الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب رفع الإمام يده في الاستسقاء

                                                                                                                                                                                                        984 حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه [ ص: 600 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 600 ] قوله : ( باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء ) تضمنت هذه الترجمة الرد على من زعم أنه يكتفى بدعاء الإمام في الاستسقاء ، وقد أشرنا إليه قريبا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أيوب بن سليمان ) أي ابن بلال ، وهو من شيوخ البخاري ، إلا أنه ذكر هذه الطريق عنه بصيغة التعلق ، وقد وصلها الإسماعيلي وأبو نعيم والبيهقي من طريق أبي إسماعيل الترمذي عن أيوب ، وقد تقدم الكلام على بقية المتن في " باب تحويل الرداء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأتى الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله بشق المسافر ) كذا للأكثر بفتح الموحدة وكسر المعجمة بعدها قاف ، واختلف في معناه فوقع في البخاري بشق أي مل ، وحكى الخطابي أنه وقع فيه بشق اشتد أي اشتد عليه الضرر ، وقال الخطابي : بشق ليس بشيء ، وإنما هو " لثق " يعني بلام ومثلثة بدل الموحدة والشين يقال : لثق الطريق أي صار ذا وحل ولثق الثوب إذا أصابه ندى المطر . قلت وهو رواية أبي إسماعيل التي ذكرناها . قال الخطابي : ويحتمل أن يكون مشق بالميم بدل الموحدة أي صارت الطريق زلقة ، ومنه مشق الخط والميم والباء متقاربتان . وقال ابن بطال : لم أجد لبشق في اللغة معنى . وفي نوادر اللحياني : نشق بالنون أي نشب ، انتهى .

                                                                                                                                                                                                        وفي النون والقاف من مجمل اللغة لابن فارس وكذا في الصحاح : نشق الظبي في الحبالة أي علق فيها ، ورجل نشق إذا كان ممن يدخل في أمور لا يتخلص منها . ومقتضى كلام هؤلاء أن الذي وقع في رواية البخاري تصحيف ، وليس كذلك بل له وجه في اللغة لا كما قالوا ، ففي " المنضد " لكراع بشق بفتح الموحدة تأخر ولم يتقدم ، فعلى هذا فمعنى بشق هنا ضعف عن السفر وعجز عنه كضعف الباشق وعجزه عن الصيد لأنه ينفر الصيد ولا يصيد . وقال أبو موسى في ذيل الغريبين [1] الباشق طائر معروف ، فلو اشتق منه فعل فقيل بشق لما امتنع ، قال : ويقال : بشق الثوب وبشكه قطعه في خفة ، فعلى هذا يكون معنى بشق أي قطع به من السير ، انتهى كلامه . وأما ما وقع في بعض الروايات بثق بموحدة ومثلثة فلم أره في شيء مما اتصل بنا ، وهو تصحيف ، فإن البثق الانفجار ولا معنى له هنا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الأويسي ) هو عبد العزيز بن عبد الله ، ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير المدني أخو إسماعيل . وهذا التعليق ثبت هنا للمستملي وثبت لأبي الوقت وكريمة في آخر الباب الذي بعده ، وسقط للباقين رأسا لأنه مذكور عند الجميع في كتاب الدعوات ، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج كما سيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 601 ] قوله : ( باب رفع الإمام يده في الاستسقاء ) ثبتت هذه الترجمة في رواية الحموي والمستملي ، قال ابن رشيد : مقصوده بتكرير رفع الإمام يده - وإن كانت الترجمة التي قبلها تضمنته - لتفيد فائدة زائدة وهي أنه لم يكن يفعل ذلك إلا في الاستسقاء ، قال : ويحتمل أن يكون قصد التنصيص بالقصد الأول على رفع الإمام يده كما قصد التنصيص في الترجمة الأولى بالقصد الأول على رفع الناس ، وإن اندرج معه رفع الإمام . قال : ويجوز أن يكون قصد بهذه كيفية رفع الإمام يده لقوله : حتى يرى بياض إبطيه " انتهى . وقال الزين بن المنير ما محصله : لا تكرار في هاتين الترجمتين ؛ لأن الأولى لبيان اتباع المأمومين الإمام في رفع اليدين ، والثانية لإثبات رفع اليدين للإمام في الاستسقاء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن سعيد ) هو ابن أبي عروبة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن قتادة عن أنس ) في رواية يزيد بن زريع عن سعيد " عن قتادة أن أنسا حدثهم " كما سيأتي في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلا في الاستسقاء ) ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء ، وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء وقد تقدم أنها كثيرة ، وقد أفردها المصنف بترجمة في كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث ، فذهب بعضهم إلى أن العمل بها أولى ، وحمل حديث أنس على نفي رؤيته ، وذلك لا يستلزم نفي رؤية غيره . وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة أما الرفع البليغ فيدل عليه قوله " حتى يرى بياض إبطيه " ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به مد اليدين وبسطهما عند الدعاء ، وكأنه عند الاستسقاء مع ذلك زاد فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حاذتاه وبه حينئذ يرى بياض إبطيه ، وأما صفة اليدين في ذلك فلما رواه مسلم من رواية ثابت عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء ولأبي داود من حديث أنس أيضا " كان يستسقي هكذا ومد يديه - وجعل بطونهما مما يلي الأرض - حتى رأيت بياض إبطيه " قال النووي : قال العلماء : السنة في كل دعاء لرفع البلاء أن يرفع يديه جاعلا ظهور كفيه إلى السماء ، وإذا دعا بسؤال شيء وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء . انتهى . وقال غيره : الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل بتقلب الحال ظهرا لبطن كما قيل في تحويل الرداء ، أو هو إشارة إلى صفة المسئول وهو نزول السحاب إلى الأرض .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية