الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال : ) وإذا تزوج الحر أمة ابنه جاز النكاح عندنا ، ولا يجوز عند الشافعي رحمه الله تعالى ، وقيل هذا بناء على الأصل الذي تقدم أن عنده لا يجوز للحر نكاح الأمة إلا عند عدم طول الحرة ، وعلى الابن أن يعف أباه فيستغني به عن نكاح الأمة ، ولكن هذا ليس بصحيح ، فإنه لو تزوج أمة غيره صح النكاح إذ لم يكن في ملكه ما يتزوج به الحرة ، والأصح أنه هذه مسألة مبتدأة ، فوجه قوله أن للأب حق الملك في مال ولده حتى لو وطئ جارية ابنه مع علمه بحرمتها لا يلزمه الحد ، فلا يجوز له أن يتزوجها ، كالمولى إذا تزوج أمة من كسب مكاتبه بل أولى ; لأن حق الملك في مال ولده أظهر .

ألا ترى أن استيلاده في جارية الابن صحيح ، واستيلاد [ ص: 123 ] المولى أمة مكاتبه لا يصح ، توضيحه أن الولد كسبه قال صلى الله عليه وسلم : { إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه } فجارية الابن كسب كسبه ، فلا يملك التزوج كأمة عبده ، ولكنا نقول : ليس له في جارية ولده ملك ، ولا حق ملك ، فيجوز له أن يتزوجها كأمة أبيه وأخيه ، وإنما قلنا ذلك ; لأنه يحل للابن أن يطأ جاريته بالاتفاق ، ولو كان لأبيه فيها حق الملك لم يحل له وطؤها كالمكاتب ، فإنه لا يحل له أن يطأ أمته لما كان للمولى فيها حق الملك ، فأما سقوط الحد ، فليس لقيام حق الملك له في الجارية ، ولكن لظاهر الإضافة في قوله صلى الله عليه وسلم : { أنت ومالك لأبيك } وهذا الظاهر وإن كان لم يكن معمولا به في إيجاب ملك أو حق ملك له فيها يصير شبهة في إسقاط الحد كالبيع بشرط الخيار لا يوجب الملك ولا حق الملك للمشتري ثم يسقط الحد به ، وكذلك العقد الفاسد من نكاح أو بيع قبل القبض ، والولد وإن كان كسبا له فهو كسب حر ، فلا يثبت له حق الملك في كسبه ، بمنزلة مال المعتق لا حق للمعتق فيه ، وإن كان المعتق كسبا له ; لأنه كسب حر ، فأما صحة الاستيلاد ليس باعتبار حق الملك له فيها بل بولاية التملك عند الحاجة وتقرر حاجته إلى صيانة مائه كي لا يضيع نسله ، فإن تزوجها فولدت له ولدا كان الولد حرا ; لأن الولد يتبع الأم في الملك فمولى الجارية هنا ملك أخاه فيعتق عليه بالقرابة ، ولا تصير الجارية أم ولد له عندنا ، وعند زفر رحمه الله تعالى تصير أم ولد له ، وكذا إذا استولدها بنكاح فاسد أو وطء بشبهة عندنا لا تصير أم ولد له خلافا لزفر رحمه الله تعالى ، وحجته أنه لو استولدها بفجور صارت أم ولد له ، فإذا استولدها بنكاح أو بشبهة نكاح أولى أن تصير أم ولد له ، ولكنا نقول إذا استولدها بغير شبهة فهناك يصير متملكا لحاجته إلى ذلك كي لا يضيع ماؤه ، فإن إثبات النسب غير ممكن بدون التملك ; لأنه ليس له فيها ملك ولا حق ملك ، فإذا تملكها سابقا على الاستيلاد كان الاستيلاد في ملك نفسه ، فلهذا صارت أم ولد له وهنا غير محتاج إلى تملكها لإثبات النسب بل النكاح أو شبهة النكاح يكفي ; لذلك فلم يصر متملكا لها ، فلهذا لا تصير أم ولد له .

التالي السابق


الخدمات العلمية