هذا ست مراحل، فأما ما بين هذين الطرفين من الشام فلا يكاد يزيد عرضه موضعا من الأردن ودمشق وحمص على أكثر من ثلاثة أيام، وقال الملك المؤيد: وقد عد ابن حوقل ملطية من جملة بلاد الشام وابن خرداذيه جعلها من الثغور الجزيرية، والصحيح أنها من الروم، ودخله النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها، ودخله أيضا عشرة آلاف صحابي، قاله ابن عساكر في تاريخه، وقال الكرماني: دخله نبينا عليه الصلاة والسلام مرتين قبل النبوة مرة مع عمه أبي طالب وهو ابن ثنتي عشرة سنة حتى بلغ بصرى، وهو حين لقيه الراهب، والتمس الرد إلى مكة، ومرة في تجارة خديجة رضي الله تعالى عنها إلى سوق بصرى وهو ابن خمس وعشرين سنة ومرتين بعد النبوة، إحداهما ليلة الإسراء وهو من مكة، والثانية في غزوة تبوك وهو من المدينة.

                                                                                                                                                                                  قوله " بإيلياء " وهي بيت المقدس، وفيه ثلاث لغات: أشهرها كسر الهمزة واللام وإسكان الياء آخر الحروف بينهما وبالمد، والثانية مثلها إلا أنه بالقصر، والثالثة الياء بحذف الياء الأولى وإسكان اللام وبالمد. حكاهن ابن قرقول، وقال: قيل: معناه بيت الله، وفي الجامع: أحسبه عبرانيا، ويقال: الإيلياء، كذا رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده في مسند ابن عباس رضي الله عنهما، ويقال: بيت المقدس وبيت المقدس، قوله " بصرى " بضم الباء الموحدة مدينة حوران مشهورة ذات قلعة، وهي قريبة من طرف العمارة والبرية التي بين الشام والحجاز [ ص: 83 ] وضبطها الملك المؤيد بفتح الباء، والمشهور على ألسنة الناس بالضم ولها قلعة ذات بناء وبساتين، وهي على أربع مراحل من دمشق: مدينة أولية مبنية بالحجارة السود وهي من ديار بني فزارة وبني مرة وغيرهم، وقال ابن عساكر: فتحت صلحا في ربيع الأول لخمس بقين سنة ثلاث عشرة، وهي أول مدينة فتحت بالشام.

                                                                                                                                                                                  قوله " إلى مدائن ملكك " جمع مدينة، ويجمع أيضا على مدن بإسكان الدال وضمها، قالوا: المدائن بالهمز أفصح من تركه وأشهر، وبه جاء القرآن، قال الجوهري: مدن بالمكان أقام به، ومنه سميت المدينة وهي فعيلة، وقيل: مفعلة من دينت أي ملكت، وقيل: من جعله من الأول همزه، ومن الثاني حذفه كما لا يهمز معايش.

                                                                                                                                                                                  وقال الجوهري: والنسبة إلى المدينة النبوية مدني وإلى مدينة المنصور مديني، وإلى مداين كسرى مدايني للفرق بين النسب لئلا تختلط، قلت: ما ذكره محمول على الغالب وإلا فقد جاء فيه خلاف ذلك كما يجيء في أثناء الكتاب إن شاء الله تعالى، قوله " بالرومية " بضم الراء وتخفيف الياء مدينة معروفة للروم، وكانت مدينة رياستهم، ويقال: إن روماس بناها، قلت: قد ذكرت في تاريخي أنها تسمى رومة أيضا وهي الرومية الكبرى وهي مدينة مشهورة على جانبي نهر الصغر، وهي مقرة خليفة النصارى المسمى بالباب، وهي على جنوبي حوز البنادقة، وبلاد رومية غربي قلفرية.

                                                                                                                                                                                  وقال الإدريسي: طول سورها أربعة وعشرون ميلا، وهو مبني بالآجر، ولها واد يشق وسط المدينة وعليه قناطير يجاز عليها من الجهة الشرقية إلى الغربية، وقال أيضا: امتداد كنيستها ستمائة ذراع في مثله وهي مسقفة بالرصاص ومفروشة بالرخام، وفيها أعمدة كثيرة عظيمة، وفي صدر الكنيسة كرسي من ذهب يجلس عليه الباب وتحته باب مصفح بالفضة يدخل منه إلى أربعة أبواب، واحد بعد آخر يفضي إلى سرداب فيه مدفن بطرس حواري عيسى عليه الصلاة والسلام، وفي الرومية كنيسة أخرى فيها مدفن بولص.

                                                                                                                                                                                  قوله " إلى حمص " بكسر الحاء وسكون الميم بلدة معروفة بالشام سميت باسم رجل من العمالقة اسمه حمص بن المهر بن حاف، كما سميت حلب بحلب بن المهر، وكانت حمص في قديم الزمان أشهر من دمشق.

                                                                                                                                                                                  وقال الثعلبي: دخلها تسعمائة رجل من الصحابة، افتتحها أبو عبيدة بن الجراح سنة ست عشرة، قال الجواليقي: وليست عربية تذكر وتؤنث.

                                                                                                                                                                                  قال البكري: ولا يجوز فيها الصرف كما يجوز في هند لأنه اسم أعجمي، وقال ابن التين: يجوز الصرف وعدمه لقلة حروفه وسكون وسطه، قلت: إذا أنثته تمنعه من الصرف لأن فيه حينئذ ثلاث علل: التأنيث، والعجمة، والعلمية. فإذا كان سكون وسطه يقاوم أحد السببين يبقى بسببين أيضا، وبالسببين يمنع من الصرف كما في ماه وجور، ويقال: سميت برجل من عاملة هو أول من نزلها، وقال ابن حوقل: هي أصح بلاد الشام تربة وليس فيها عقارب وحيات.

                                                                                                                                                                                  قوله " في دسكرة " بفتح الدال والكاف وسكون السين المهملة وهو بناء كالقصر حوله بيوت وليس بعربي وهي بيوت الأعاجم، وفي جامع القزاز: الدسكرة الأرض المستوية، وقال أبو زكريا التبريزي: الدسكرة مجتمع البساتين والرياض، وقال ابن سيده: الدسكرة الصومعة.

                                                                                                                                                                                  وأنشد الأخطل:


                                                                                                                                                                                  في قباب حول دسكرة حولها الزيتون قد ينعا

                                                                                                                                                                                  وفي المغيث لأبي موسى: الدسكرة بناء على صورة القصر فيها منازل وبيوت للخدم والحشم، وفي الجامع: الدسكرة تكون للملوك تتنزه فيها، والجمع الدساكرة، وقيل: الدساكر بيوت الشراب، وفي الكامل للمبرد: قال أبو عبيدة: هذا الشعر مختلف فيه، فبعضهم ينسبه إلى الأحوص وبعضهم إلى يزيد بن معاوية، وقال علي بن سليمان الأخفش: الذي صح أنه ليزيد، وزعم ابن السيد في كتابه المعروف بالغرر شرح كامل المبرد أنه لأبي دهبل الجمحي، وقال الحافظ مغلطاي بعد أن نقل أن البيت المذكور للأخطل، وفيه نظر من حيث إن هذا البيت ليس للأخطل، وذلك أني نظرت عدة روايات من شعره ليعقوب وأبي عبيدة والأصمعي والسكري والحسن بن المظفر النيسابوري فلم أر فيها هذا البيت ولا شيئا على رويه، قلت: قائله يزيد بن معاوية بن أبي سفيان من قصيدة يتغزل بها في نصرانية كانت قد ترهبت في دير خراب عند الماطرون وهو بستان بظاهر دمشق يسمى اليوم المنطور وأولها:


                                                                                                                                                                                  آب هذا الليل فاكتنعا وأمر النوم فامتنعا
                                                                                                                                                                                  راعيا للنجم أرقبه فإذا ما كوكب طلعا
                                                                                                                                                                                  [ ص: 84 ] حان حتى إنني لا أرى أنه بالغور قد رجعا
                                                                                                                                                                                  ولها بالماطرون إذا أكل النمل الذي جمعا
                                                                                                                                                                                  خزفة حتى إذا ارتبعت ذكرت من جلق بيعا
                                                                                                                                                                                  في قباب حول دسكرة حو لها الزيتون قد ينعا

                                                                                                                                                                                  وهي من الرمل آب أي رجع، قوله " فاكتنعا " أي فرسا، قوله " خزفة " بكسر الخاء المعجمة ما يختزق من التمر أي يجتنى، قوله " ينعا " بفتح الياء آخر الحروف والنون من: ينع التمر يينع، من باب ضرب يضرب ينعا وينعا وينوعا إذا نضج، وكذلك أينع.

                                                                                                                                                                                  (بيان لطائف إسناده) منها أن فيها رواية حمصي عن حمصي عن شامي عن مدني.

                                                                                                                                                                                  ومنها أنه قال أولا حدثنا، وثانيا أخبرنا، وثالثا بكلمة عن، ورابعا بلفظ أخبرني محافظة على الفرق الذي بين العبارات أو حكاية عن ألفاظ الرواة بأعيانها مع قطع النظر عن الفرق أو تعليما لجواز استعمال الكل إذا قلنا بعدم الفرق بينها.

                                                                                                                                                                                  ومنها: ليس في البخاري مثل هذا الإسناد يعني عن أبي سفيان لأنه ليس له في الصحيحين، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي حديث غيره، ولم يرو عنه إلا ابن عباس رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  (بيان تعدد الحديث) قال الكرماني: قد ذكر البخاري حديث هرقل في كتابه في عشرة مواضع، قلت: ذكره في أربعة عشر موضعا:

                                                                                                                                                                                  الأول: هاهنا كما ترى.

                                                                                                                                                                                  الثاني: في الجهاد عن إبراهيم بن حمزة، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح.

                                                                                                                                                                                  الثالث: في التفسير، عن إبراهيم بن موسى، عن هشام.

                                                                                                                                                                                  الرابع: فيه أيضا عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرزاق، قالا: حدثنا معمر كلهم عن الزهري به.

                                                                                                                                                                                  الخامس: في الشهادات عن إبراهيم بن حمزة، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن الزهري مختصرا " سألتك هل يزيدون أو ينقصون ".

                                                                                                                                                                                  السادس: في الجزية عن يحيى بن بكير، عن الليث، عن يونس، عن الزهري مختصرا.

                                                                                                                                                                                  السابع: في الأدب عن أبي بكير، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري مختصرا أيضا.

                                                                                                                                                                                  الثامن: فيه أيضا عن محمد بن مقاتل، عن عبد الله، عن يونس، عن الزهري مختصرا.

                                                                                                                                                                                  التاسع: في الإيمان.

                                                                                                                                                                                  العاشر: في العلم.

                                                                                                                                                                                  الحادي عشر: في الأحكام.

                                                                                                                                                                                  الثاني عشر: في المغازي.

                                                                                                                                                                                  الثالث عشر: في خبر الواحد.

                                                                                                                                                                                  الرابع عشر: في الاستئذان.

                                                                                                                                                                                  (بيان من أخرجه غيره) أخرجه مسلم في المغازي عن خمسة من شيوخه: إسحاق بن إبراهيم، وابن أبي عمرو، وأبي رافع، وعبد بن حميد، والحلواني عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري به بطوله. وعن الآخرين، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح، عن الزهري به. وأخرجه أبو داود في الأدب، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في التفسير ولم يخرجه ابن ماجه.

                                                                                                                                                                                  (بيان اللغات) قوله " في ركب " بفتح الراء جمع راكب كتجر وتاجر، وقيل: اسم جمع كقوم وذود وهو قول سيبويه، وهم أصحاب الإبل في السفر العشرة فما فوقها. قاله ابن السكيت وغيره.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن سيده: أرى أن الركب يكون للخيل والإبل، وفي التنزيل: والركب أسفل منكم فقد يجوز أن يكون منهما جميعا، وقول علي رضي الله عنه: ما كان معنا يومئذ فرس إلا فرس عليه المقداد بن الأسود يصحح أن الركب هاهنا ركاب الإبل، قالوا: والركبة بفتح الراء والكاف أقل منه والركوب بالضم أكثر منه، وجمع الركب أركب وركوب، والجمع أراكب، والركاب الإبل واحدها راحلة وجمعها ركب.

                                                                                                                                                                                  وفي بعض طرق هذا الحديث أنهم كانوا ثلاثين رجلا منهم أبو سفيان; رواه الحاكم في الإكليل، وفي رواية ابن السكن: نحو من عشرين، وسمى منهم المغيرة بن شعبة في مصنف ابن أبي شيبة بسند مرسل، وفيه نظر لأنه إذ ذاك كان مسلما، قاله بعضهم، ولكن إسلامه لا ينافي مرافقتهم وهم كفار إلى دار الحرب.

                                                                                                                                                                                  قوله " تجار " بضم التاء المثناة من فوق وتشديد الجيم وكسرها وبالتخفيف جمع تاجر، ويقال أيضا: تجر كصاحب وصحب.

                                                                                                                                                                                  قوله " وحوله " بفتح اللام، يقال: حوله وحواله وحوليه وحواليه أربع لغات واللام مفتوحة فيهن أي يطوفون به من جوانبه، قال الجوهري: ولا تقل حواليه بكسر اللام.

                                                                                                                                                                                  قوله " عظماء الروم " جمع عظيم.

                                                                                                                                                                                  قوله " وترجمانه "، وفي الجامع الترجمان الذي يبين الكلام، يقال: بفتح التاء وضمها، والفتح أحسن عند قوم، وقيل: الضم يدل [ ص: 85 ] على أن التاء أصل لأنه يكون فعللان كعقرباب، ولم يأت فعللان، وفي الصحاح: والجمع التراجم مثل زعفران وزعافر، ولك أن تضم التاء كضمة الجيم، ويقال: الترجمان هو المعبر عن لغة بلغة وهو معرب، وقيل: عربي، والتاء فيه أصلية.

                                                                                                                                                                                  وأنكر على الجوهري قوله إنها زائدة، وتبعه ابن الأثير فقال في نهايته: والتاء والنون زائدتان، قوله " فإن كذبني " بالتخفيف من كذب يكذب كذبا وكذبا وكذبة، وفي العباب: وأكذوبة وكاذبة ومكذوبا ومكذوبة.

                                                                                                                                                                                  وزاد ابن الأعرابي: مكذبة وكذبانا، مثل غفران. وكذبى مثل بشرى; فهو كاذب وكذاب وكذوب وكيذبان وكيذبان ومكذبان. وكذبة مثل تؤدة، وكذبذب وكذبذبان بالضمات الثلاث.

                                                                                                                                                                                  ولم يذكر سيبويه فيما ذكر من الأمثلة، وكذبذب بالتشديد، وجمع الكذوب كذب مثال صبور وصبر، ويقال: كذب كذابا بالضم والتشديد أي متناهيا، وقرأ عمر بن عبد العزيز: وكذبوا بآياتنا كذابا، ويكون صيغة على المبالغة كوضاء وحسان، والكذب نقيض الصدق، ثم معنى قوله " فإن كذبني " أي نقل إلي الكذب وقال لي خلاف الواقع.

                                                                                                                                                                                  وقال التيمي: كذب يتعدى إلى المفعولين، يقال: كذبني الحديث، وكذا نظيره صدق; قال الله تعالى: لقد صدق الله رسوله الرؤيا وهما من غرائب الألفاظ; ففعل بالتشديد يقتصر على مفعول واحد، وفعل بالتخفيف يتعدى إلى مفعولين.

                                                                                                                                                                                  قوله " من أن يأثروا " بكسر الثاء المثلثة وضمها من أثرت الحديث بالقصر آثره بالمد وضم المثلثة وكسرها أثرا ساكنة الثاء حدثت به، ويقال: أثرت الحديث أي رويته، ومعناه: لولا الحياء من أن رفقتي يروون عني ويحكون في بلادي عني كذبا فأعاب به; لأن الكذب قبيح وإن كان على العدو; لكذبت.

                                                                                                                                                                                  ويعلم منه قبح الكذب في الجاهلية أيضا، وقيل: هذا دليل لمن يدعي أن قبح الكذب عقلي، وقال الكرماني: لا يلزم منه لجواز أن يكون قبحه بحسب العرف أو مستفادا من الشرع السابق، قلت: بل العقل يحكم بقبح الكذب وهو خلاف مقتضى العقل، ولم تنقل إباحة الكذب في ملة من الملل.

                                                                                                                                                                                  قوله " لكذبت عنه " أي لأخبرت عن حاله بكذب لبغضي إياه ولمحبتي نقصه، قوله " قط " فيها لغتان أشهرهما فتح القاف وتشديد الطاء المضمومة. قال الجوهري: معناها الزمان، يقال: ما رأيته قط، قال: ومنهم من يقول قط بضمتين، وقط بتخفيف الطاء وفتح القاف وضمها مع التخفيف وهي قليلة.

                                                                                                                                                                                  قوله " فأشراف الناس " أي كبارهم وأهل الإحسان، وقال بعضهم: المراد بالأشراف هنا أهل النخوة والتكبر منهم لا كل شريف حتى لا يرد مثل أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وأمثالهما ممن أسلم قبل هذا السؤال. قلت: هذا على الغالب وإلا فقد سبق إلى اتباعه أكابر أشراف زمنه; كالصديق والفاروق وحمزة وغيرهم. وهم أيضا كانوا أهل النخوة، والأشراف جمع شريف من الشرف، وهو العلو والمكان العالي، وقد شرف بالضم فهو شريف، وقوم شرفاء وأشراف.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن السكيت: الشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء، والحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له أب، وقال ابن دريد: الشرف علو الحسب.

                                                                                                                                                                                  قوله " سخطة " بفتح السين وهو الكراهة للشيء وعدم الرضا به، وقال بعضهم: سخطة بضم أوله وفتحه وليس بصحيح، بل السخطة بالتاء إنما هي بالفتح فقط، والسخط بلا تاء يجوز فيه الضم والفتح مع أن الفتح يأتي بفتح الخاء والسخط بالضم يجوز فيه الوجهان ضم الخاء معه وإسكانها.

                                                                                                                                                                                  وفي العباب: السخط والسخط; مثال خلق وخلق، والسخط بالتحريك والمسخط خلاف الرضا; تقول: منه سخط يسخط أي غضب، وأسخطه أي أغضبه، وتسخط أي تغضب.

                                                                                                                                                                                  وفي بعض الشروح: والمعنى أن من دخل في الشيء على بصيرة يمتنع رجوعه بخلاف من لم يدخل على بصيرة، ويقال: أخرج بهذا من ارتد مكرها أو غير مكره لا لسخط دين الإسلام بل لرغبة في غيره لحظ نفساني كما وقع لعبد الله بن جحش، قوله " يغدر " بكسر الدال، والغدر ترك الوفاء بالعهد وهو مذموم عند جميع الناس، قوله " سجال " بكسر السين وبالجيم وهو جمع سجل وهو الدلو الكبير، والمعنى: الحرب بيننا وبينه نوب نوبة لنا ونوبة له، كما قال الشاعر:

                                                                                                                                                                                  فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر

                                                                                                                                                                                  والمساجلة المفاخرة بأن تصنع مثل صنعه في جري أو سعي.

                                                                                                                                                                                  قوله " ينال " أي يصيب; من نال ينال نيلا ونالا، قوله " ويأمرنا بالصلاة " أراد بها الصلاة المعهودة التي مفتتحها التكبير ومختتمها التسليم، قوله " والصدق " وهو القول المطابق للواقع ويقابله الكذب، قوله " والعفاف " بفتح العين الكف عن المحارم وخوارم المروءة، وقال صاحب المحكم: العفة [ ص: 86 ] الكف عما لا يحل ولا يجمل، يقال: عف يعف عفا وعفافا وعفافة وعفة، وتعفف واستعف ورجل عف وعفيف، والأنثى عفيفة، وجمع العفيف أعفة وأعفاء.

                                                                                                                                                                                  قوله " والصلة " وهي كل ما أمر الله تعالى أن يوصل، وذلك بالبر والإكرام وحسن المراعاة، ويقال: المراد بها صلة الرحم، وهي تشريك ذوي القرابات في الخيرات، واختلفوا في الرحم، فقيل: هو كل ذي رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما فلا يدخل أولاد الأعمام فيه، وقيل: هو عام في كل ذي رحم في الميراث محرما أو غيره.

                                                                                                                                                                                  قوله " يأتسي " أي يقتدي ويتبع، وهو بهمزة بعد الياء.

                                                                                                                                                                                  قوله " بشاشة القلوب " بفتح الباء، وبشاشة الإسلام وضوحه، يقال: بش به وتبشبش، ويقال: بش بالشيء يبش بشاشة إذا أظهر بشرى عند رؤيته، وقال الليث: البش اللطف في المسألة والإقبال على أخيك.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن الأعرابي: هو فرح الصدر بالصديق، وقال ابن دريد: بشه إذا ضحك إليه ولقيه لقاء جميلا.

                                                                                                                                                                                  قوله " الأوثان " جمع وثن، وهو الصنم وهو معرب شنم.

                                                                                                                                                                                  قوله " أخلص " بضم اللام أي أصل، يقال: خلص إلى كذا أي وصل إليه.

                                                                                                                                                                                  قوله " لتجشمت " بالجيم والشين المعجمة أي لتكلفت الوصول إليه ولتكلفت على خطر ومشقة.

                                                                                                                                                                                  قوله " إلى عظيم بصرى " أي أميرها، وكذا عظيم الروم أي الذي يعظمه الروم وتقدمه.

                                                                                                                                                                                  قوله " إن توليت " أي أعرضت عن الإسلام.

                                                                                                                                                                                  قوله " اليريسين " بفتح الياء آخر الحروف وكسر الراء ثم الياء الأخرى الساكنة، ثم السين المهملة المكسورة، ثم الياء الأخرى الساكنة، جمع يريس على وزن فعيل نحو كريم، وجاء الأريسين بقلب الياء الأولى همزة، وجاء اليريسيين بتشديد الياء بعد السين، جمع يريسي منسوب إلى يريس، وجاء أيضا بالنسبة كذلك إلا أنه بالهمزة في أوله موضع الياء أعني الأريسين جمع أريس منسوب إلى أريس، فهذه أربعة أوجه، وقال ابن سيده: الأريس الأكار عند ثعلب، والأريس الأمير عن كراع، حكاه في باب فعيل وعدله بأبيل، والأصل عنده أريس فعيل من الرياسة فقلب، وفي الجامع: الأريس الزارع والجمع أرارسة، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                  إذا فاز فيكم عبد ود فليتكم أرارسة ترعون دين الأعاجم

                                                                                                                                                                                  فوزن أريس فعيل، ولا يمكن أن تكون الهمزة فيه من غير أصله لأنه كان تبقى عينه وفاؤه من لفظ واحد، وهذا لم يأت في كلامهم إلا في أحرف يسيرة; نحو: كوكب، وديدن، وددن، وبابوس، والأريس عند قوم الأمير كأنه من الأضداد.

                                                                                                                                                                                  وفي الصحاح: أرس يأرس أرسا صار أريسا، وهو الأكار، وأرس مثله، وهو الأريس وجمعه الأريسون وأراريس وهي شامية.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن فارس: الهمزة والراء والسين ليست عربية، وفي العباب: والأريس مثل جليس والأريس مثل سكيت الأكار، فالأول جمعه أريسون، والثاني: أريسيون وأرارسة وأراريس، والفعل منه أرس يأرس أرسا.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن الأعرابي: أرس تأرسا صار أكارا; مثل: أرس أرسا. قال: ويقال إن الأراريس الزارعون وهي شامية، وبئر أريس من آبار المدينة وهي التي وقع فيها خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعض الشراح: والصحيح المشهور أنهم الأكارون أي الفلاحون والزارعون أي عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون لأمرك، ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب في رعاياهم وأسرع انقيادا وأكثر تقليدا، فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا، ويقال: إن الأريسين الذين كانوا يحرثون أرضهم كانوا مجوسا وكان الروم أهل كتاب، فيريد أن عليك مثل وزر المجوس إن لم تؤمن وتصدق.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو عبيدة: هم الخدم والخول يعني بصده إياهم عن الدين، كما قال تعالى: ربنا إنا أطعنا سادتنا أي عليك مثل إثمهم، حكاه ابن الأثير، وقيل: المراد الملوك والرؤساء الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة، وقيل: هم المتخترون، قال القرطبي: فعلى هذا يكون المراد عليك إثم من تكبر عن الحق، وقيل: هم اليهود والنصارى أتباع عبد الله بن أريس الذي ينسب إليه الأريسية من النصارى، رجل كان في الزمن الأول، قتل هو ومن معه نبيا بعثه الله إليهم، قال أبو الزناد: وحذره النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان رئيسا متبوعا مسموعا أن يكون عليه إثم الكفر وإثم من عمل بعمله واتبعه، قال عليه الصلاة والسلام: من عمل سيئة كان عليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                  قوله " الصخب " بفتح الصاد والخاء المعجمة، ويقال: بالسين أيضا بدل الصاد، وضعفه الخليل وهو اختلاط الأصوات وارتفاعها، وقال أهل اللغة: الصخب هو أصوات مبهمة لا تفهم.

                                                                                                                                                                                  قوله " أمر " بفتح الهمزة وكسر الميم، قال ابن الأعرابي: كثر وعظم، وقال ابن سيده: والاسم منه الإمر بالكسر، وقال الزمخشري: الأمرة على وزن بركة الزيادة، ومنه قول [ ص: 87 ] أبي سفيان: أمر أمر محمد عليه السلام، وفي الصحاح عن أبي عبيدة: آمرته بالمد وأمرته لغتان بمعنى كثرته، وأمر هو أي كثر، وقال الأخفش: أمر أمره يأمر أمرا اشتد، والاسم الأمر، وفي أفعال ابن القطاع: أمر الشيء أمرا، وأمر أي كثر، وفي المجرد لكراع: يقال: زرع أمر وأمر كثير، وفي أفعال ابن ظريف: أمر الشيء أمرا وأمارة، وفي أمثال العرب: من قل ذل ومن أمر قل، وفي الجامع: أمر الشيء إذا كثر، والأمرة الكثرة والبركة والنماء، وأمرته زيادته وخيره وبركته.

                                                                                                                                                                                  قوله " على نصارى الشام " سموا نصارى لنصرة بعضهم بعضا أو لأنهم نزلوا موضعا يقال له نصرانة ونصرة أو ناصرة أو لقوله: من أنصاري إلى الله وهو جمع نصراني.

                                                                                                                                                                                  قوله " خبيث النفس " أي كسلها وقلة نشاطها أو سوء خلقها.

                                                                                                                                                                                  قوله " بطارقته " بفتح الباء هو جمع بطريق بكسر الباء، وهم قواد الملك وخواص دولته وأهل الرأي والشورى منه، وقيل: البطريق المختال المتعاظم، ولا يقال ذلك للنساء، وفي العباب: قال الليث: البطريق القائد بلغة أهل الشام والروم، فمن هذا عرفت أن تفسير بعضهم البطريق بقوله وهو خواص دولة الروم تفسير غير موجه.

                                                                                                                                                                                  قوله " قد استنكرنا هيئتك " أي أنكرناها ورأيناها مخالفة لسائر الأيام، والهيئة السمت، والحالة والشكل.

                                                                                                                                                                                  قوله " حزاء " بفتح الحاء المهملة وتشديد الزاي المعجمة وبالمد على وزن فعال أي كاهنا، ويقال: فيه الحازي، يقال: حزى يحزي حزا يحزو وتحزى إذا تكهن، قال الأصمعي: حزيت الشيء أحزيه حزيا وحزوا، وفي الصحاح: حزى الشيء يحزيه ويحزوه إذا قدر وخرص، والحازي الذي ينظر في الأعضاء وفي خيلان الوجه يتكهن، وفي المحكم: حزى الطير حزوا زجرها.

                                                                                                                                                                                  قوله " فلا يهمنك شأنهم " بضم الياء، يقال: أهمني الأمر أقلقني وأحزنني، والهم الحزن، وهمني أذاني أي إذا بالغ في ذلك، ومنه المهموم، قال الأصمعي: هممت بالشيء أهم به إذا أردته وعزمت عليه، وهممت بالأمر أيضا إذا قصدته يهمني، وهم يهم بالكسر هميما ذاب، ومراده أنهم أحقر من أن يهتم لهم أو يبالي بهم، والشأن الأمر.

                                                                                                                                                                                  قوله " فلم يرم " بفتح الياء آخر الحروف وكسر الراء أي لم يفارقها، يقال: ما رمت ولم أرم ولا يكاد يستعمل إلا مع حرف النفي، ويقال: ما يريم يفعل أي ما يبرح، ويقال: رامه يريمه ريما أي يريحه، ويقال: لا يرمه أي لا يبرحه.

                                                                                                                                                                                  قال ابن ظريف: ما رامني ولا يريمني لم يبرح، ولا يقال إلا منفيا.

                                                                                                                                                                                  قوله " يا معشر الروم " قال أهل اللغة: هم الجمع الذين شأنهم واحد، والإنس معشر والجن معشر والأنبياء معشر والفقهاء معشر، والجمع معاشر.

                                                                                                                                                                                  قوله " الفلاح والرشد " الفلاح الفوز والتقى والنجاة والرشد بضم الراء وإسكان الشين وبفتحهما أيضا لغتان، وهو خلاف الغي، وقال أهل اللغة: هو إصابة الخير، وقال الهروي: هو الهدى والاستقامة وهو بمعناه، يقال: رشد يرشد ورشد يرشد لغتان.

                                                                                                                                                                                  قوله " فحاصوا " بالحاء والصاد المهملتين أي نفروا وكروا راجعين، يقال: حاص يحيص إذا نفر، وقال الفارسي: وفي مجمع الغرائب هو الروغان والعدول عن طريق القصد، وقال الخطابي: يقال: حاص وجاض بمعنى واحد يعني بالجيم والضاد المعجمة، وكذا قال أبو عبيد وغيره، قالوا: ومعناه عدل عن الطريق، وقال أبو زيد: معناه بالحاء رجع وبالجيم عدل.

                                                                                                                                                                                  قوله " آنفا " أي قريبا أو هذه الساعة، والآنف أول الشيء وهو بالمد والقصر، والمد أشهر، وبه قرأ جمهور القراء السبعة، وروى البزار عن ابن كثير القصر، وقال المهدوي: المد هو المعروف.

                                                                                                                                                                                  قوله " أختبر " أي أمتحن، " شدتكم " أي رسوخكم في الدين.

                                                                                                                                                                                  قوله " فقد رأيت " أي شدتكم.

                                                                                                                                                                                  (بيان اختلاف الروايات)

                                                                                                                                                                                  قوله " حدثنا أبو اليمان " وفي رواية الأصيلي وكريمة " حدثنا الحكم بن نافع وأبو اليمان كنية الحكم.

                                                                                                                                                                                  قوله " وحوله عظماء الروم " وفي رواية ابن السكن " فأدخلت عليه وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان "، وفي بعض السير دعاهم وهو جالس في مجلس ملكه عليه التاج، وفي شرح السنة دعاهم لمجلسه.

                                                                                                                                                                                  قوله " ودعا ترجمانه " وفي رواية الأصيلي وغيره " بترجمانه ".

                                                                                                                                                                                  قوله " بهذا الرجل " ووقع في رواية مسلم " من هذا الرجل " وهو على الأصل، وعلى رواية البخاري ضمن أقرب معنى أبعد فعداه بالباء.

                                                                                                                                                                                  قوله " الذي يزعم " وفي رواية ابن إسحاق عن الزهري يدعي قوله " فكذبوه فوالله لولا الحياء " سقط فيه لفظة " قال " من رواية كريمة وأبي الوقت تقديره فكذبوه، قال: فوالله أي أبو سفيان، فبالإسقاط يحصل الإشكال على ما لا يخفى، ولذا قال الكرماني: فوالله كلام أبي سفيان لا كلام الترجمان.

                                                                                                                                                                                  قوله " لكذبت عنه " رواية الأصيلي، وفي رواية غيره لكذبت عليه، ولم تقع هذه اللفظة في مسلم ووقع فيه " لولا مخافة أن يؤثروا علي الكذب " وعلى يأتي بمعنى عن، كما قال الشاعر:

                                                                                                                                                                                  إذا رضيت علي بنو قشير

                                                                                                                                                                                  أي عني، ووقع لفظة عني أيضا في البخاري [ ص: 88 ] في التفسير.

                                                                                                                                                                                  قوله " ثم كان أول " بالنصب في رواية وسنذكر وجهه.

                                                                                                                                                                                  قوله " فهل قال هذا القول منكم أحد قبله "، وفي رواية الكشميهني والأصيلي بدل " قبله. مثله ".

                                                                                                                                                                                  قوله " فهل كان من آبائه من ملك " فيه ثلاث روايات، إحداها أن كلمة من حرف جر وملك صفة مشبهة أعني بفتح الميم وكسر اللام، وهي رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت.

                                                                                                                                                                                  والثانية: أن كلمة من موصولة وملك فعل ماض، وهي رواية ابن عساكر.

                                                                                                                                                                                  والثالثة: بإسقاط حرف الجر، وهي رواية أبي ذر، والأولى أصح وأشهر، ويؤيده رواية مسلم " هل كان في آبائه ملك؟ " بحذف من كما هي رواية أبي ذر، وكذا هو في كتاب التفسير في البخاري.

                                                                                                                                                                                  قوله " فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم " ووقع في رواية ابن إسحاق " تبعه منا الضعفاء والمساكين والأحداث، فأما ذوو الأنساب والشرف فما تبعه منهم أحد ".

                                                                                                                                                                                  قوله " ولا تشركوا به "، وفي رواية المستملي " لا تشركوا به " بلا واو، فيكون تأكيدا لقوله " وحده "، قوله " ويأمرنا بالصلاة والصدق "، وفي رواية البخاري " ويأمرنا بالصلاة والصدقة "، وفي مسلم: " ويأمرنا بالصلاة والزكاة "، وكذا في رواية البخاري في التفسير: والزكاة، وفي الجهاد من رواية أبي ذر عن شيخه الكشميهني والسرخسي " بالصلاة والصدق والصدقة "، وقال بعضهم ورجحها شيخنا أي رجح الصدقة على الصدق، ويقويها رواية المؤلف في التفسير " الزكاة " واقتران الصلاة بالزكاة معتاد في الشرع، قلت: بل الراجح لفظة الصدق لأن الزكاة والصدقة داخلتان في عموم قوله " والصلة " لأن الصلة اسم لكل ما أمر الله تعالى به أن يوصل، وذلك يكون بالزكاة والصدقة وغير ذلك من أنواع البر والإكرام، وتكون لفظة الصدق فيه زيادة فائدة، وقوله واقتران الصلاة بالزكاة معتاد في الشرع لا يصلح دليلا للترجيح على أن أبا سفيان لم يكن يعرف حينئذ اقتران الزكاة بالصلاة ولا فرضيتها.

                                                                                                                                                                                  قوله " يأتسي " بتقديم الهمزة في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره " يتأسى " بتقديم التاء المثناة من فوق.

                                                                                                                                                                                  قوله " حين يخالط بشاشة القلوب " هكذا وقع في أكثر النسخ " حين " بالنون، وفي بعضها " حتى " بالتاء المثناة من فوق، ووقع في المستخرج للإسماعيلي " حتى " أو " حين " على الشك، والروايتان وقعتا في مسلم أيضا، ووقع في مسلم أيضا " إذا " بدل " حين ".

                                                                                                                                                                                  وقال الشيخ قطب الدين رحمه الله: كذا رويناه فيه على الشك، وقال القاضي: الروايتان وقعتا في البخاري ومسلم، وروى أيضا بشاشة القلوب بالإضافة، ونصب البشاشة على المفعولية أي حين يخالط الإيمان بشاشة القلوب، وروى بشاشة بالرفع وإضافتها إلى الضمير أعني ضمير الإيمان وبنصب القلوب، وزاد البخاري في الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب لا يسخطه أحد، وزاد ابن السكن في روايته في معجم الصحابة " يزداد فيه عجبا وفرحا ".

                                                                                                                                                                                  وفي رواية ابن إسحاق " وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبا فتخرج منه "، قوله " لتجشمت لقاءه "، وفي مسلم " لأحببت لقاءه "، والأول أوجه.

                                                                                                                                                                                  قوله " لغسلت عن قدميه "، وفي رواية عبد الله بن شداد عن أبي سفيان " لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل قدميه "، وزاد فيها " ولقد رأيت جبهته يتحادر عرقها من كرب الصحيفة " يعني لما قرئ عليه كتاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله " سلام على من اتبع الهدى "، وفي رواية البخاري في الاستئذان " السلام " بالتعريف، قوله " بدعاية الإسلام "، وفي مسلم " بداعية الإسلام "، وكذا رواية البخاري في الجهاد " بداعية الإسلام "، قوله " فإنما عليك إثم اليريسين "، وفي رواية ابن إسحاق عن الزهري بلفظ " فإن عليك إثم الأكارين "، وكذا رواه الطبراني والبيهقي في دلائل النبوة، وزاد البرقاني في روايته يعني الحراثين، وفي رواية المديني من طريق مرسلة " فإن عليكم إثم الفلاحين والإسماعيلي " فإن عليك إثم الركوسيين "، وهم أهل دين النصارى والصابئية، يقال لهم الركوسية.

                                                                                                                                                                                  وقال الليث بن سعد، عن يونس فيما رواه الطبراني في الكبير من طريقه: الأريسيون العشارون يعني أهل المكس.

                                                                                                                                                                                  قوله " يا أهل الكتاب " هكذا هو بإثبات الواو في أوله، وذكر القاضي أن الواو ساقطة في رواية الأصيلي وأبي ذر، قلت: إثبات الواو هو رواية عبدوس والنسفي والقابسي.

                                                                                                                                                                                  قوله " عنده الصخب " ووقع في مسلم " اللغط "، وفي البخاري في الجهاد " وكثر لغطهم "، وفي التفسير " وكثر اللغط " وهو الأصوات المختلفة.

                                                                                                                                                                                  قوله " فما زلت موقنا " زاد في حديث عبد الله بن شداد عن أبي سفيان " فما زلت مرعوبا من محمد حتى أسلمت " أخرجه الطبراني.

                                                                                                                                                                                  قوله " ابن الناطور " بالطاء المهملة، وفي رواية الحموي بالظاء المعجمة، ووقع في رواية الليث عن يونس: ابن ناطورا، بزيادة الألف في آخره، فعلى هذا هو اسم أعجمي.

                                                                                                                                                                                  قوله " صاحب إيلياء " [ ص: 89 ] بالنصب، وفي رواية أبي ذر بالرفع.

                                                                                                                                                                                  قوله " أسقف على نصارى الشام " على صيغة المجهول من الثلاثي المزيد فيه وهو رواية المستملي والسرخسي، وفي رواية الكشميهني " سقف " على صيغة المجهول أيضا من التسقيف، وفي رواية وقع هنا سقفا بضم السين والقاف وتشديد الفاء، ويروى " أسقفا " بضم الهمزة وسكون السين وضم القاف وتخفيف الفاء، ويروى " أسقفا " مثله إلا أنه بتشديد الفاء، ذكرهما الجواليقي وغيره.

                                                                                                                                                                                  وقال الإسماعيلي: فيه من أساقفة نصارى الشام موضع سقف، وقال صاحب المطالع: وفي رواية أبي ذر والأصيلي عن المروزي سقف، وعند الجرجاني سقفا، وعند القابسي أسقفا، وهذا أعرفها مشدد الفاء فيهما، وحكى بعضهم أسقفا وسقفا وهو من النصارى رئيس الدين فيما قاله الخليل وسقف قدم لذلك، وقال ابن الأنباري: يحتمل أن يكون سمي بذلك لانحنائه وخضوعه لتدينه عندهم وأنه قيم شريعتهم وهو دون القاضي، والأسقف الطويل في انحناء في العربية، والاسم منه السقف والسقيفي.

                                                                                                                                                                                  وقال الداودي: هو العالم، ويقال: سقف كفعل أعجمي معرب، ولا نظير لأسقف إلا أسرب، قلت: حكى ابن سيده ثالثا وهو الأسكف للصانع، ولا يرد الأترج لأنه جمع والكلام في المفرد، وقال النووي: الأشهر بضم الهمزة وتشديد الفاء، وقال ابن فارس: السقف بالتحريك طول في انحناء، ورجل أسقف، قال ابن السكيت: ومنه اشتقاق أسقف النصارى.

                                                                                                                                                                                  قوله " أصبح يوما خبيث النفس " وصرح في رواية ابن إسحاق بقولهم له: لقد أصبحت مهموما، قوله " ملك الختان " ضبط على وجهين: أحدهما بفتح الميم وكسر اللام وهو رواية الكشميهني، والآخر ضم الميم وإسكان اللام وكلاهما صحيح.

                                                                                                                                                                                  قوله " هم يختتنون "، وفي رواية الأصيلي " يختنون "، والأول أفيد وأشمل.

                                                                                                                                                                                  قوله " فقال هرقل: هذا يملك هذه الأمة " هذا رواية أبي ذر عن الكشميهني وحده على صورة الفعل المضارع، وأكثر الرواة على " هذا ملك هذه الأمة " بضم الميم وسكون اللام، وفي رواية القابسي " هذا ملك هذه الأمة " بفتح الميم وكسر اللام، وقال صاحب المطالع: الأكثرون على رواية القابسي، هذا هو الأظهر.

                                                                                                                                                                                  وقال عياض: أرى رواية أبي ذر مصحفة لأن ضمة الميم اتصلت بها فتصحفت، ولما حكاها صاحب المطالع قال: أظنه تصحيفا، وقال النووي: كذا ضبطناه عن أهل التحقيق، وكذا هو في أكثر أصول بلادنا، قال: وهي صحيحة أيضا، ومعناها هذا المذكور يملك هذه الأمة وقد ظهر، والمراد بالأمة هنا أهل العصر.

                                                                                                                                                                                  قوله " فأذن بالقصر " من الإذن، وفي رواية المستملي وغيره بالمد، ومعناه أعلم من الإيذان وهو الإعلام.

                                                                                                                                                                                  قوله " فتبايعوا " بالتاء المثناة من فوق والباء الموحدة وبعد الألف ياء آخر الحروف، وفي رواية الكشميهني " فتتابعوا " بتاءين مثناتين من فوق وبعد الألف باء موحدة، وفي رواية الأصيلي " فنبايع " بنون الجماعة بعدها الباء الموحدة.

                                                                                                                                                                                  قوله " لهذا النبي " باللام في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره هذا بدون اللام.

                                                                                                                                                                                  قوله " وأيس " بالهمزة ثم الياء آخر الحروف، هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية الأصيلي " يئس " بتقديم الياء على الهمزة، وهما بمعنى، والأول مقلوب من الثاني فافهم.

                                                                                                                                                                                  (بيان الصرف)

                                                                                                                                                                                  قوله " سفيان " من سفى الريح التراب تسفيه سفيا إذا ذرته، وفاؤه مثلثة.

                                                                                                                                                                                  قوله " حرب " مصدر في الأصل.

                                                                                                                                                                                  قوله " ماد فيها " بتشديد الدال من باب المفاعلة، وأصله مادد أدغمت الدال في الدال وجوبا لاجتماع المثلين، ومضارعه يماد، وأصله يمادد، ومصدره مماددة ومماد، وأصل هذا الباب أن يكون بين اثنين، وأصله من المدة وهي القطعة من الزمان يقع على القليل والكثير أي اتفقوا على الصلح مدة من الزمان، وهذه المدة هي صلح الحديبية الذي جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش سنة ست من الهجرة لما خرج عليه السلام في ذي القعدة معتمرا قصدته قريش وصالحوه على أن يدخلها في العام القابل على وضع الحرب عشر سنين، فدخلت بنو بكر في عهد قريش وبنو خزاعة في عهده عليه السلام، ثم نقضت قريش العهد بقتالهم خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الله تعالى بقتالهم بقوله: ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وفي كتاب أبي نعيم في مسند عبد الله بن دينار: كانت مدة الصلح أربع سنين، والأول أشهر.

                                                                                                                                                                                  قوله " أدنوه " بفتح الهمزة من الإدناء، وأصله أدنيو استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان وهما الياء والواو، فحذفت الياء لأن الواو علامة الجمع، ثم أبدلت كسرة النون ضمة لتدل على الواو المحذوفة، فصار أدنوا على وزن افعوا.

                                                                                                                                                                                  قوله " تتهمونه " من باب الافتعال، تقول: اتهم يتهم اتهاما، وأصله اوتهم لأنه من الوهم قلبت الواو تاء وأدغمت التاء في التاء، وأصل تتهمونه توتهمونه [ ص: 90 ] ففعل به مثل ما ذكرنا، وكذا سائر مواده.

                                                                                                                                                                                  قوله " بالكذب " بفتح الكاف وكسر الذال مصدر كذب، وكذلك الكذب بكسر الكاف وسكون الذال، وقد ذكرناه مرة.

                                                                                                                                                                                  قوله " يأتسي " من الايتساء من باب الافتعال ومادته همزة وسين وياء.

                                                                                                                                                                                  قوله " ليذر الكذب " أي ليدع الكذب، وقد أماتوا ماضي هذا الفعل، وفي العباب: تقول ذره أي دعه، وهو يذره أي يدعه، وأصله وذره يذره، مثال: وسعه يسعه، وقد أميت صدره، ولا يقال: وذره ولا واذره ولكن تركه، وهو تارك إلا أن يضطر إليه شاعر.

                                                                                                                                                                                  وقيل: هو من باب منع يمنع محمولا على ودع يدع لأنه بمعناه، قالوا: ولو كان من باب وحل يوحل لقيل في مستقبله يوذر كيوحل، ولو لم يكن محمولا لم تخل عينه أو لامه من حروف الحلق، وهذا القول أصح، وإذا أردت ذكر مصدره فقل ذره تركا ولا تقل ذره وذرا.

                                                                                                                                                                                  قوله " دحية " أصله من دحوت الشيء دحوا أي بسطته، قال تعالى: والأرض بعد ذلك دحاها أي بسطها.

                                                                                                                                                                                  قوله " الهدى " مصدر من هداه يهديه، وفي الصحاح: الهدى الرشاد، والدلالة يذكر ويؤنث، يقال: هداه الله للدين هدى وهديته الطريق والبيت هداية أي عرفته، هذه لغة أهل الحجاز وغيرهم، تقول: هديته إلى الطريق وإلى الدار، حكاهما الأخفش، وهدى واهتدى بمعنى.

                                                                                                                                                                                  قوله " بدعاية الإسلام " بكسر الدال أي بدعوته وهو مصدر كالشكاية من شكى والرماية من رمى، وقد تقام المصادر مقام الأسماء، وفي رواية " بداعية الإسلام " على ما ذكرنا، وهي أيضا بمعنى الدعوة، وقد يجيء المصدر على وزن فاعلة، كقوله تعالى: ليس لوقعتها كاذبة أي كذب.

                                                                                                                                                                                  قوله " استنكرنا " من الاستنكار من باب الاستفعال، وأصل باب الاستفعال أن يكون للطلب، وقد يخرج عن بابه وهذه اللفظة من هذا القبيل، يقال: استنكرت الشيء إذا أنكرته، وقال الليث: الاستنكار استفهامك أمرا تنكره.

                                                                                                                                                                                  قوله " حزاء " مبالغة حاز على وزن فعال بالتشديد.

                                                                                                                                                                                  قوله " فلم يرم " أصله يريم، فلما دخل عليه الجازم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، وقد ذكرنا تفسيره.

                                                                                                                                                                                  قوله " أيس " على وزن فعل بكسر العين.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن السكيت: أيست منه يئيس إياسا أي قنطت لغة في يئست منه أيأس يأسا، والإياس انقطاع الطمع.

                                                                                                                                                                                  (بيان الإعراب)

                                                                                                                                                                                  قوله " أن عبد الله بن عباس " كلمة أن هاهنا، وفي أن أبا سفيان وفي أن هرقل مفتوحات في محل الجر بالباء المقدرة كما في قولك: أخبرني أن زيدا منطلق، والتقدير بأن زيدا منطلق أي أخبرني بانطلاق زيد.

                                                                                                                                                                                  قوله " في ركب " جملة في موضع النصب على الحال، والتقدير: أرسل هرقل إلى أبي سفيان حال كونه كائنا في جملة الركب.

                                                                                                                                                                                  وقوله " من قريش " في محل الجر على أنه صفة للركب، وكلمة من تصلح أن تكون لبيان الجنس كما في قوله تعالى: ويلبسون ثيابا خضرا من سندس ويجوز أن تكون للتبعيض.

                                                                                                                                                                                  قوله " وكانوا تجارا " الواو فيه تصلح أن تكون للحال بتقدير قد، فإن قلت: في حال الطلب لم يكونوا تجارا قلت: تقديره ملتبسين بصفة التجار.

                                                                                                                                                                                  قوله " في المدة " جملة في محل النصب على الحال والألف واللام فيها بدل من المضاف إليه أي في مدة الصلح بالحديبية.

                                                                                                                                                                                  قوله " أبا سفيان " بالنصب مفعول، لقوله " ماذا ".

                                                                                                                                                                                  قوله " وكفار قريش " كلام إضافي منصوب عطفا على " أبا سفيان " ويجوز أن يكون مفعولا معه.

                                                                                                                                                                                  قوله " فأتوه " الفاء فيه فصيحة إذ تقدير الكلام: فأرسل إليه في طلب إتيان الركب إليه فجاء الرسول فطلب إتيانهم فأتوه، ونحوه قوله تعالى: فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت أي فضرب فانفجرت، فإن قلت: ما معنى فاء الفصيحة؟ قلت: سميت بها لأنها يستدل بها على فصاحة المتكلم، وهذا إنما سموها بها على رأي الزمخشري وهي تدل على محذوف هو سبب لما بعدها سواء كان شرطا أو معطوفا.

                                                                                                                                                                                  وقال الزمخشري في قوله تعالى فانفجرت الفاء متعلقة بمحذوف أي فضرب فانفجرت أو فإن ضربت فقد انفجرت كما ذكرنا في قوله تعالى فتاب عليكم وهي على هذا فاء فصيحة لا تقع إلا في كلام فصيح، فإن قلت: هم في أي موضع كانوا حتى أرسل إليهم أبو سفيان، قلت: في الجهاد في البخاري أن الرسول وجدهم ببعض الشام، وفي رواية أبي نعيم في الدلائل تعيين الموضع وهي غزة، قال: وكانت وجه متجرهم، وكذا رواه ابن إسحاق في المغازي عن الزهري.

                                                                                                                                                                                  قوله " وهم بإيلياء " الواو فيه للحال والباء في بإيلياء بمعنى في.

                                                                                                                                                                                  قوله " فدعاهم في مجلسه " الضمير المرفوع في فدعاهم يرجع إلى هرقل والمنصوب إلى أبي سفيان ومن معه.

                                                                                                                                                                                  وقوله " في مجلسه " حال أي في حال كونه في مجلسه، فإن قلت: دعا يستعمل بكلمة إلى يقال دعا إليه، قال الله تعالى: والله يدعو إلى دار السلام وكان ينبغي أن يقال فدعاهم إلى مجلسه، قلت: دعا هاهنا من قبيل قولهم دعوت فلانا أي صحت به، وكلمة في لا تتعلق به ولا هي صلته، وإنما هي حال كما ذكرنا تتعلق بمحذوف وتقديره كما ذكرنا أو تكون في بمعنى إلى كما في قوله تعالى فردوا أيديهم في أفواههم [ ص: 91 ] أي إلى أفواههم، ويدل عليه رواية شرح السنة: " دعاهم لمجلسه ". قوله: " وحوله عظماء الروم " الواو فيه للحال، " وحوله " نصب على الظرف، ولكنه في تقدير الرفع; لأنه خبر المبتدأ، أعني قوله: " عظماء الروم "، قوله: " ثم دعاهم " عطف على قوله: " فدعاهم ".

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: هذا تكرار، فما الفائدة فيه؟

                                                                                                                                                                                  قلت: ليس بتكرار; لأنه أولا دعاهم بأن أمر بإحضارهم من الموضع الذي كانوا فيه، فلما حضروا استأذن لهم، فتأمل زمانا حتى أذن لهم، وهو معنى قوله: ثم دعاهم، ولهذا ذكره بكلمة: " ثم " التي تدل على التراخي، وهكذا عادة الملوك الكبار إذا طلبوا شخصا يحضرون به، ويوقفونه على بابهم زمانا حتى يأذن لهم بالدخول، ثم يؤذن لهم بالدخول، ولا شك أن هاهنا لا بد من دعوتين الدعوة في الحالة الأولى، والدعوة في الحالة الثانية. قوله: " ودعا ترجمانه " بنصب الترجمان; لأنه مفعول، وعلى رواية: " بترجمانه " تكون الباء زائدة; لأن دعا يتعدى بنفسه كما في قوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قوله: " فقال: أيكم؟ " ، الفاء فيه فصيحة أيضا، والضمير في " قال " يرجع إلى الترجمان، والتقدير أي فقال هرقل للترجمان: قل أيكم أقرب؟ فقال الترجمان: أيكم أقرب؟ ثم إن لفظة أقرب إن كان أفعل التفضيل فلا بد أن تستعمل بأحد الوجوه الثلاثة: الإضافة، واللام، ومن. وقد جاء هاهنا مجردا عنها، وأيضا معنى القرب لا بد أن يكون من شيء فلا بد من صلة، وأجيب بأن كليهما محذوفان، والتقدير: أيكم أقرب من النبي من غيركم؟

                                                                                                                                                                                  قوله " فقلت أنا أقربهم نسبا " أي من حيث النسب، وإنما كان أبو سفيان أقرب لأنه من بني عبد مناف، وقد أوضح ذلك البخاري في الجهاد بقوله " قال: ما قرابتك منه؟ قلت: هو ابن عمي، قال أبو سفيان: ولم يكن في الركب من بني عبد مناف غيري "، انتهى.

                                                                                                                                                                                  وعبد مناف هو الأب الرابع للنبي عليه السلام وكذا لأبي سفيان وأطلق عليه ابن عم لأنه نزل كلا منهما منزلة جده، فعبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وأبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وإنما خص هرقل الأقرب لأنه أحرى بالاطلاع على أموره ظاهرا وباطنا أكثر من غيره، ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب، قوله " فقال " أي هرقل: ادنوه مني، وإنما أمر بإدنائه ليمعن في السؤال.

                                                                                                                                                                                  قوله " فاجعلوهم عند ظهره " أي عند ظهر أبي سفيان، إنما قال ذلك لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب، وقد صرح بذلك الواقدي في روايته.

                                                                                                                                                                                  قوله " قل لهم " أي لأصحاب أبي سفيان.

                                                                                                                                                                                  قوله " هذا " أشار به إلى أبي سفيان، وأراد بقوله " عن الرجل " النبي صلى الله عليه وسلم، والألف واللام فيه للعهد.

                                                                                                                                                                                  قوله " فإن كذبني " بالتخفيف فكذبوه بالتشديد أي فإن نقل إلي الكذب وقال لي خلاف الواقع.

                                                                                                                                                                                  قوله " فوالله " من كلام أبي سفيان كما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                  قوله " لكذبت عنه " جواب لولا.

                                                                                                                                                                                  قوله " ثم كان أول " بالرفع اسم كان وخبره.

                                                                                                                                                                                  قوله " أن قال " وأن مصدرية تقديره.

                                                                                                                                                                                  قوله " وجاء " النصب ووجهه أن يكون خبرا لكان، فإن قلت: أين اسم كان على هذا التقدير؟ وما موضع قوله " أن قال "؟ قلت: يجوز أن يكون اسم كان ضمير الشأن ويكون قوله " أن قال " بدلا من قوله " ما سألني عنه " أو يكون التقدير بأن قال أي بقوله، ويجوز أن يكون " أن قال " اسم كان، وقوله " أول ما سألني " خبره، والتقدير ثم كان.

                                                                                                                                                                                  قوله " كيف نسبه فيكم؟ " أول ما سألني منه.

                                                                                                                                                                                  قوله " ذو نسب " أي صاحب نسب عظيم، والتنوين للتعظيم كما في قوله تعالى: ولكم في القصاص حياة أي حياة عظيمة.

                                                                                                                                                                                  قوله " قط " قد ذكرنا أنه لا يستعمل إلا في الماضي المنفي، فإن قلت: فأين النفي هاهنا "؟ قلت: الاستفهام حكمه حكم النفي.

                                                                                                                                                                                  قوله " قبله " قبله نصب على الظرف، وأما على رواية مثله بدل قبله يكون بدلا عن قوله هذا القول.

                                                                                                                                                                                  قوله " منكم " أي من قومكم، فالمضاف محذوف.

                                                                                                                                                                                  قوله " فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ " فيه حذف همزة الاستفهام، والتقدير: اتبعه أشراف الناس أم اتبعه ضعفاؤهم؟

                                                                                                                                                                                  وفي رواية البخاري في التفسير بهمزة الاستفهام، ولفظه: اتبعه أشراف الناس، وأم هاهنا متصلة معادلة لهمزة الاستفهام.

                                                                                                                                                                                  قوله " بل ضعفاؤهم " أي بل اتبعه ضعفاء الناس، وكذلك الكلام في قوله " أيزيدون أم ينقصون؟ ".

                                                                                                                                                                                  قوله " سخطة " نصب على التعليل، ويجوز أن يكون نصبا على الحال على تأويل ساخطا.

                                                                                                                                                                                  قوله " ونحن منه " أي من الرجل المذكور، وهو النبي صلى الله عليه وسلم في مدة أراد بها مدة الهدنة وهي صلح الحديبية، نص عليه النووي وليس كذلك، وإنما يريد غيبته عن الأرض وانقطاع أخباره عليه السلام عنه، ولذلك قال: ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا لأن الإنسان قد يتغير ولا يدرى الآن هل هو على ما فارقناه أو بدل شيئا.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني في قوله " لا ندري " إشارة إلى أن عدم غدره غير مجزوم به، قلت: ليس كذلك، بل لكون الأمر مغيبا عنه [ ص: 92 ] وهو في الاستقبال تردد فيه بقوله لا ندري.

                                                                                                                                                                                  قوله " فيها " أي في المدة.

                                                                                                                                                                                  قوله " قال " أي أبو سفيان.

                                                                                                                                                                                  قوله " كلمة " مرفوع لأنه فاعل، لقوله لم يمكني.

                                                                                                                                                                                  قوله " أدخل " بضم الهمزة من الإدخال.

                                                                                                                                                                                  قوله " فيها " أي في الكلمة، ذكر الكلمة وأراد بها الكلام.

                                                                                                                                                                                  قوله " شيئا " مفعول لقوله " أدخل ".

                                                                                                                                                                                  قوله " غير هذه الكلمة " يجوز في غير الرفع والنصب، أما الرفع فعلى كونه صفة لـ كلمة، وأما النصب فعلى كونه صفة لقوله " شيئا "، واعترض كيف يكون غير صفة لهما وهما نكرة وغير مضاف إلى المعرفة، وأجيب بأنه لا يتعرف بالإضافة إلا إذا اشتهر المضاف بمغايرة المضاف إليه، وهاهنا ليس كذلك.

                                                                                                                                                                                  قوله " وكيف كان قتالكم إياه " قال بعض الشارحين: فيه انفصال ثاني الضميرين، والاختيار أن لا يجيء المنفصل إذا تأتى مجيء المتصل، وقال شارح آخر: قتالكم إياه أفصح من قتالكموه باتصال الضمير فلذلك فصله، قلت: الصواب معه نص عليه الزمخشري.

                                                                                                                                                                                  قوله " الحرب " مبتدأ، وقوله " سجال " خبره، لا يقال: الحرب مفرد والسجال جمع، فلا مطابقة بين المبتدأ والخبر لأنا نقول: الحرب اسم جنس. وقال بعضهم: الحرب اسم جمع، ولهذا جعل خبره اسم جمع، قلت: لا نسلم أن السجال اسم جمع بل هو جمع، وبين الجمع واسم الجمع فرق كما علم في موضعه، ويجوز أن يكون سجال بمعنى المساجلة ولا يكون جمع سجل فلا يرد السؤال أصلا.

                                                                                                                                                                                  قوله " قال: ماذا يأمركم؟ " أي قال هرقل، وكلمة " ما " استفهام، و" ذا " إشارة، ويجوز أن يكون كله استفهاما على التركيب، كقولك: لماذا جئت؟ ويجوز أن يكون " ذا " موصولة بدليل افتقاره إلى الصلة، كما في قول لبيد:


                                                                                                                                                                                  ألا تسألان المرء ماذا يحاول

                                                                                                                                                                                  ويجوز أن يكون " ذا " زائدة، أجاز ذلك جماعة منهم ابن مالك في نحو: ماذا صنعت؟ قوله " لم يكن ليذر الكذب " اللام فيه تسمى لام الجحود لملازمتها للجحد أي النفي، وفائدتها توكيد النفي، وهي الداخلة في اللفظ على الفعل مسبوقة بما كان أو لم يكن ناقصتين مسندتين لما أسند إليه الفعل المقرون باللام، نحو: وما كان الله ليطلعكم على الغيب لم يكن الله ليغفر لهم وقال النحاس: الصواب تسميتها لام النفي لأن الجحد في اللغة إنكار ما تعرفه لا مطلق الإنكار.

                                                                                                                                                                                  قوله " حين تخالط بشاشته القلوب " قد ذكرنا التوجيه فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله " فذكرت أنه " أي بأنه، ومحل أن جر بهذه، وكذلك أن في قوله أن تعبدوا الله.

                                                                                                                                                                                  قوله " ثم دعا بكتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام " فيه حذف تقديره: قال أبو سفيان: ثم دعا هرقل، ومفعول دعا أيضا محذوف قدره الكرماني بقوله " ثم دعا هرقل الناس بكتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام "، وقدره بعضهم ثم دعا من وكل ذلك إليه، قلت: الأحسن أن يقال: ثم دعا من يأتي بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما احتيج إلى التقدير لأن الكتاب مدعو به وليس بمدعو، فلهذا عدى إليه بالباء، ويجوز أن تكون الباء زائدة والتقدير: ثم دعا الكتاب على سبيل المجاز أو ضمن دعا معنى اشتغل ونحوه.

                                                                                                                                                                                  قوله " بعث به مع دحية " أي أرسله معه، ويقال أيضا: بعثه وابتعثه بمعنى أرسله، وكلمة " مع " بفتح العين على اللغة الفصحى، وبها جاء القرآن، ويقال أيضا بإسكانها، وقيل: مع لفظ معناه الصحبة ساكن العين ومفتوحها غير أن المفتوحة تكون اسما وحرفا والساكنة حرف لا غير.

                                                                                                                                                                                  قوله " فإذا فيه " كلمة " إذا " هذه للمفاجأة، قوله " من محمد " يدل على أن " من " تأتي في غير الزمان والمكان، ونحوه قوله: من المسجد الحرام إنه من سليمان

                                                                                                                                                                                  قوله " سلام " مرفوع على الابتداء، وهذا من المواضع التي يكون المبتدأ فيها نكرة بوجه التخصيص وهو مصدر في معنى الدعاء، وأصله: سلم الله أو سلمت سلاما; إذ المعنى فيه: ثم حذف الفعل للعلم به، ثم عدل عن النصب إلى الرفع لغرض الدوام والثبوت، وأصل المعنى على ما كان عليه، وقد كان سلاما في الأصل مخصوصا بأنه صادر من الله تعالى ومن المتكلم لدلالة فعله وفاعله المتقدمين عليه، فوجب أن يكون باقيا على تخصيصه.

                                                                                                                                                                                  قوله " أما بعد " كلمة " أما " فيها معنى الشرط، فلذلك لزمتها الفاء، وتستعمل في الكلام على وجهين: أحدهما أن يستعملها المتكلم لتفصيل ما أجمله على طريق الاستئناف كما تقول: جاءني إخوتك أما زيد فأكرمته، وأما خالد فأهنته، وأما بشر فأعرضت عنه.

                                                                                                                                                                                  والآخر: أن يستعملها أخذا في كلام مستأنف من غير أن يتقدمها كلام، و" أما " هاهنا من هذا القبيل.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني: أما للتفصيل فلا بد فيه من التكرار، فأين قسيمه؟! ثم قال: المذكور قبله قسيمه، وتقديره: أما الابتداء فباسم الله تعالى، وأما المكتوب فمن محمد ونحوه، وأما بعد ذلك فكذا انتهى، قلت: هذا كله تعسف وذهول عن القسمة المذكورة، ولم يقل أحد إن أما في مثل هذا الموضع تقتضي التقسيم والتحقيق ما قلنا، وكلمة بعد مبنية على الضم إذ أصلها أما بعد كذا وكذا، فلما قطعت عن الإضافة [ ص: 93 ] بنيت على الضم، وتسمى حينئذ غاية.

                                                                                                                                                                                  قوله " بدعاية الإسلام " أي أدعوك بالمدعو الذي هو الإسلام، والباء بمعنى إلى، وجوزت النحاة إقامة حروف الجر بعضها مقام بعض أي أدعوك إلى الإسلام.

                                                                                                                                                                                  قوله " أسلم تسلم " كلاهما مجزومان، الأول لأنه أمر، والثاني لأنه جواب الأمر. والأول بكسر اللام لأنه من أسلم، والثاني بفتحها لأنه مضارع من سلم.

                                                                                                                                                                                  قوله " يؤتك الله " مجزوم أيضا إما جواب ثان للأمر وإما بدل منه وإما جواب لأمر محذوف تقديره أسلم يؤتك الله على ما صرح به البخاري في الجهاد أسلم يؤتك الله.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: يحتمل أن يكون الأمر الأول للدخول في الإسلام، والثاني للدوام عليه كما في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله الآية. قلت: الأصوب أن يكون من باب التأكيد، والآية في حق المنافقين معناها: يا أيها الذين آمنوا نفاقا آمنوا إخلاصا، كذا في التفسير.

                                                                                                                                                                                  قوله " ويا أهل الكتاب " عطف هذا الكلام على ما قبله بالواو، والذي يدل على الجمع، والتقدير: أدعوك بدعاية الإسلام وأدعوك بقول الله: يا أهل الكتاب إلى آخره. وأما الرواية التي سقطت فيها الواو فوجهها أن يكون قوله يا أهل الكتاب بيانا لقوله بدعاية الإسلام، قوله تعالوا بفتح اللام، وأصله تعاليوا، تقول: تعال تعاليا تعاليوا، قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت لالتقاء الساكنين، فصار تعالوا، والمراد من أهل الكتاب أهل الكتابين اليهود والنصارى، وقيل: وفد نجران، وقيل: يهود المدينة.

                                                                                                                                                                                  قوله سواء أي مستوية بيننا وبينكم لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل، وتفسير الكلمة قوله ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله يعني: تعالوا إليها حتى لا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله، لأن كل واحد منهما بشر مثلنا ولا نطيع أحبارنا فيما أحدثوا من التحريم والتحليل من غير رجوع إلى ما شرع الله.

                                                                                                                                                                                  قوله فإن تولوا أي عن التوحيد فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون أي لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا وتسلموا فإنا مسلمون دونكم.

                                                                                                                                                                                  وقال الزمخشري: يجوز أن يكون من باب التعريض، ومعناه: اشهدوا اعترفوا بأنكم كافرون حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره.

                                                                                                                                                                                  قوله " فلما قال " أي هرقل.

                                                                                                                                                                                  قوله " ما قال " جملة في محل النصب لأنها مفعول قال، وما موصولة، والعائد محذوف تقديره ما قاله من السؤال والجواب.

                                                                                                                                                                                  قوله " أخرجنا " على صيغة المجهول في الموضعين، ويجوز أن يكون الثاني على صيغة المعلوم بفتح الراء فافهم.

                                                                                                                                                                                  قوله " لقد أمر " جواب القسم المحذوف أي والله لقد أمر.

                                                                                                                                                                                  قوله " إنه يخافه " بكسر إن لأنه كلام مستأنف ولا سيما جاء في رواية باللام في خبرها، وقال بعضهم: إنه يخافه بكسر الهمزة لا بفتحها لثبوت اللام في خبرها، قلت: يجوز فتحها أيضا وإن كان على ضعف على أنه مفعول من أجله، وقد قرئ في الشواذ: ألا أنهم ليأكلون. بالفتح في أنهم والمعنى على الفتح في الحديث عظم أمره عليه السلام لأجل أنه يخافه ملك بني الأصفر.

                                                                                                                                                                                  قوله " وكان ابن الناطور " الواو فيه عاطفة لما قبلها داخلة في سند الزهري، والتقدير: عن الزهري أخبرني عبيد الله إلى آخره، ثم قال الزهري: وكان ابن الناطور يحدث، فذكر هذه القصة فهي موصولة إلى ابن الناطور لا معلقة كما توهمه بعضهم، وهذا موضع يحتاج فيه إلى التنبيه على هذا وعلى أن قصة ابن الناطور غير مروية بالإسناد المذكور عن أبي سفيان عنه، وإنما هي عن الزهري، وقد بين ذلك أبو نعيم في دلائل النبوة أن الزهري قال: لقيته بدمشق في زمن عبد الملك بن مروان، وقوله " ابن الناطور " كلام إضافي اسم كان وخبره.

                                                                                                                                                                                  قوله " أسقف " على اختلاف الروايات فيه، وقوله " صاحب إيلياء " كلام إضافي يجوز فيه الوجهان: النصب على الاختصاص، والرفع على أنه صفة لابن الناطور أو خبر مبتدأ محذوف أي هو صاحب إيلياء.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: نصب على الحال، وفيه بعد قوله " وهرقل " بفتح اللام في محل الجر على أنه معطوف على إيلياء أي صاحب إيلياء وصاحب هرقل.

                                                                                                                                                                                  قوله " يحدث " جملة في محل الرفع لأنها خبر ثان لكان.

                                                                                                                                                                                  قوله " أصبح " خبر أن، و" يوما " نصب على الظرف و" خبيث النفس " نصب على أنه خبر أصبح.

                                                                                                                                                                                  قوله " قال ابن الناطور " إلى قوله " فقال لهم " جمل معترضة بين سؤال بعض البطارقة وجواب هرقل إياهم.

                                                                                                                                                                                  قوله " وكان هرقل " حزاء عطف على مقدر تقديره قال ابن الناطور، كان هرقل عالما وكان حزاء فلما حذف المعطوف عليه أظهر هرقل في المعطوف، وحزاء نصب لأنه خبر كان.

                                                                                                                                                                                  قوله " ينظر في النجوم " خبر بعد خبر، فعلى هذا محلها الرفع ويجوز أن يكون تفسيرا لقوله حزاء، فحينئذ يكون محلها النصب.

                                                                                                                                                                                  قوله " ملك الختان " كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله " قد ظهر ".

                                                                                                                                                                                  قوله [ ص: 94 ] " فمن يختتن " فمن هاهنا استفهامية.

                                                                                                                                                                                  قوله " فبينما هم " أصله " بين " أشبعت الفتحة فصار بينا: ثم زيدت عليها ما، والمعنى واحد. وقوله " هم " مبتدأ، " وعلى أمرهم " خبره. وقوله " أتى هرقل " جوابه، وقد يأتي بإذ وإذا. والأفصح تركهما، والتقدير: بين أوقات أمرهم إذ أتى وأراد بالأمر مشورتهم التي كانوا فيها.

                                                                                                                                                                                  قوله " أرسل به " جملة في محل الجر لأنها صفة لرجل ولم يسم هذا الرجل من هو ولا سمى من أحضره أيضا.

                                                                                                                                                                                  قوله " أمختتن " الهمزة فيه للاستفهام.

                                                                                                                                                                                  قوله " هذا يملك هذه الأمة " قد ظهر قد ذكرنا أن فيه ثلاث روايات يحتاج إلى توجيهها على الوجه المرضي، ولم أر أحدا من الشراح قديما وحديثا شفى العليل هاهنا ولا أروى الغليل، وإنما رأيت شارحا نقل عن السهيلي وعن شيخ نفسه، أما الذي نقل عن السهيلي فهو قوله ووجهه السهيلي في أماليه بأنه مبتدأ وخبر أي هذا المذكور يملك هذه الأمة، وهذا توجيه الرواية التي فيها هذا يملك هذه الأمة بالفعل المضارع، وهذا فيه خدش لأن قوله " قد ظهر " يبقى سائبا من هذا الكلام، وأما الذي نقل عن شيخه فهو أنه قد وجه قول من قال إن يملك يجوز أن يكون نعتا أي هذا رجل يملك هذه الأمة، فقال في توجيهه يجوز أن يكون المحذوف وهو الموصول على رأي الكوفيين أي هذا الذي يملك، وهو نظير قوله.

                                                                                                                                                                                  وهذا تحملين طليق.

                                                                                                                                                                                  وهذا أيضا فيه خدش من وجهين أحدهما ما ذكرنا والآخر أن قوله وهو نظير قوله وهذا تحملين طليق قياس غير صحيح لأن البيت ليس فيه حذف، وإنما فيه أن الكوفيين قالوا إن لفظة هذا هاهنا بمعنى الذي، تقديره: والذي تحملين طليق، وأما البصريون فيمنعون ذلك ويقولون هذا اسم إشارة وتحملين حال من ضمير الخبر، والتقدير: وهذا طليق محمولا، فنقول بعون الله تعالى: أما وجه الرواية التي فيها يملك بالفعل المضارع فإن قوله هذا مبتدأ، وقوله " يملك " جملة من الفعل والفاعل في محل الرفع خبره، وقوله " هذه الأمة " مفعول يملك، وقوله " قد ظهر " جملة وقعت حالا، وقد علم أن الماضي المثبت إذا وقع حالا لا بد أن يكون فيه قد ظاهرة أو مقدرة.

                                                                                                                                                                                  وأما وجه الرواية التي فيها ملك هذه الأمة بضم الميم وسكون اللام، فإن قوله هذا يحتمل وجهين من الإعراب أحدهما أن يكون مبتدأ محذوف الخبر تقديره هذا الذي نظرته في النجوم، والآخر أن يكون فاعلا لفعل محذوف تقديره جاء هذا، أشار به إلى قوله " ملك الختان قد ظهر " وبكون قوله " ملك هذه الأمة " مبتدأ، وقوله " قد ظهر " خبره، وتكون هذه الجملة كالكاشفة للجملة الأولى فلذلك ترك العاطف بينهما، وأما وجه الرواية التي فيها هذا ملك هذه الأمة قد ظهر بفتح الميم وكسر اللام، فإن قوله " هذا " يكون إشارة إلى رسول الله عليه السلام، ويكون مبتدأ، وقوله " ملك هذه الأمة " خبره، وقوله " قد ظهر " حال منتظرة، والعامل فيها معنى الإشارة في هذا، وروي هنا أيضا هذا بملك هذه الأمة بالباء الجارة، فإن صحت هذه الرواية تكون الباء متعلقة بقوله " قد ظهر " وبكون التقدير: هذا الذي رأيته في النجوم قد ظهر بملك هذه الأمة التي تختتن، فافهم.

                                                                                                                                                                                  قوله " بالرومية " صفة لـ صاحب والباء ظرفية.

                                                                                                                                                                                  قوله " إلى حمص " مفتوح في موضع الجر لأنه غير منصرف للعلمية والتأنيث والعجمة، وقال بعضهم: يحتمل أن يجوز صرفه، قلت: لا يحتمل أصلا لأن هذا القائل إنما غره فيما قاله سكون أوسط حمص، فإن ما لا ينصرف إذا سكن أوسطه يكون في غاية الخفة، وذلك يقاوم أحد السببين فيبقى الاسم بسبب واحد فيجوز صرفه، ولكن هذا فيما إذا كان الاسم فيه علتان فبسكون الأوسط يبقى بسبب واحد، وأما إذا كانت فيه ثلاث علل مثل ماه وجور فإنه لا ينصرف البتة لأن بعد مقاومة سكونه أحد الأسباب يبقى سببان، وحمص كما ذكرنا فيها ثلاث علل فافهم.

                                                                                                                                                                                  قوله " أنه نبي " بفتح أن عطف على قوله " على خروج النبي عليه السلام "، وأراد بالخروج الظهور.

                                                                                                                                                                                  قوله " له " في محل الجر لأنه صفة لدسكرة أي كائنة له.

                                                                                                                                                                                  وقوله " بحمص " يجوز أن يكون صفة لدسكرة ويجوز أن يكون حالا من هرقل.

                                                                                                                                                                                  قوله " ثم اطلع " أي خرج من الحرم وظهر على الناس.

                                                                                                                                                                                  قوله " وأن يثبت " بفتح أن وهي مصدرية عطف على قوله " في الفلاح "، أي: وهل لكم في ثبوت ملككم؟

                                                                                                                                                                                  قوله " وأيس من الإيمان " جملة وقعت حالا بتقدير " قد " قوله آنفا، قال بعضهم: منصوب على الحال، قلت: لا يصح أن يكون حالا بل هو نصب على الظرف لأن معناه ساعة أو أول وقت كما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                  قوله " أختبر بها " حال وقد علم أن المضارع المثبت إذا وقع حالا لا يجوز فيه الواو.

                                                                                                                                                                                  قوله " آخر شأن هرقل " أي آخر أمره في النبي عليه السلام في هذه القضية لأنه وقعت له قصص أخرى بعد ذلك وآخر بالنصب هو الصحيح من الرواية لأنه خبر كان، وقوله " ذلك اسمه " [ ص: 95 ] وهو إشارة إلى ما ذكر من الأمور، فإن صحت الرواية بالرفع فوجهه أن يكون اسم كان وخبره ذلك مقدما.

                                                                                                                                                                                  (بيان المعاني والبيان)

                                                                                                                                                                                  قوله " الحرب بيننا وبينه سجال " هذا تشبيه بليغ شبه الحرب بالسجال مع حذف أداة التشبيه لقصد المبالغة كما في قولك: زيد أسد، إذا أردت به المبالغة في بيان شجاعته، فصار كأنه عين الأسد، ولهذا حمل الأسد عليه، وذكر السجال وأراد به النوب، يعني الحرب بيننا وبينه نوب نوبة لنا ونوبة له كالمستقيين إذا كان بينهما دلوان يستقي أحدهما دلوا والآخر دلوا، هذا إذا أريد من السجال الدلاء لأنه جمع سجل بالفتح وهو الدلو العظيم، وإن أريد به المصدر كالمساجلة وهي المفاخرة وهي أن يصنع أحدهما ما يصنع الآخر لا يكون من هذا الباب، فافهم.

                                                                                                                                                                                  قوله " ولا تشركوا به " أي بالله، وهذه الجملة عطف على قوله " اعبدوا الله وحده " من عطف المنفي على المثبت، وهو في الحقيقة عطف الخاص على العام من قبيل: تنـزل الملائكة والروح فإن عبادة الله أعم من عدم الإشراك به، وفي رواية " لا تشركوا به " بدون الواو، فتكون الجملة الثانية في حكم التأكيد لأن بين الجملتين كمال الاتصال، فتكون الثانية مؤكدة للأولى ومنزلة منها منزلة التأكيد المعنوي من متبوعه في إفادة التقرير مع الاختلاف في اللفظ.

                                                                                                                                                                                  قوله " واتركوا ما تقول آباؤكم " حذف المفعول منه ليدل على العموم، أعني عموم قوله " ما كانوا عليه في الجاهلية " وفي ذكر الآباء تنبيه على أنهم هم القدوة في مخالفتهم للنبي عليه السلام، وهم عبدة الأوثان والنصارى واليهود.

                                                                                                                                                                                  قوله " حين يخالط بشاشته القلوب " مخالطة بشاشة الإيمان القلوب كناية عن انشراح الصدر والفرح به والسرور.

                                                                                                                                                                                  قوله " فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله " فيه من فن المشاكلة والمطابقة وذلك لأن في كلام هرقل سألتك بم يأمركم، فكذلك في حكايته عن كلام أبي سفيان قال: فذكرت أنه يأمركم بطريق المشاكلة، وأبو سفيان في جوابه إياه فيما مضى لم يقل إلا قلت، يقول: اعبدوا الله، فعدل هاهنا عنه إلى قوله " فذكرت أنه يأمركم "، وقال الكرماني في جواب هذا أن هرقل إنما غير عبارته تعظيما للرسول عليه السلام وتأدبا له.

                                                                                                                                                                                  قوله " أسلم تسلم " فيه جناس اشتقاقي وهو أن يرجع اللفظان في الاشتقاق إلى أصل واحد.

                                                                                                                                                                                  قوله " فإن توليت " أي أعرضت، وحقيقة التولي إنما هو بالوجه ثم استعمل مجازا في الإعراض عن الشيء، قلت: هذا استعارة تبعية، وقد علم أن الاستعارة على قسمين: أصلية، وتبعية. وذلك باعتبار اللفظ لأنه إن كان اسم جنس سواء كان عينا أو معنى فالاستعارة أصلية كأسد وفيل، وإن كان غير اسم جنس فالاستعارة تبعية، وجه كونها تبعية أن الاستعارة تعتمد التشبيه والتشبيه يعتمد كون المشبه موصوفا، والأمور الثلاثة عن الموصوفية بمعزل، فتقع الاستعارة أولا في المصادر ومتعلقات معاني الحروف ثم تسري في الأفعال والصفات والحروف.

                                                                                                                                                                                  قوله " وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل " قال الكرماني: ولفظ الصاحب هنا بالنسبة إلى هرقل حقيقة وبالنسبة إلى إيلياء مجاز; إذ المراد منه الحاكم فيه وإرادة المعنى الحقيقي والمعنى المجازي من لفظ واحد باستعمال واحد جائز عند الشافعي، وأما عند غيره فهو مجاز بالنسبة إلى المعنيين باعتبار معنى شامل لهما، ومثله يسمى بعموم المجاز، قلت: لا نسلم اجتماع الحقيقة والمجاز هاهنا لأن فيه حذفا تقديره: وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وصاحب هرقل، ففي الأول مجاز وفي الثاني حقيقة فلا جمع هاهنا، وارتكاب الحذف أولى من ارتكاب المجاز فضلا عن الجمع بين الحقيقة والمجاز الذي هو كالمستحيل على ما عرف في موضعه.

                                                                                                                                                                                  قوله " من هذه الأمة " أي من أهل هذا العصر، وإطلاق الأمة على أهل العصر كلهم فيه تجوز، والأمة في اللغة الجماعة، قال الأخفش: هو في اللفظ واحد وفي المعنى جمع، وكل جنس من الحيوان أمة.

                                                                                                                                                                                  وفي الحديث: " لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها "، والمراد من قوله ملك هذه الأمة قد ظهر العرب خاصة.

                                                                                                                                                                                  قوله " فحاصوا حيصة حمر الوحش " أي كحيصة حمر الوحش، شبه نفرتهم وجهلهم مما قال لهم هرقل وأشار إليهم من أتباع الرسول عليه السلام بنفرة حمر الوحش لأنها أشد نفرة من سائر الحيوانات، ويضرب المثل بشدة نفرتها.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: شبههم بالحمر دون غيرها من الوحوش لمناسبة الجهل في عدم الفطنة بل هم أضل، قلت: هذا كلام من لا وقوف له في علمي المعاني والبيان، ولا يخفى وجه التشبيه هاهنا على من له أدنى ذوق في العلوم.

                                                                                                                                                                                  (الأسئلة والأجوبة)

                                                                                                                                                                                  الأول: ما قيل أن قصة أبي سفيان مع هرقل إنما كانت في أواخر عهد البعثة، فما مناسبة ذكرها لما ترجم عليه الباب وهو كيفية بدء الوحي؟ وأجيب بأن كيفية بدء الوحي تعلم من جميع ما في الباب، وهو ظاهر لا يخفى.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 96 ] الثاني: ما قيل أن هرقل لم خص الأقرب بقوله " أيهم أقرب نسبا "، وأجيب بأنه أحرى بالاطلاع على أموره ظاهرا وباطنا، ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب.

                                                                                                                                                                                  الثالث: ما قيل لم عدل عن السؤال عن نفس الكذب إلى السؤال عن التهمة، وأجيب بأنه لتقريرهم على صدقه لأن التهمة إذا انتفت انتفى سببها.

                                                                                                                                                                                  الرابع: ما قيل أن أبا سفيان لما قال له هرقل " فهل يغدر "، قال: قلت: لا، فما معنى كلامه بعده " ونحن منه في مدة " إلى آخره أجيب بأنه لما قطع بعدم غدره لعلمه من أخلاقه الوفاء والصدق أحال الأمر على الزمن المستقبل لكونه مغيبا وأورده على التردد، ومع هذا كان يعلم أن صدقه ووفاءه ثابت مستمر، ولهذا لم يقدح هرقل على هذا القدر منه.

                                                                                                                                                                                  الخامس: ما قيل ما وجه قول أبي سفيان " الحرب بيننا وبينه سجال " أجيب بأنه أشار بذلك إلى ما وقع بينهم في غزوة بدر وغزوة أحد، وقد صرح بذلك أبو سفيان يوم أحد في قوله: يوم بيوم بدر والحرب سجال.

                                                                                                                                                                                  السادس: ما قيل كيف خصص أبو سفيان الأربعة المذكورة بالذكر، وهي: الصلاة والصدق والعفاف والصلة؟ وأجيب للإشارة إلى تمام مكارم الأخلاق وكمال أنواع فضائله; لأن الفضيلة إما قولية وهي الصدق. وإما فعلية وهي إما بالنسبة إلى الله تعالى وهي الصلاة لأنها تعظيم الله تعالى، وإما بالنسبة إلى نفسه وهي العفة، وإما بالنسبة إلى غيره وهي الصلة.

                                                                                                                                                                                  ولما كان مبنى هذه الأمور الصدق وصحتها موقوفة على التوحيد وترك الإشراك بالله تعالى أشار إليه بقوله أولا " يقول اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا "، وأشار بهذا القسم الى التخلي عن الرذائل وبالقسم الأول إلى التحلي بالفضائل، ويؤول حاصل الكلام الى أنه ينهانا عن النقائص ويأمرنا بالكمالات فافهم.

                                                                                                                                                                                  السابع: ما قيل " لا تشركوا " كيف يكون مأمورا به والعدم لا يؤمر به إذ لا تكليف إلا بفعل لا سيما في الأوامر، وأجيب بأن المراد به التوحيد.

                                                                                                                                                                                  الثامن: ما قيل " لا تشركوا " نهي، فما معنى ذلك إذ لا يقال له أمر؟ وأجيب بأن الإشراك منهي عنه وعدم الإشراك مأمور به مع أن كل نهي عن شيء أمر بضده وكل أمر بشيء نهي عن ضده. قلت: هذا الموضع فيه تفصيل لا نزاع في أن الأمر بالشيء نهي عن ترك ذلك الشيء بالتضمن نهي تحريم إن كان الأمر للوجوب ونهي كراهة إن كان للندب، فإذا قال: صم يلزمه أن لا يترك الصوم، وإنما النزاع في أن الأمر هل هو نهي عن ضده الوجودي مثلا، قولك: اسكن عين، قولك: لا تتحرك بمعنى أن المعنى الذي عبر عنه باسكن عين ما عبر عنه بلا تتحرك فتكون عبارتان لإفادة معنى واحد أم لا؟ فيه النزاع، لا في أن صيغة اسكن عين صيغة لا تتحرك، فإنه ظاهر الفساد لم يذهب إليه أحد، فذهب بعض الشافعية والقاضي أبو بكر أولا أن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده بالمعنى المذكور. وقال القاضي آخرا وكثير من الشافعية وبعض المعتزلة إن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده لا أنه عينه إذ اللازم غير الملزوم. وذهب إمام الحرمين والغزالي وباقي المعتزلة إلى أنه لا حكم لكل واحد منهما في ضده أصلا بل هو مسكوت عنه، ومنهم من اقتصر فقال: الأمر بالشيء عين النهي عن ضده أو يستلزمه ولم يتجاوز، ومنهم من تجاوز إلى الجانب الآخر وقال: النهي عن الشيء عين الأمر بضده أو يستلزمه.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو بكر الجصاص: وهو مذهب عامة العلماء الحنفية، وأصحاب الشافعي، وأهل الحديث أن الأمر بالشيء نهي عن ضده إذا كان له ضد واحد; كالأمر بالإيمان نهي عن الكفر وإن كان له أضداد كالأمر بالقيام له أضداد; من القعود والركوع والسجود والاضطجاع - يكون الأمر به نهيا عن جميع أضداده كلها، وقال بعضهم: يكون نهيا عن واحد منها من غير عين، وفصل بعضهم بين الأمر بالإيجاب والأمر بالندب، فقال: أمر الإيجاب يكون نهيا عن ضد المأمور به وعن أضداده لكونها مانعة من قبل الموجب، وأمر الندب لا يكون كذلك فكانت أضداد المندوب غير منهي عنها لا نهي تحريم ولا نهي تنزيه، ومن لم يفصل جعل أمر الندب نهيا عن ضده نهي ندب حتى يكون الامتناع عن ضد المندوب مندوبا كما يكون فعله مندوبا، وأما النهي عن الشيء فأمر بضده إن كان له ضد واحد باتفاقهم; كالنهي عن الكفر أمر بالإيمان وإن كان له أضداد; فعند بعض الحنفية وبعض أصحاب الحديث يكون أمرا بالأضداد كلها كما في جانب الأمر، وعند عامة الحنفية وعامة أصحاب الحديث يكون أمرا بواحد من الأضداد غير عين. وذهب بعضهم إلى أنه يوجب حرمة ضده، وقال بعضهم: يدل على حرمة ضده، وقال بعض الفقهاء: يدل على كراهة ضده، وقال بعضهم: يوجب كراهة ضده. ومختار القاضي أبي زيد وشمس الأئمة وفخر الإسلام ومن تابعهم أنه يقتضي كراهة ضده [ ص: 97 ] والنهي عن الشيء يوجب أن يكون ضده في معنى سنة مؤكدة.

                                                                                                                                                                                  التاسع: ما قيل " وينهاكم عن عبادة الأوثان " لم يذكره أبو سفيان فلم ذكره هرقل؟ وأجيب بأنه قد لزم ذلك من قول أبي سفيان " وحده " ومن " ولا تشركوا " ومن " واتركوا ما يقول آباؤكم "، ومقولهم كان عبادة الأوثان.

                                                                                                                                                                                  العاشر: ما قيل ما ذكر هرقل لفظة الصلة التي ذكرها أبو سفيان فلم تركها، وأجيب بأنها داخلة في العفاف إذ الكف عن الحرام وخوارم المروءة يستلزم الصلة وفيه نظر إلا أن يراد أن الاستلزام عقلي، فافهم.

                                                                                                                                                                                  الحادي عشر: ما قيل لم ما راعى هرقل الترتيب وقدم في الإعادة سؤال التهمة على سؤال الاتباع والزيادة والارتداد، وأجيب بأن الواو ليست للترتيب أو أن شدة اهتمام هرقل بنفي الكذب على الله سبحانه وتعالى عنه بعثه على التقديم.

                                                                                                                                                                                  الثاني عشر: ما قيل السؤال من أحد عشر وجها، والمعاد في كلام هرقل تسعة حيث لم يقل وسألتك عن القتال وسألتك كيف كان قتالكم، فلم ترك هذين الاثنين، وأجيب لأن مقصوده بيان علامات النبوة وأمر القتال لا دخل له فيها إلا بالنظر إلى العاقبة، وذلك عند وقوع هذه القصة كانت في الغيب، وغير معلوم لهم أو لأن الراوي اكتفى بما سيذكره في رواية أخرى يوردها في كتاب الجهاد في باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام بعد تكرر هذه القصة مع الزيادات وهو أنه قال: " وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم وزعمت أن قد فعل وأن حربكم وحربه يكون دولا وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة ".

                                                                                                                                                                                  الثالث عشر: ما قيل: كيف قال هرقل: " وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها " ومن أين علم ذلك، وأجيب باطلاعه في العلوم المقررة عندهم من الكتب السالفة.

                                                                                                                                                                                  الرابع عشر: ما قيل كيف قال في الموضعين، فقلت: وفي غيرهما لم يذكره، وأجيب بأن هذين المقامين مقام تكبر وبطر بخلاف غيرهما.

                                                                                                                                                                                  الخامس عشر: ما قيل كيف، قال: " وكنت أعلم أنه خارج "، ومأخذه من أين، وأجيب بأن مأخذه إما من القرائن العقلية وإما من الأحوال العادية وإما من الكتب القديمة كما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                  السادس عشر: ما قيل هذه الأشياء التي سألها هرقل ليست بقاطعة على النبوة، وإنما القاطع المعجزة الخارقة للعادة، فكيف قال: " وكنت أعلم أنه خارج " بالتأكيدات والجزم، وأجيب بأنه كان عنده علم بكونها علامات هذا النبي عليه السلام، وبه قطع ابن بطال. وقال: أخبار هرقل وسؤاله عن كل فصل فصل إنما كان عن الكتب القديمة، وإنما كان ذلك كله نعتا للنبي عليه السلام مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل.

                                                                                                                                                                                  السابع عشر: ما قيل هل يحكم بإسلام هرقل بقوله " فلو أني أعلم أني أخلص له لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت رجليه "؟ وأجيب بأنا لا نحكم به لأنه ظهر منه ما ينافيه; حيث قال: " إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم "، فعلمنا أنه ما صدر منه ما صدر عن التصديق القلبي والاعتقاد الصحيح بل لامتحان الرعية بخلاف إيمان ورقة فإنه لم يظهر منه ما ينافيه، وفيه نظر لأنه يجوز أن يكون قوله ذلك خوفا على نفسه لما رآهم حاصوا حيصة الحمر الوحشية وأراد بذلك إسكاتهم وتطمينهم، ومن أين وقفنا على ما في قلبه؟ هل صدر هذا القول عن تصديق قلبي أم لا؟ ولكن قال النووي: لا عذر فيما قال " لو أعلم لتجشمت " لأنه قد عرف صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما شح بالملك ورغب في الرياسة فآثرهما على الإسلام وقد جاء ذلك مصرحا به في صحيح البخاري، ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي وما زالت عنه الرياسة.

                                                                                                                                                                                  وقال الخطابي: إذا تأملت معاني هذا الكلام الذي وقع في مسألته عن أحوال الرسول عليه السلام وما استخرجه من أوصافه تبينت حسن ما استوصف من أمره وجوامع شأنه، ولله دره من رجل ! ما كان أعقله لو ساعد معقوله مقدوره !

                                                                                                                                                                                  وقال أبو عمر: آمن قيصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأبت بطارقته، قلت: قوله " لو أعلم أني أخلص إليه " يدل على أنه لم يكن يتحقق السلامة من القتل لو هاجر إلى النبي عليه السلام، وقاس ذلك على قصة ضفاطر الذي أظهر لهم إسلامه فقتلوه، ولكن لو نظر هرقل في الكتاب إليه إلى قوله عليه السلام: " أسلم تسلم "، وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لو أسلم لسلم من كل ما كان يخافه، ولكن القدر ما ساعده، ومما يقال أن هرقل آثر ملكه على الإيمان وتمادى على الضلال أنه حارب المسلمين في غزوة مؤتة سنة ثمان بعد هذه القصة بدون السنتين، ففي مغازي ابن إسحاق: وبلغ المسلمين لما نزلوا معان من أرض الشام أن هرقل نزل في مائة ألف من المشركين، فحكى كيفية الواقعة، وكذا روى ابن حبان في صحيحه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كتب إليه أيضا من تبوك يدعوه وأنه [ ص: 98 ] قارب الإجابة ولم يجب، فدل ظاهر هذا على استمراره على الكفر، لكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر الإيمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لملكه وخوفا من أن يقتله قومه، لكن في مسند أحمد رحمه الله أنه كتب من تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني مسلم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: كذب بل هو على نصرانيته، فعلى هذا إطلاق أبي عمر أنه آمن أي أظهر التصديق لكنه لم يستمر عليه وآثر الفانية على الباقية، وقال ابن بطال: قول هرقل " لو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه " أي دون خلع ملكه ودون اعتراض عليه، وكانت الهجرة فرضا على كل مسلم قبل فتح مكة، فإن قيل: النجاشي لم يهاجر وهو مؤمن، قلت: النجاشي كان ردأ للإسلام هناك وملجأ لمن أوذي من الصحابة، وحكم الردء حكم المقاتل، وكذا ردء اللصوص والمحاربين عند مالك والكوفيين يقتل بقتلهم، ويجب عليه ما يجب عليهم وإن لم يحضروا القتل خلافا للشافعي، ومثله تخلف عثمان وطلحة وسعيد بن زيد عن بدر، وضرب لهم الشارع بسهمهم وأجرهم.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال: ولم يصح عندنا أن هرقل جهر بالإسلام، وإنما عندنا أنه آثر ملكه على الجهر بكلمة الحق، ولسنا نقنع بالإسلام دون الجهر به، ولم يكن هرقل مكرها حتى يعذر وأمره إلى الله تعالى، وقد حكى القاضي عياض فيمن اطمأن قلبه بالإيمان ولم يتلفظ وتمكن من الإتيان بكلمتي الشهادة فلم يأت بها: هل يحكم بإسلامه أم لا؟ اختلافا بين العلماء مع أن المشهور لا يحكم به، وقيل: إن قوله: هل لكم في الفلاح والرشد فتبايعوا هذا الرجل؟ يظهر أنه أعلن، والله أعلم بحقيقة أمره.

                                                                                                                                                                                  الثامن عشر: ما قيل أن قوله " يؤتك الله أجرك مرتين " يعارضه قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأجيب بأن هذا كان عدلا وكان ذاك فضلا كما في قوله تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ونحو ذلك. وأما أنه يؤتى الأجر مرتين مرة لإيمانه بعيسى عليه السلام ومرة لإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو موافق لقوله تعالى: أولئك يؤتون أجرهم مرتين الآية.

                                                                                                                                                                                  التاسع عشر: ما قيل في قوله " فإن عليك إثم الأريسيين " كيف يكون إثم غيره عليه؟ وقد قال الله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى وأجيب بأن المراد أن إثم الإضلال عليه، والإضلال أيضا وزره كالضلال على أنه معارض بقوله وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم

                                                                                                                                                                                  العشرون: ما قيل: كيف علم هرقل أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين نظر في النجوم؟ وأجيب بأنه علم ذلك بمقتضى حساب المنجمين لأنهم زعموا أن المولد النبوي كان بقران العلويين برج العقرب، وهما يقرنان في كل عشرين سنة مرة إلى أن يستوفي الثلاثة بروجها في ستين سنة، وكان ابتداء العشرين الأولى المولد النبوي في القران المذكور، وعند تمام العشرين الثانية مجيء جبريل عليه السلام بالوحي، وعند تمام الثالثة فتح خيبر وعمرة القضاء التي جرت فتح مكة وظهور الإسلام، وفي تلك الأيام رأى هرقل ما رأى، وقالوا أيضا إن برج العقرب مائي وهو دليل ملك القوم الذين يختتنون فكان ذلك دليلا على انتقال الملك إلى العرب، وأما اليهود فليسوا مرادا هاهنا لأن هذا لمن سينتقل إليه الملك لا لمن انقضى ملكه.

                                                                                                                                                                                  الحادي والعشرون: ما قيل: كيف سوغ البخاري إيراد هذا الخبر المشعر بتقوية خبر المنجم والاعتماد على ما يدل عليه أحكامهم؟ وأجيب بأنه لم يقصد ذلك بل قصد أن يبين أن البشارات بالنبي عليه السلام جاءت من كل طريق وعلى لسان كل فريق من كاهن أو منجم محق أو مبطل إنسي أو جني.

                                                                                                                                                                                  الثاني والعشرون: ما قيل: إن قوله: حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأنه نبي يدل على أن كلا من هرقل وصاحبه قد أسلم، فكيف حكمت بإسلام صاحبه ولم تحكم بإسلام هرقل؟ وأجيب بأن ذلك استمر على إسلامه وقتل، وهرقل لم يستمر وآثر ملكه على الإسلام.

                                                                                                                                                                                  وقد روى ابن إسحاق أن هرقل أرسل دحية إلى ضفاطر الرومي، وقال: إنه في الروم أجوز قولا مني وإن ضفاطر المذكور أظهر إسلامه وألقى ثيابه التي كانت عليه ولبس ثيابا بيضا، وخرج إلى الروم فدعاهم إلى الإسلام وشهد شهادة الحق، فقاموا إليه فضربوه حتى قتلوه، قال: فلما خرج دحية إلى هرقل قال له: قد قلت لك: إنا نخافهم على أنفسنا، فضفاطر كان أعظم عندهم مني، وقال بعضهم: فيحتمل أن يكون هو صاحب رومية الذي أبهم هنا، ثم قال: لكن يعكر عليه ما قيل أن دحية لم يقدم على هرقل بهذا الكتاب المكتوب في سنة الحديبية وإنما قدم عليه بالكتاب المكتوب في غزوة تبوك، فعلى هذا يحتمل أن يكون وقعت لضفاطر قضيتان: إحداهما التي ذكرها ابن الناطور وليس فيها أنه أسلم ولا أنه قتل، والثانية: التي ذكرها ابن إسحاق فإن فيها قصته مع دحية بالكتاب إلى قيصر وأنه أسلم فقتل، والله أعلم. قلت: غزوة تبوك كانت في سنة تسع من الهجرة، وذكر ابن جرير الطبري بعث دحية بالكتاب إلى قيصر في سنة [ ص: 99 ] ثمان، وذكر السهيلي رحمه الله أن هرقل وضع كتاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الذي كتبه إليه في قصبة من ذهب تعظيما، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه كابرا عن كابر في أعز مكان، حتى كان عند إذفرنش الذي تغلب على طيطلة وما أخذها من بلاد الأندلس، ثم كان عند ابنه المعروف بشليطن، وحكي أن الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي أرسل سيف الدين طلح المنصوري إلى ملك الغرب بهدية فأرسله ملك الغرب إلى ملك الإفرنج في شفاعة فقبلها وعرض عليه الإقامة عنده فامتنع، فقال له: لأتحفنك بتحفة سنية، فأخرج له صندوقا مصفحا من ذهب فأخرج منه مقلمة من ذهب، فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه، فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر، فما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم لنا الملك.

                                                                                                                                                                                  ثم اختلف الإخباريون: هل هرقل هو الذي حاربه المسلمون في زمن أبي بكر وعمر أو ابنه؟ فقال بعضهم: هو إياه، وقال بعضهم: هو ابنه، والذي أثبته في تاريخي عن أهل التواريخ والأخبار أن هرقل الذي كتب إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد هلك وملك بعده ابنه قيصر واسمه مورق، وكان في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ثم ملك بعده ابنه هرقل بن قيصر وكان في خلافة عمر رضي الله عنه وعليه كان الفتح، وهو المخرج من الشام أيام أبي عبيدة وخالد بن الوليد رضي الله عنهما، فاستقر بالقسطنطينية، وعدة ملوكهم أربعون ملكا وسنوهم خمسمائة وسبع سنين، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                  (بيان استنباط الأحكام)

                                                                                                                                                                                  وهو على وجوه:

                                                                                                                                                                                  الأول: يستفاد من قوله " إلى عظيم الروم " ملاطفة المكتوب إليه وتعظيمه، فإن قلت: لم لم يقل إلى ملك الروم؟ قلت: لأنه معزول عن الحكم بحكم دين الإسلام ولا سلطنة لأحد إلا من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فلم لم يقل إلى هرقل فقط؟ قلت: ليكون فيه نوع من الملاطفة، فقال: " عظيم الروم " أي الذي تعظمه الروم، وقد أمر الله تعالى بتليين القول لمن يدعى إلى الإسلام، وقال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة

                                                                                                                                                                                  الثاني: فيه تصدير الكتاب بـ بسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا، فإن قلت: كيف صدر سليمان عليه السلام كتابه باسمه، حيث قال: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم قلت: خاف من بلقيس أن تسب، فقدم اسمه حتى إذا سبت يقع على اسمه دون اسم الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  وقال الشيخ قطب الدين: وفيه أن السنة في المكاتبات أن يبدأ بنفسه، فيقول: من فلان إلى فلان وهو قول الأكثرين، وكذا في العنوان أيضا: يكتب كذلك، واحتجوا بهذا الحديث وبما أخرجه أبو داود عن العلاء بن الحضرمي وكان عامل النبي صلى الله عليه وسلم على البحرين، وكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه، وفي لفظ: بدأ باسمه، وقال حماد بن زيد: كان الناس يكتبون من فلان بن فلان إلى فلان بن فلان، أما بعد. قال بعضهم: وهو إجماع الصحابة.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو جعفر النحاس: وهذا هو الصحيح، وقال غيره: وكره جماعة من السلف خلافه، وهو أن يكتب أولا باسم المكتوب إليه، ورخص فيه بعضهم، وقال: يبدأ باسم المكتوب إليه، روي أن زيد بن ثابت كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية.

                                                                                                                                                                                  وعن محمد بن الحنفية وأيوب السختياني أنهما قالا: لا بأس بذلك، وقيل: يقدم الأب ولا يبدأ ولد باسمه على والده والكبير السن كذلك.

                                                                                                                                                                                  قلت: يرده حديث العلاء لكتابته إلى أفضل البشر، وحقه أعظم من حق الوالد وغيره.

                                                                                                                                                                                  الثالث: فيه التوقي في المكاتبة واستعمال عدم الإفراط.

                                                                                                                                                                                  الرابع: فيه دليل لمن قال بجواز معاملة الكفار بالدراهم المنقوشة فيها اسم الله تعالى للضرورة، وإن كان عن مالك الكراهة; لأن ما في هذا الكتاب أكثر مما في هذا المنقوش من ذكر الله تعالى.

                                                                                                                                                                                  الخامس: فيه الوجوب بعمل خبر الواحد وإلا لم يكن لبعثه مع دحية فائدة مع غيره من الأحاديث الدالة عليه.

                                                                                                                                                                                  السادس: فيه حجة لمن منع أن يبتدأ الكافر بالسلام، وهو مذهب الشافعي وأكثر العلماء، وأجازه جماعة مطلقا وجماعة للاستئلاف أو الحاجة، وقد جاء عنه النهي في الأحاديث الصحيحة، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ".. الحديث.

                                                                                                                                                                                  وقال البخاري وغيره: ولا يسلم على المبتدع ولا على من اقترف ذنبا كبيرا ولم يتب منه، ولا يرد عليهم السلام، واحتج البخاري بحديث كعب بن مالك، وفيه: نهى رسول الله عليه السلام عن كلامنا.

                                                                                                                                                                                  السابع: فيه استحباب " أما بعد " في المكاتبة والخطبة، وفي أول من قالها خمسة أقوال: داود عليه السلام، أو قس بن ساعدة، أو كعب بن لؤي، أو يعرب بن قحطان، أو سحبان الذي يضرب به المثل في الفصاحة.

                                                                                                                                                                                  الثامن: فيه أن من أدرك من أهل الكتاب [ ص: 100 ] نبينا عليه السلام، فآمن به فله أجران.

                                                                                                                                                                                  التاسع: قال الخطابي: في هذا الخبر دليل على أن النهي عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو إنما هو في حمل المصحف والسور الكثيرة دون الآية والآيتين ونحوهما.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال: إنما فعله عليه السلام لأنه كان في أول الإسلام، ولم يكن بد من الدعوة العامة، وقد نهى عليه السلام وقال: لا تسافر بالقرآن إلى أرض العدو، وقال العلماء: ولا يمكن المشركون من الدراهم التي فيها ذكر الله تعالى، قلت: كلام الخطابي أصوب لأنه يلزم من كلام ابن بطال النسخ، ولا يلزم من كلام الخطابي.

                                                                                                                                                                                  والحديث محمول على ما إذا خيف وقوعه في أيدي الكفار.

                                                                                                                                                                                  العاشر: فيه دعاء الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم وهو واجب والقتال قبله حرام إن لم تكن بلغتهم الدعوة، وإن كانت بلغتهم فالدعاء مستحب. هذا مذهب الشافعي، وفيه خلاف للجماعة ثلاثة مذاهب، حكاها المازري والقاضي عياض. أحدها: يجب الإنذار مطلقا، قاله مالك وغيره. والثاني: لا يجب مطلقا. والثالث: يجب إن لم تبلغهم الدعوة وإن بلغتهم فيستحب. وبه قال نافع والحسن والثوري والليث والشافعي وابن المنذر.

                                                                                                                                                                                  قال النووي: وهو قول أكثر العلماء وهو الصحيح، قلت: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يستحب أن يدعو الإمام من بلغته مبالغة في الإنذار، ولا يجب ذلك كمذهب الجمهور.

                                                                                                                                                                                  الحادي عشر: فيه دليل على أن ذا الحسب أولى بالتقديم في أمور المسلمين ومهمات الدين والدنيا، ولذلك جعلت الخلفاء من قريش لأنه أحوط من أن يدنسوا أحسابهم.

                                                                                                                                                                                  الثاني عشر: فيه دليل لجمهور الأصوليين أن للأمر صيغة معروفة لأنه أتى بقول: اعبدوا الله، في جواب ما يأمركم، وهو من أحسن الأدلة لأن أبا سفيان من أهل اللسان، وكذلك الراوي عنه ابن عباس بل هو من أفصحهم، وقد رواه عنه مقرا له، ومذهب بعض أصحاب الشافعي أنه مشترك بين القول والفعل بالاشتراك اللفظي.

                                                                                                                                                                                  وقال آخرون بالاشتراك المعنوي، وهو التواطؤ بأن يكون القدر المشترك بينهما على ما عرف في الأصول.

                                                                                                                                                                                  الثالث عشر: قال بعض الشارحين: استدل به بعض أصحابنا على جواز مس المحدث والكافر كتابا فيه آية أو آيات يسيرة من القرآن مع غير القرآن، قلت: قال صاحب الهداية: قوله عليه السلام: " لا يقرأ الحائض والجنب شيئا من القرآن " بإطلاقه يتناول ما دون الآية أراد أنه لا يجوز للحائض والنفساء والجنب قراءة ما دون الآية خلافا للطحاوي وخلافا لمالك في الحائض، ثم قال: وليس لهم مس المصحف إلا بغلافه ولا أخذ درهم فيه سورة من القرآن إلا بصرته، ولا يمس المحدث المصحف إلا بغلافه، ويكره مسه بالكم، وهو الصحيح بخلاف الكتب الشرعية حيث يرخص في مسها بالكم لأن فيه ضرورة، ولا بأس بدفع المصحف إلى الصبيان لأن في المنع تضييع حفظ القرآن، وفي الأمر بالتطهير حرجا لهم، هذا هو الصحيح.

                                                                                                                                                                                  الرابع عشر: فيه استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة في المكاتبة، فإن قوله عليه الصلاة والسلام: " أسلم تسلم " في نهاية الاختصار وغاية الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني مع ما فيه من بديع التجنيس.

                                                                                                                                                                                  الخامس عشر: فيه جواز المسافرة إلى أرض الكفار.

                                                                                                                                                                                  السادس عشر: فيه جواز البعث إليهم بالآية من القرآن ونحوها.

                                                                                                                                                                                  السابع عشر: فيه من كان سببا لضلالة أو منع هداية كان آثما.

                                                                                                                                                                                  الثامن عشر: فيه أن الكذب مهجور وعيب في كل أمة.

                                                                                                                                                                                  التاسع عشر: يجب الاحتراز عن العدو لأنه لا يؤمن أن يكذب على عدوه.

                                                                                                                                                                                  العشرون: أن الرسل لا ترسل إلا من أكرم الأنساب لأن من شرف نسبه كان أبعد من الانتحال لغير الحق.

                                                                                                                                                                                  الحادي والعشرون: فيه البيان الواضح أن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلاماته كان معلوما لأهل الكتاب علما قطعيا، وإنما ترك الإيمان من تركه منهم عنادا أو حسدا أو خوفا على فوات مناصبهم في الدنيا.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية