الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 10 ] واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون . إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون . قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون . قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون . وما علينا إلا البلاغ المبين . قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم . قالوا طائركم معكم أإن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: واضرب لهم مثلا المعنى: صف لأهل مكة مثلا; أي: شبها . وقال الزجاج : المعنى: مثل لهم مثلا أصحاب القرية وهو بدل من مثل، كأنه قال: اذكر لهم أصحاب القرية . وقال عكرمة، وقتادة: هذه القرية هي أنطاكية .

                                                                                                                                                                                                                                      إذ أرسلنا إليهم اثنين وفي اسميهما ثلاثة أقوال . أحدها: صادق وصدوق، قاله ابن عباس، وكعب . والثاني: يوحنا وبولس، قاله وهب بن منبه . والثالث: تومان وبولس، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 11 ] قوله تعالى: فعززنا قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: "فعززنا" بتشديد الزاي، قال ابن قتيبة : المعنى: قوينا وشددنا، يقال: تعزز لحم الناقة: إذا صلب . وقرأ أبو بكر، والمفضل عن عاصم: "فعززنا" خفيفة، قال أبو علي: أراد: فغلبنا . قال مقاتل: واسم هذا الثالث شمعون، وكان من الحواريين، وهو وصي عيسى عليه السلام . قال وهب: وأوحى الله إلى شمعون يخبره خبر الاثنين ويأمره بنصرتهما، فانطلق يؤمهما . وذكر الفراء أن هذا الثالث كان قد أرسل قبلهما; قال: ونراه في التنزيل كأنه بعدهما، وإنما المعنى: فعززنا بالثالث الذي قبلهما، والمفسرون على أنه إنما أرسل لنصرتهما، ثم إن الثالث إنما يكون بعد ثان، فأما إذا سبق الاثنين فهو أول; وإني لأتعجب من قول الفراء . واختلف المفسرون فيمن أرسل هؤلاء الرسل على قولين . أحدهما: أن الله تعالى أرسلهم، وهو ظاهر القرآن، وهو مروي عن ابن عباس، وكعب، ووهب .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن عيسى أرسلهم، وجاز أن يضاف ذلك إلى الله تعالى لأنهم رسل رسوله، قاله قتادة، وابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا أي: مالكم علينا فضل في شيء وما أنزل الرحمن من شيء أي: لم ينزل كتابا ولم يرسل رسولا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 12 ] وما بعده ظاهر إلى قوله قالوا إنا تطيرنا بكم وذلك أن المطر حبس عنهم، فقالوا: إنما أصابنا هذا من قبلكم لئن لم تنتهوا أي: تسكتوا عنا لنرجمنكم أي: لنقتلنكم .

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا طائركم معكم أي: شؤمكم معكم بكفركم، لا بنا أإن ذكرتم قرأ ابن كثير: "أين ذكرتم" بهمزة واحدة بعدها ياء; وافقه أبو عمرو، إلا أنه كان يمد . قال الأخفش: معناه: حيث ذكرتم، أي: وعظتم وخوفتم، وهذا استفهام جوابه محذوف، تقديره: أئن ذكرتم تطيرتم بنا؟! وقيل أئن ذكرتم قلتم هذا القول؟ والمسرفون هاهنا: المشركون

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية