الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
20172 8843 - (20695) - (5\72 - 73) عن أبي حرة الرقاشي، عن عمه، قال: كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق، أذود عنه الناس، فقال: " يا أيها الناس، هل تدرون في أي يوم أنتم؟ وفي أي شهر أنتم ؟ وفي أي بلد أنتم؟ " قالوا: في يوم حرام، وشهر حرام، وبلد حرام، قال: " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقونه "، ثم قال: " اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه، ألا وإن كل دم، ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل، ألا وإن كل [ ص: 238 ] ربا كان في الجاهلية موضوع، وإن الله قضى أن أول ربا يوضع، ربا العباس بن عبد المطلب، لكم رءوس أموالكم، لا تظلمون، ولا تظلمون، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، ثم قرأ: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم [التوبة: 36] ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينكم، فاتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإن لهن عليكم، ولكم عليهن حقا : أن لا يوطئن فرشكم أحدا غيركم، ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح "، قال حميد: قلت للحسن : ما المبرح؟ قال: المؤثر، " ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها "، وبسط يديه، فقال: " ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب، فإنه رب مبلغ أسعد من سامع "، قال حميد: قال الحسن حين بلغ هذه الكلمة: " قد والله بلغوا، أقواما كانوا أسعد به ".

التالي السابق


* قوله : "إلى يوم تلقونه": أي: إلى يوم القيامة، أو إلى الموت، والمراد: الأبد؛ إذ دائرة التكليف تنقطع بعد ذلك.

* "تعيشوا": أي: عيشا هنيئا في الدنيا، أو المراد: عيش الآخرة؛ إذ لا عيش إلا عيش الآخرة.

* "إلا بطيب نفس منه": أي: بمعاملة شرعية رضي بها، وإلا فلو رضي بمعاملة غير صحيحة شرعا لما حل؛ كما في الربا، ويحتمل أنه ترك ذكر [ ص: 239 ] المعاملة؛ اعتمادا على ما بعده من إبطال الربا مثلا. وبالجملة: فلا بد من كون المعاملة مشروعة، ومن الرضا بها.

* "ومأثرة": - بفتح ميم وضم مثلثة أو فتحها - : كل ما يذكر ويؤثر من مكارم أهل الجاهلية ومفاخرهم.

* "تحت قدمي": كناية عن إبطالها وإسقاطها؛ أي: فلا مؤاخذة بعد الإسلام بما جرى في الجاهلية، ولا قصاص ولا كفارة ولا دية، ولا يؤخذ الزائد على رأس المال بما وقع في الجاهلية من عقد الربا.

* "يوضع": أي: يبطل، بدأ به؛ لأنه دم قرابته؛ كما بدأ بربا العباس.

* "قد استدار": أي: صار على هيئته؛ أي: وبطل ما كان عليه أهل الجاهلية من النسيء.

* "أن يعبده المصلون": بسجود لا صنم.

* "عوان": أي: أسيرات محبوسات بقيود الزوجية.

* "شيئا": من الخروج.

* "وإن لهن عليكم": أي: حقوقا ، فحذف اسم "إن" لظهوره.

* "ألا يوطئن": صيغة جمع الإناث من الإيطاء.

قال ابن جرير في "تفسيره": معناه: ألا يمكن من أنفسهن أحدا سواكم، ورد: بأنه لا معنى حينئذ لاشتراط الكراهة؛ لأنالزنا حرام على الوجوه كلها.

قلت: يمكن الجواب بأن الكراهة في جماعهن يشمل عادة للكل سوى الزوج، ولذلك قال ابن جرير: أحدا سواكم.

[ ص: 240 ]

وقال الخطابي: معناه: لا يأذن لأحد من الرجال يدخل فيتحدث إليهن، وكان عادة العرب تحديث الرجال إلى النساء.

وقال النووي: المختار: لا يأذن لأحد تكرهون دخوله في بيوتكم، سواء كان رجلا أو امرأة، أجنبيا أو محرما منها.

* "مبرح": - بكسر الراء المشددة بعدها حاء مهملة - أي: غير شديد ولا شاق.

"بكلمة الله": أي: بإباحته وحكمه، قيل: المراد بها: الإيجاب والقبول؛ أي: الكلمة التي أمر الله تعالى بها، وقيل: بالإباحة المذكورة في قوله تعالى: فانكحوا [النساء: 3] وقيل: كلمة التوحيد؛ إذ لا تحل مسلمة لغير المسلم، وقيل: كلمة الله: هي قوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [البقرة: 229].

* * *




الخدمات العلمية