الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسألة الرابعة عشرة

                        في نسخ المفهوم

                        وقد تقدم تقسيمه إلى مفهوم مخالفة ، ومفهوم موافقة .

                        [ ص: 565 ] أما مفهوم المخالفة : فيجوز نسخه مع نسخ أصله ، وذلك ظاهر ، ويجوز نسخه بدون نسخ أصله ، وذلك كقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : الماء من الماء فإنه نسخ مفهومه بما ثبت من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا قعد بين شعبها الأربع وجهدها ، فقد وجب الغسل ، وفي لفظ إذا لاقى الختان الختان ، فهذا نسخ مفهوم الماء من الماء ، وبقي منطوقه محكما غير منسوخ ; لأن الغسل واجب من الإنزال بلا خلاف .

                        وأما نسخ الأصل دون المفهوم ، ففي جوازه احتمالان ، ذكرهما الصفي الهندي ، قال : والأظهر أنه لا يجوز .

                        قال سليم الرازي : في التقريب : من أصحابنا من قال يجوز أن يسقط اللفظ ويبقى دليل الخطاب ؟

                        والمذهب أنه لا يجوز ذلك ; لأن الدليل إنما هو تابع للفظ يستحيل أن يسقط الأصل ويكون الفرع باقيا .

                        وأما مفهوم الموافقة : فاختلفوا هل يجوز نسخه ، وللنسخ به ، أم لا ؟

                        أما جواز النسخ به ، فجزم القاضي بجوازه في التقريب وقال : لا فرق في جواز النسخ بما اقتضاه نص الكتاب وظاهره ، جوازه بما اقتضاه فحواه ولحنه ، ومفهومه ، وما أوجبه العموم ودليل الخطاب عند مثبتها ; لأنه كالنص أو أقوى منه . انتهى .

                        وكذا جزم بذلك ابن السمعاني . قال : لأنه مثل النطق وأقوى .

                        [ ص: 566 ] ونقل الآمدي ، والفخر الرازي الاتفاق على أنه ينسخ به ما ينسخ بمنطوقه ، قال الزركشي في البحر وهو عجيب ، فإن في المسألة وجهين لأصحابنا وغيرهم ، حكاهما الماوردي في الحاوي والشيخ أبو إسحاق في اللمع وسليم الرازي ، وصححوا المنع ، والماوردي نقله عن الأكثرين ، قال : لأن القياس فرع النص ، الذي هو أقوى ، فلا يجوز أن يكون ناسخا له .

                        قال : والثاني - وهو اختيار ابن أبي هريرة وجماعة - الجواز .

                        وأما جواز نسخه فهو ينقسم إلى قسمين :

                        ( الأول ) : أن ينسخ مع بقاء أصله .

                        ( والثاني ) : أن ينسخ تبعا لأصله .

                        ولا شك في جواز الثاني .

                        وأما الأول : فقد اختلف فيه الأصوليون على قولين :

                        ( أحدهما ) : الجواز ، وبه قال أكثر المتكلمين ، وجعلوه مع أصله كالنصين ، يجوز نسخ أحدهما مع بقاء الآخر . ونقله سليم عن الأشعري وغيره من المتكلمين قال : بناء على أصلهم أن ذلك مستفاد من اللفظ ، فكانا بمنزلة لفظين ، فجاز نسخ أحدهما ، مع بقاء حكم الآخر .

                        ( القول الثاني ) : المنع ، وصححه سليم الرازي ، وجزم به الروياني ، والماوردي ، ونقله ابن السمعاني عن أكثر الفقهاء ; لأن ثبوت لفظه موجب لفحواه ومفهومه ، فلم يجز نسخ الفحوى مع بقاء موجبه ، كما لا ينسخ القياس مع بقاء أصله .

                        وذهب بعض المتأخرين إلى التفصيل ، فقال : إن كانت علة المنطوق لا تحتمل التغيير ، كإكرام الوالدين بالنهي عن التأفيف ، فيمتنع نسخ الفحوى ; لأنه يناقض المقصود ، وإن احتملت النقض جاز ، كما لو قال لغلامه : لا تعط زيدا درهما ، قاصدا بذلك حرمانه ، ( لأكثر منه ) ثم يقول : أعطه أكثر من درهم ، ولا تعطه درهما ، لاحتمال أنه انتقل من علة حرمانه إلى علة مواساته .

                        وهذا التفصيل قوي جدا .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية