الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن كان تاركا للصلاة مع قدرته على الصلاة فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وليس في هؤلاء من هو ولي لله، بل فيهم من معه شياطين توحي إليه بأشياء، وتعاونه بأشياء، فيخبرون ببعض الأمور الغائبة كما كانت الكهان تخبر، ويتصرفون في بعض الأمور بشياطينهم من جنس تصرف السحرة، فتارة يقتلون الرجل، وتارة يمرضونه، إلى أمور أخرى من جنس الحوادث، فيظن من لا يعرف حقيقة أمرهم أنهم أولياء الله وأن هذه كرامات، وقد يكون في هؤلاء من هو كافر بالله. ومن هؤلاء من يصلي، ويكون له ذنوب كبائر يكون بها فاسقا، وله شياطين تعينه. وطائفة ثالثة خير من هؤلاء، وهؤلاء فيهم خير ودين، وفيهم قلة معرفة بأمر الله ونهيه، يقترن بهم جن من جنسهم، فتارة يطيرون بهم في الهواء، فيذهبون بهم إلى مكة، ويقفون بعرفات من غير أن يحجوا الحج الذي أمر الله به ورسوله، فلا يحرمون، ولا [ ص: 80 ] يلبون، ولا يجتنبون محظورات الإحرام، ولا يقيمون بمزدلفة، ولا يطوفون بالبيت، بل يحملون في الهواء فيقفون بعرفات، ثم يحملون فيصبحون في بلدهم. وهذا من تلاعب الشياطين بهم.

ومن ظن هذا من كرامات أولياء الله فهو جاهل، فإن هذا عمل محرم، ليس مما أمر الله به ورسوله، فلا يحل لأحد أن يذهب إلى عرفات، فيقف مع الناس بثيابه، من غير أن يحج الحج الذي أمر الله به ورسوله. بل قد روي أن عمر بن الخطاب رأى بعرفات ناسا عليهم الثياب، فأراد أن يعاقبهم عقوبة بليغة.

والقلم لم يرفع إلا عن المجنون، وليس كل من رفع عنه القلم يكون وليا لله، بل من المجانين من يكون يهوديا ونصرانيا ومشركا، فلا يكون وليا لله وإن رفع عنه القلم، بخلاف من كان مؤمنا بالله وبرسوله وله صلاح ودين، فأصابه خلط أفسد مزاجه، فهذا إذا غاب عقله رفع عنه القلم، وإذا صحا تكلم بكلام أهل الإيمان، و [له] قلب يحب الله ورسوله ويحب ما أحبه الله ورسوله.

وأما من اقترنت به الشياطين، وغيبت عقله في بعض الأحوال، فهذا قد يتكلم الشياطين على لسانه بالإثم والعدوان، ويبغض إليه ما يحبه الله من الطهارة والصلاة والقرآن، ويحبب إليه ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان. ومن علامات هؤلاء أنه لا يحصل لهم الخوارق عند أفعال الخير التي يحبها الله ورسوله، كالصلاة والقراءة والذكر والدعاء وقيام الليل، بل إنما يحصل إذا أشركوا بالله، فاستغاثوا ببعض المخلوقين، أو عاشروا النسوان والمردان معاشرة قبيحة، أو [ ص: 81 ] حضروا سماع المكاء والتصدية، وإذا اجتمعت المحرمات كانت أحوالهم أقوى. فهذا مما يبين أنهم من حزب الشياطين وأوليائه، لا من حزب الرحمن وأوليائه، قال تعالى: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون .

التالي السابق


الخدمات العلمية